هل يؤدي تورط تركيا في شمال سوريا إلى حرب شاملة؟
نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية، موضوعا للصحفي المختص بالشؤون العسكرية باتريك كوبيرن بعنوان "واشنطن ستتسبب في إندلاع حروب جديدة في الشرق الأوسط بسبب تبديل سياساتها". وكتب كوبيرن إن "السياسات التركية التي بدأت تنفيذها مؤخرا، توضح بما لا يدع مجالا للشك أنّ أنقرة لن تسمح بوجود دولة كردية على حدودها، حتى ولو كان ذلك تحت حماية أمريكية".
إنّ هذا التردد الأمريكي في مواجهة القرار التركي، يعبر عن تراجع أمريكي سريع، نادرا ما يحدث في سياساتها الخارجية، وبهذا الشكل المتعثر حيث أدت السياسات الأمريكية إلى نتائج عكس ما كانت تهدف إليه واشنطن.
قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بشكل متسرع، إنّ بلاده ستحتفظ بوجودها العسكري في سوريا حتى بعد إنهيار تنظيم داعش الإرهابي مبررا ذلك بأن "واشنطن ترغب في منع عودة التنظيم، ومحاربة بشار الأسد والعمل على إزاحته، ومواجهة تزايد النفوذ الإيراني". وهي الأهداف التي تتضارب مع السياسات الأمريكية المعلنة سابقا، والتي أكدت خلالها، أنها لا تريد شيئا من سوريا سوى إنهاء وجود تنظيم داعش. إنّ "تصريحات تيلرسون" إستفزّت جيران سوريا، وهو ما دفعهم لتغيير سياساتهم أيضا بعدما غيرت واشنطن سياساتها بهذا الشكل، وأول علامة للتغير الكبير في المنطقة، جاء عندما أعلنت واشنطن تشكيل قوة عسكرية من الأكراد قوامها نحو 30 ألف جندي على الحدود بين سوريا وتركيا.
أعلنت تركيا عملية "غصن الزيتون" شمال سوريا، لتثير حربا جديدة بين تركيا والأكراد وتعلن أنها لن تسمح بتأسيس دولة كردية على حدودها، وأنها ستخوض الحرب دفاعا عن مصالحها.
لابد من الإشارة إلى، أنّ القرار التركي وإن كان في ظاهره محاولة لتأمين حدودها بالقضاء على الحلم الكردي المدعوم أمريكيا وفرنسيا، إلاّ أنّه قد يكون سببا إضافيا لإستمرار الأزمة، في ظل سعي النظام السوري وحلفاءه الدوليين وعلى رأسهم روسيا، للوصول إلى تفعيل مسار الحل السياسي وإيقاف الحرب، والجلوس موالاة ومعارضة على طاولة المفاوضات. في الوقت الذي تدّعي فيه الدبلوماسية التركية، دعمها لهذا المسار خاصة مع إنطلاق مؤتمر سوتشي بإدارة روسية، تحاول أمريكا عرقلة الحوار وإفشال الدور الروسي في الوصول إلى أرضية مشتركة بين مختلف مكونات المجتمع السوري.
من الواضح أنّ اردوغان لم يعد الحليف الممكن لأمريكا اليوم، كما أن المصالح المشتركة بينه وبين الإدارة الأمريكية، سقطت على جبهة عفرين. لكن الأكيد أنّ اردوغان، وبالرغم من تصريحاته بأنّ المعركة محسوبة، وأن أهدافها واضحة، تبقى نتائجها غير مضمونة في ظل سقوط جنود أتراك في الميدان، وضغوط داخلية، وإصرار الجانب الكردي على مواصلة القتال. مالا يريد أن يفهمه الجانب التركي، هو أن الأزمة السورية، يمكن أن تتسبب في إدخال تركيا في أزمة أكبر وأعقد من الأزمة الحالية التي تواجهها دمشق. وإن حصل هذا الأمر فعلا، ومهما كانت نتائج هذه المعركة فإن تركيا لن تكون في مأمن من الإرتدادات الحاصلة.
إنّ أمريكا قد تكون فعلا بتخليها عن الأكراد، تحاول دفع تركيا إلى عملية عفرين لتوريطها بطريقة أو بأخرى هناك، لأنه في نهاية المطاف، تضاريس عفرين الجغرافية والمحددات العسكرية الميدانية فيها، مختلفة تماما عن درع الفرات، مما قد يتسبب بمشاكل عسكرية وسياسية لتركيا في الداخل.
فعفرين عبارة عن منطقة جبلية، بالإضافة إلى أن هناك تسليحا لوحدات الشعب الكردي يختلف عما واجهته عمليات درع الفرات في السابق، وربما تريد أمريكا أن تبدو كأنها تتنصّل من حماية عفرين، بالتالي تدخل تركيا مطمئنة إليها، وتحصل مفاجآت هنا أو هناك. ذهب مراقبون إلى أن تعامل أمريكا مع الفصائل الكردية المسلحة في عفرين يختلف عن الفصائل الكردية في شرق نهر الفرات ومنبج. فالخريطة الحالية في شمال سوريا، تشير إلى نفوذ قوات سوريا الديمقراطية في شرق نهر الفرات، فهي لديها شبه جيش نظامي يقدر بالآلاف بالإضافة إلى وجود السلاح والتدريب الأمريكي. يضاف إليه، الوجود العسكري الأمريكي المباشر شرق الفرات بعشرات القواعد العسكرية الأمريكية.
أما في عفرين شمال غرب سوريا، فهناك أكراد تحت مسمى وحدات حماية الشعب، وهذه القوات موجودة بشكل أكبر من "قسد”، وليس هناك وجود عسكري مباشر لأمريكا، إنما هناك بعض النقاط العسكرية الروسية، لذلك فالأمر مختلف.
إنّ أهمية معركة عفرين بالنسبة لتركيا، كانت ولاتزال السيطرة على المدينة أي منع التواصل الجغرافي بين مناطق النفوذ الكردية في سوريا، ما يفشل نوعا ما حلم الدويلة الكردية. لكن هذا لا تعني أنها وأدت تماما فكرة الدويلة الكردية، لأن الفصائل الكردية المسلحة ما زالت تسيطر على أراض ما زال فيها موارد طبيعية وسكان تحكمهم، وشهدت إعلان إدارات ذاتية، بالإضافة إلى وجود سلاح ودعم وتدريب من أمريكا. إذا هي إستنزاف لتركيا ولجيشها بكل المقاييس، قادر على أن يكبد تركيا خسائر غير محسوبة في ظل وجود تعقيدات كبيرة، متعلقة بالوجود العسكري الأمريكي والروسي الحذرين من حصول أي إشتباك بينهما على الأرض ولو تضاربت المصالح.
فكل من الأمريكي والروسي يقفون موقف المتفرج، الروسي العالم بغدر اردوغان قد يبدي بعض الإنزعاج، تمهيدا لتدخل لفض النزاع بينه وبين الأكراد الذين سيهرولون حتما طلبا للنجدة والحوار مع النظام السوري بوساطة روسية. أمّا الأمريكي الذي يقف أمام خيارين أحدهما أصعب من الآخر، بين مساندة الأكراد وبالتالي خسارة تركيا، أو التخلي عن الأكراد وتركهم لمصيرهم الأسود، وهذا الإحتمال الأكبر، لكنها حتما ستمنع تركيا من الإستمرار في حرب قد لاتتوقف.
إن تركيا في ورطة الآن والواضح أنّ الأمور تجري في صالح النظام السوري، الذي عليه الإنتظار والمتابعة لمجريات المعركة. لكن لابد من الحذر من أي تحرك أمريكي لإستيعاب الموقف، قد يغير مجراها وينقذ تركيا من ورطتها. فكل الجبهات مفتوحة.