الدم العراقي حقق النصر على داعش
أحمد محمد باقر
التاسع من كانون الأول يوم خالد في ذاكرة العراقيين كيف لا وهو ثمرة سنين من التضحيات، سنين من الدماء، سنين من البكاء، سنين من الحزن والألم والشقاء، سنين من هيمنة داعش على أرض الرافدين.. أرض العراق.
داعش الذي خرب البلاد وقتل العباد وانتهك الحرمات ودنس المقدسات وذبح الأطفال وسبى النساء وعاث فساداً في البلاد ولم يترك موبقة إلا فعلها ولا جريمة إلا إرتكبها ولا سيئة إلا فعلها ولم يرحم القريب ولا البعيد ولا الكبير ولا الصغير ها هو يرحل عن العراق ذليلاً حقيراً بفضل سواعد أبطال القوات العراقية المسلحة والحشد الشعبي.
لقد أنجز الشعب العراقي وقواته الباسلة وأبناءه الشجعان من الحشد الشعبي تحرير كامل الأراضي العراقية من سيطرة الارهاب الداعشي المقيت، في واحدة من الملاحم الخالدة عبر تأريخه المجيد، دفاعاً عن القيم الدينية والإنسانية الأصيلة التي استهدفها تنظيم داعش التكفيري الهمجي الظلامي على امتداد السنوات الماضية.
فقد كتب داعش خلال تلك السنوات العجاف فصول القتل والسبي والاغتصاب ورسم صورا سوداء مظلمة للحياة تقشعر منها الأبدان وتتألم لها النفوس وتحزن عليها الأرواح وأخرج مشاهد تدمير المعالم الحضارية والشواهد التأريخية التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ القديم، فتفوّق بذلك على كل جزاري العصور ومجرمي الأزمان وسفاحي التاريخ.
لكن مع الدماء الزكية التي سالت على أرض الرافدين فإن العالم بأجمعه وقف إجلالاً وإعجاباً واحتراماً للشعب العراقي الذي شطب صفحة داعش من خارطته وأزال رجسه عن أرضه الطاهرة ليذكر تلك الدول التي روجت لداعش ونفخت فيه لزمن طويل من أجل تنفيذ أجنداتها داخل العراق وادعت إنها مخلص الشعوب ومنقذها الوحيد من الإرهاب وحددت أسقف زمنية جوفاء لا قيمة لها من أجل القيام بهذه المهمة، إلا أن أبطال العراق وشهداءه عجلوا بساعة داعش وكتبوا نهايته في بلدهم دون أن يتوقفوا أو ينتظروا الوعود الكاذبة والمعسولة.
إن دماء الشهداء التي حققت النصر على داعش تطالب المسؤولين في البلاد والقائمين على إدارة شؤون العباد أن يكللوا هذا الإنتصار بإنتصار آخر على الفساد الذي يجثم على صدور أبناء العراق ويمثل الحاضنة الكبرى للإرهاب، وهو ما يتطلب فتح ملفات طويلة وعريضة قد أغلقت بسبب مقتضيات (المرحلة) أو ضرورة التحالفات أو توافق المصالح؛ خاصة وإن محاربة الفساد أصبحت اليوم شرطاً لوصول المساعدات والمساهمات المالية للمانحين الدوليين إلى العراق لإعادة بناءه من جديد.
إن دماء الشهداء تفرض أيضاً استحقاق إعادة تأهيل العراق وتوفير الخدمات والراحة والأمن لذوي الشهداء والجرحى والمعوقين بالدرجة الأولى، فأقل ما يمكن أن نفعله إزاء هذه الدماء الزكية والطاهرة التي سفكت على أرض العراق هو أن نكرم ذويهم ونجل عوائلهم وأسرهم المضحية.
إن تضحيات الشعب العراقي وتقديمه لكل هذه القوافل من الشهداء الأبرار وتحقيق الإنتصار الكبير يؤكد على أن إرادة هذا الشعب وإيمانه وعزيمته وصبره وصموده هي رقما صعبا في كل المعادلات وإن على رجال السياسة أن يأخذوا ذلك بعين الإعتبار وأن يحذروا من التغافل عنه أو نسيانه.