"صفقة القرن": منطلقها فلسطين ومحورها سورية ومنتهاها إيران؟:
د. عصام نعمان
«صفقة القرن» مشروع سياسي ارتدادي تصفوي، صاحبه دونالد ترامب. عنوانه تصفية قضية فلسطين لمصلحة الكيان العنصري الاقتلاعي الصهيوني .
العنوان وحده لا يلخّص مضمون المشروع. ثمة أبعاد له وأغراض لا تقلّ خطورة عن تصفية قضية فلسطين، بل لعلها أخطر وأشمل ويمكن إجمالها بتصفية قضية العرب، بما هي قضية حريتهم وتحررهم ونهضتهم ووحدة بلادهم وحقهم في العدالة والتنمية والفعل الحضاري.
هذا المشروع الارتدادي التصفوي المتكامل صبّ ترامب أخيراً على نيرانه المتأججة زيتاً باعترافه بالقدس عاصمةً لـِ «اسرائيل» ونقْل سفارتها اليها. رَفَد ذلك لاحقاً بما أسماه «مبادرة سلام معدّلة» تنصّ على عودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الى التفاوض على قضايا الحل النهائي وترْك ملف القدس الى المرحلة النهائية. الفلسطينيون عموماً، شعباً وتنظيمات، رفضوا «صفقة القرن». تردّد ان محمود عباس رفض مبادرة السلام المعدّلة. الهجوم الصهيو-أميركي مستمر ومتطاول، وفي مواجهته تتصاعد مقاومةٌ فلسطينيةٌ متعاظمة في الوطن والشتات.
الهجوم الصهيو – أميركي متعدد الجبهات. ها هو يمتد في هذه الآونة الى سورية وعبرها الى إيران. وزير الحرب الإسرائيلي افيغدور ليبرمان شدّ رحاله الى واشنطن، حيث اجتمع الى وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الامن القومي جون بولتن وبحث معهما ما وصفه، بأنه «التوسّع الإيراني في الشرق الأوسط، خصوصاً في سورية». هدّد قائلاً: «كل موقع نرى فيه محاولة لتموضع إيران عسكرياً في سورية سندمره، ولن نسمح بذلك اياً كان الثمن».
في موازاة تهديدات ليبرمان، أبرز مندوب «اسرائيل» في الامم المتحدة ما زعم انه «خريطة تبيّن ان إيران جنّدت اكثر من 80 الف مقاتل شيعي في سورية، وأن قاعدة التدريب تبعد نحو ثمانية كيلومترات عن دمشق». ألا توحي مزاعمه بعدوان وشيك؟
وزير الدفاع ماتيس أعلن خلال جلسة استماع في لجنة شؤون القوات المسلحة داخل مجلس الشيوخ أن الولايات المتحدة «تعتزم توسيع محاربة «داعش» من خلال إشراك دول المنطقة … ونحن لا نسحب قواتنا الآن، وأنا واثق أننا سنأسف اذا سحبناها … والفرنسيون ارسلوا قوات خاصة الى سورية لتعزيز مهمتنا خلال الأسبوعين الماضيين، وستشاهدون جهداً جديداً في وادي الفرات في الايام المقبلة».
من الواضح، إذاً، أن ثمة ترتيبات عملية يقوم الأميركيون بإعدادها لتنفيذ خطة واسعة النطاق في وادي الفرات تبدأ من شمال شرق دير الزور وقد تنتهي في أطراف محافظة الحسكة. اللافت في هذا المجال، انطلاق عملية واسعة لنقل مقاتلي «داعش» و«النصرة» الذين ارغموا على الانسحاب من دوما وسائر قرى غوطة دمشق الشرقية الى بلدات وقرى وادي الفرات بغية تحشيدهم وتنظيمهم في وحدات مقاتلة تعمل الى جانب قوات سورية الديمقراطية الكردية «قسد» المتعاونة مع القوات الأميركية والقوات الفرنسية الخاصة التي جرى نشرها أخيراً شمال وادي الفرات.
الى ذلك، لا يستبعد مسؤولون سوريون وروس أن تتمحور أغراض الخطة الأميركية في إقامة كيان انفصالي شرق الفرات قوامه عشائر عربية تديرها قيادات سورية موالية للسعودية. كما لا يستبعدون ايضاً أن تنطوي هذه الخطة على إقامة كيان كردي سوري منفصل عن حكومة دمشق المركزية بغية تعزيز دور الأطراف السورية المعارضة في أية مفاوضات قد تجري لاحقاً للبحث في تسوية سياسية للأزمة.
للهجوم الصهيو – أميركي وجهان إقليمي ودولي يتمثّلان بالضغوط التي تمارسها «إسرائيل» في اميركا واوروبا من اجل إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. ترامب يبدو متجهاً الى اعتماد خيار الإلغاء بعدما بات واضحاً أن إيران لن توافق على أي تعديل لنص الاتفاق وأن غالبية دول اوروبا ترى مصلحتها في الإبقاء عليه.
إذا ركب ترامب رأسه وألغى الاتفاق، ماذا ستكون خطوته التالية؟
ثمة احتمالان: الاول، ان تقوم ادارة ترامب بفرض عقوبات اضافية قاسية على إيران والضغط على دول اوروبا لمجاراتها في هذا السبيل. الثاني، ان تقوم اميركا بالتحالف مع فرنسا وبريطانيا وبعض دول الخليج الفارسي، بعمليات عسكرية متصاعدة لإرهاق إيران في سورية وصولاً الى إخراجها منها. ذلك يؤدي، في رأي أنصار هذه المقاربة، الى تحقيق هدفين إستراتيجيين: حماية «اسرائيل» وإبقاء يدها هي العليا في غرب آسيا، وإضعاف نفوذ روسيا ما يساعد اميركا واوروبا ودول الخليج الفارسي على الاستئثار بالمكاسب المرتجاة من مرحلة إعادة إعمار سورية بعد الحرب.
الى ذلك، تميل القيادات المتشددة في «الدولة العميقة» داخل الولايات المتحدة كما قيادات اليمين الإسرائيلي الحاكم الى الاعتقاد بأن روسيا ستتهيّب مواجهة التحالف الاميركي الاوروبي – الخليجي في الساحة السورية مخافةَ الوقوع في مستنقع استنزافٍ طويل الأمد لا طاقة لها على احتماله. كما تعتقد هذه القيادات بأن لا تداعيات عسكرية خطيرة لقيام إيران بالردّ على أطراف التحالف المعادي بالعودة الى تخصيب اليورانيوم بنسبةٍ مئوية عالية لعدم جدواه ولكونها ملتزمة دينياً وسياسياً بموقف المرشد الراحل الامام الخميني بتحريم صنع اسلحة نووية.
كيف تراها تردّ روسيا وإيران؟
بات واضحاً أن موسكو حزمت أمرها وقررت تزويد سورية بمنظومةَ دفاعٍ جوي متطورة من طراز S-300 من شأنها إعاقة حركة سلاح الجو الإسرائيلي وربما تكبيده خسائر فادحة في حال تصعيد اعتداءاته داخل الأراضي السورية. إيران تبدو مصممة، وقادرة، على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على قواعد تمركزها في سورية، بل على الردّ في العمق الإسرائيلي اذا اقتضى الأمر. وثمة بين المتخصصين في الشؤون الإيرانية مَن يعتقد ان تصعيد لهجة العداء الصهيو – أميركي والمباشرة في ترجمته على الأرض سيدفع القيادة الإيرانية العليا الى إعادة النظر بموقفها السلبي من صنع قنبلة نووية، وذلك باتجاه تصنيع أحد أسلحة الدمار الشامل لتحقيق توازنٍ فاعل في الردع كاللجوء، في الاقل، الى تصنيع اسلحة نووية تكتيكية للمدى القصير ووضعها في متناول مقاتلي قوى المقاومة السورية واللبنانية والفلسطينية الامر الذي يُلحق بالكيان الصهيوني خسائر بشرية ومادية لا تُحتمل.
قيادات «إسرائيل» تدرك هذه المخاطر والعواقب الهائلة، لذا يدعو بعضها الى استباق المصيرالكارثي لكيانها الهشّ بشنّ حربٍ تدميرية شاملة على إيران في الحاضر طالما ميزان القوى ما زال يميل لمصلحة «اسرائيل» بفضل دعم الولايات المتحدة قبل أن تنجح إيران في المستقبل المنظور، وبدعم من حلفائها، بتحقيق توازنٍ رادع وكاسرٍ لإرادة «اسرائيل» واميركا معاً.
«اسرائيل» لن تتخذ بالتأكيد قرار الحرب على إيران إلاّ بموافقة اميركا وبدعمٍ سخي منها، وربما بشرط مشاركتها فيها. العقل والمنطق يجزمان بأن أميركا لن تنزلق الى اتخاذ قرارٍ جنوني من هذا الطراز، لأنه ما زال في أروقة «دولتها العميقة»، ولا سيما في الكونغرس والبنتاغون، من العقول والإرادات ما يعصمها من نزق ساكن البيت الابيض وغلّه الأسود.
هكذا يتضح ان «صفقة القرن» منطلقها فلسطين ومحورها سورية ومنتهاها إيران، فهل كثير على قوى المقاومة في مشرق العرب اختصار مسار الآلام باجتراح نهاية قريبة للحرب الدائرة في سورية وعليها؟