المرجعية الدينية واستحقاقات النجاح الانتخابي العراقي
عادل الجبوري
انتظر العراقيون بشغف طيلة عدة أيام سبقت يوم الجمعة الماضي، ما ستقوله المرجعية الدينية، متمثلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني بخصوص الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها مطلع الأسبوع المقبل، عسى أن يتوقف السجال القائم في الفضاءين السياسي والجماهيري، وتتحدد وتتوضح المسارات الصحيحة والمطلوبة.
وقد اعتاد العراقيون، حتى من غير الذين يتبعون المرجعية الدينية، انتظار وترقب مواقف المرجعية وتوجيهاتها في المحطات الحرجة، والمنعطفات الخطيرة، والقضايا المصيرية، ولان الانتخابات تعد حدثا مهما للغاية، ولتفاوت الاراء والمواقف-بل وتقاطعها-على الصعيدين السياسي والشعبي، بشأن المشاركة فيها من عدمها، وبشأن آليات وسياقات تحديد الاختيار الأفضل، فإنه كان لا بد من كلام واضح، يكون بمثابة وضع النقاط على الحروف من قبل المرجعية.
ولا شك أن المرجعية الدينية في النجف الأشرف، كانت تقدر أهمية وحساسية ذلك الأمر، وتعرف جيدا ان غالبية الشعب العراقي ينتظر منها موقفا وتوجيها، لذلك بادرت قبل نحو أسبوع الى الاعلان بأنها ستصدر بيانا بهذا الخصوص في السابع عشر من شهر شعبان(الجمعة 4 ايار-مايو 2018)، وبالفعل، وكما هو المعتاد صدر البيان عبر منبر صلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف في مدينة كربلاء المقدسة.
البعض قال إن بيان المرجعية لم يأت بجديد، والبعض الآخر أكد أن هناك كلامًا جديدًا للمرجعية، لم يقل سابقاً، وهو ما يمكن أن يكون عنصراً مؤثراً الى حد كبير في تصحيح المسارات الخاطئة، ومعالجة السلبيات القائمة.
ربما يكون الرأيان صائبين وصحيحين، فبالفعل، كانت هناك جملة أمور وردت في بيان المرجعية الدينية، هي في الواقع بمثابة تأكيد واعادة تذكير بمواقف وتوجيهات ونصائح سابقة، من قبيل:
-"من الواضح ان المسار الانتخابي لا يؤدي الى نتائج مرضية الا مع توفر عدة شروط، منها، أن يكون القانون الانتخابي عادلاً يرعى حرمة اصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها. ومنها، أن تتنافس القوائم الانتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي او الطائفي والمزايدات الاعلامية. ومنها، أن يُمنع التدخل الخارجي في أمر الانتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك. ومنها، وعي الناخبين لقيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين إزاء ثمن بخس ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف أو رعايةً للمصالح الشخصية او النزعات القَبلية أو نحوها".
-"المرجعية الدينية العليا تؤكد وقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشحين ومن كافة القوائم الانتخابية، بمعنى أنها لا تساند أيّ شخص أو جهة أو قائمة على الاطلاق".
-"العبرة كل العبرة بالكفاءة والنزاهة، والالتزام بالقيم والمبادئ، والابتعاد عن الأجندات الاجنبية، واحترام سلطة القانون، والاستعداد للتضحية في سبيل إنقاذ الوطن وخدمة المواطنين، والقدرة على تنفيذ برنامج واقعي لحلّ الأزمات والمشاكل المتفاقمة منذ سنوات طوال".
وطبيعي أن إعادة التأكيد والتذكير بالتوجهات والمسارات الصحيحة والمطلوبة من قبل المرجعية الدينية ينطوي على أهمية كبيرة، وأنه ليس بالضرورة أن يكون كل تكرار عبارة عن كلام إضافي لا جدوى منه، بل على العكس تماما، فالتكرار في الظروف والاوضاع الاستثنائية يعد أمراً لا مناص منه، لا سيما اذا كان صادرا من كيان ديني يحظى باحترام وقدسية كبيرين، كما هو الحالة بالنسبة للمرجعية الدينية.
وتزداد أهمية ذلك التكرار اذا عرفنا أنه لا يخرج عن سياق بعضا مما يبدو أنه شيء جديد، من قبيل:
-"من المؤكد ان الاخفاقات التي رافقت التجارب الانتخابية الماضية ـ من سوء استغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممن انتخبوا او تسنّموا المناصب العليا في الحكومة، ومساهمتهم في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصصات كبيرة، وفشلهم في اداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه – لم تكن الا نتيجة طبيعية لعدم تطبيق العديد من الشروط اللازمة-ولو بدرجات متفاوتة-عند اجراء تلك الانتخابات".
-"ان المشاركة في هذه الانتخابات حق لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، وليس هناك ما يُلزمه بممارسة هذا الحق الا ما يقتنع هو به من مقتضيات المصلحة العليا لشعبه وبلده.. ويبقى قرار المشاركة او عدمها متروكاً له وحده، وهو مسؤول عنه على كل تقدير، فينبغي أن يتخذه عن وعي تام وحرصٍ بالغٍ على مصالح البلد ومستقبل ابنائه".
-ضرورة "الاطلاع على المسيرة العملية للمرشحين ورؤساء قوائمهم-ولا سيما من كان منهم في مواقع المسؤولية في الدورات السابقة- لتفادي الوقوع في شِباك المخادعين من الفاشلين والفاسدين، من المجرَّبين أو غيرهم".
وبعبارات أخرى أكثر وضوحاً واختصاراً، فإن المرجعية الدينية، تركت الخيار للمواطن في المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات، مع التذكير بأهمية عدم التفريط بحق الانتخاب.
وأشارت بلا لبس ولا غموض الى اخفاقات وسلبيات وأخطاء المراحل السابقة، وبما أنها تدرك حجم الاحباط والاستياء لدى المواطن، فلربما كان السبب الذي جعلها، تحول "الالزام" بالمشاركة في الانتخابات الى "اختيار".
والشيء المهم جدا، هو أنها أرادت أن تقول "لا تنتخبوا الذين تصدوا لمواقع المسؤولية، سواء كانوا كيانات او أشخاصًا، وثبت فشلهم واخفاقهم وفسادهم، وتجديد الثقة بمن نجح واخلص بمهامه ومسؤولياته".
وعلى ضوء ردود الافعال السياسية والشعبية حول بيان المرجعية، وطبيعة تفاعل مختلف الأوساط والمحافل المجتمعية، يمكن القول، ان ما طرحته ووجهت به، من شأنه ان يؤثر في نسب المشاركة، وفي خيارات أعداد لا يستهان بها من المواطنين، وفي فرز الصالح من الطالح في مشهد العراق الانتخابي، الحافل بالكثير من المرشحين والعهود والوعود والبرامج والشعارات والصور واللافتات.