وأنك لعلى خلق عظيم ورحمة للعالمين
* جميل ظاهري
قال الله سبحانه وتعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم:4، و{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} سورة الأحزاب: 21، و{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} سورة التوبة: 128، وَ{لَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} سورة آل عمران: 159، وآيات كثيرة أنزلت في القرآن الكريم في وصف نبي الرحمة والمودة والهداية النورانية تشدد وتؤكد كلها على حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم ورأفته ومحبته ومودته وطيب تعامله مع الناس وسمو قيم أخلاقه الرفيعة .
هو أَبو القاسم محمَد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وآله وسلم، خاتم المرسلين، حبيب رب العالمين، خير البشر من الأولين والآخرين، رؤوف بالمومنين، غليظ على الكافرين والجاحدين والمنافقين، حيث نعيش هذه الأيام ذكرى مولده المبارك والميمون، وهو (ص) القائل "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" رواه البخاري؛ فيما لخص مهمة رسالته بقوله (ص): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"- رواه أحمد عن ابن عباس- وهي في لغة العرب تفيد "الحصر والقصر".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم "ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق" رواه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني، وقال " أمرني رَبِّي بِتِسْع : خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية ، وكلمة العدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وأن أصَلَ مَنْ قَطَعَني، وأعطي مَنْ حَرَمَني، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَني، وأن يكون صَمْتي فِكْراً، ونُطْقي ذِكْراً، ونظري عبرة، وآمرُ بالمعروف"- ذكره رزين بن معاوية العبدري في كتابه تجريد الصحاح الستة، كما نقل عنه ابن الأثير في جامع الأصول ج 11ص687، والتبريزي في مشكاة المصابيح، والمغربي في جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزَّوائِد ج 4ص139، وذكره كذلك الامام القرطبي في تفسيره ج 7ص346 .
فأساء الذين في قلوبهم مرض إستغلال حسن خلقه وطيب سيرته، فتمعنوا بمختلف أنواع الأذية والتنكيل برسول المحبة والأخلاق (ص) وأهل بيته الأطهار الميامين الأخيار عليهم السلام وأصحابه المنتجبين الأبرار (س)، ليس منذ إنطلاقه برسالة السماء السمحاء لهداية الناس فحسب حتى أنه تعرض للكثير من المساوء ومحاولات للإغتيال وهو لم يبلغ النبوة بعد - الرجوع الى تاريخ حياته (ص)- حتى أجبر عرب الجاهلية والطمث والعنف والربوية والكذب والدجل وسلطة القوي على الضعيف بأن لقبوه بـ"الصادق الأمين" وأوكلوا اليه (ص) الكثير من حل أمورهم ومشاكلهم .
لن يحمل غيظاً أو كرهاً لأحد حتى أولئك الذي فعلوا ما فعلوا لإيذائه والتنكيل به، جاء فأعطى الحياة ولم يأخذ، و"كان خلقه عظيماً لأنه لم يكن همه سوى الله تعالى" - الإمام الجنيد، فجمع صلى الله عليه وآله وسلم كل المكارم الأخلاقية التي جاء بها الأنبياء عليهم السلام من قبله وزاد عليها، "كان أحسن الناس خلقاً، كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، لم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً، ولا صخَّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح" عن عائشة، وكان يوصي دوماً الصحابة والتابعين له الإمتثال لقوله تعالى{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}- سورة فصلت:34.
ووصفه الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام بقوله " دَائِمَ الْبِشْرِ ، سَهْلَ الْخُلُقِ ، لَيِّنَ الْجَانِبِ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ ، وَلا صَخَّابٍ وَلا فَحَّاشٍ ، وَلا عَيَّابٍ وَلا مُشَاحٍ ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لا يَشْتَهِي ، وَلا يُؤْيِسُ مِنْهُ رَاجِيهِ وَلا يُخَيَّبُ فِيهِ ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلاثٍ : الْمِرَاءِ , وَالإِكْثَارِ , وَمَا لا يَعْنِيهِ ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلاثٍ : كَانَ لا يَذُمُّ أَحَدًا , وَلا يَعِيبُهُ ، وَلا يَطْلُبُ عَوْرتَهُ ، وَلا يَتَكَلَّمُ إِلا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ ، كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ ، فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا لا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ ، وَمَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ ، حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ ، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ , حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ , وَيَقُولُ : إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ ، وَلا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلا مِنْ مُكَافِئٍ وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ"- أبو نعيم الأصفهاني، دلائل النبوة، تحقيق محمد رواس قلعجي، عبد البر عباس الجزء الثاني الطبعة الثانية ص 631، وانظر الشفا للقاضي عياض 1/ 121، 122، 123، 124، 125، 126، وانظر أيضا شمائل الترمذي .
أراد صلى الله عليه وآله وسلم من قوله "ما أوذي نبيٌّ مثلَما أوذيتُ" - رواه أبو نعيم والترمذي وصححه الألباني - هو وصف بسيط لما دار عليه في حياته الشريفة والمباركة وما سيؤول اليه من يدعي الصحابة والتابعين لهم باسمه وراية رسالته ليستغلونها شر إستغلال في الفتنة والنفاق والشقاق وعودة الأمة الى عصر الجاهلية الأولى، فأراقوا الدماء الزكية والطاهرة والبريئة على طول التاريخ وما نشهده اليوم في محيطنا العربي والاسلامي من قتل وذبح وسبي ودمار وحرق وتفجير وتفخيخ هو نموذج لمدرسة الطلقاء الأموية سعياً منها لتشويه صورة الرسالة المحمدية الناصعة، تصب في إطار المشروع اليهودي الجاهلي منذ بداية البعثة النبوية الشريفة حتى يومنا هذا من تلفيق وتزوير وتحريف وتزييف لإرهاب الناس من الرسالة السماوية السمحاء (الاسلاموفوبيا)، خوفاً من ظهور حسن الخلق ذلك الوجه الحضار للاسلام المحمدي الحنيف، وتسترجع الأمة به عزها ومجدها وكرامتها ويدخل الناس في دين الله أفواجاً لِمَا يرون من حسن معاملة المسلمين وجميل أخلاقهم .. وأسوتهم وقدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان خلقه القرآن، وأهتم بالأخلاق ورفع شأنها ومنزلتها ومقامها بشهادة حتى المفكرين في عصرنا الراهن حتى من غير المسلمين، أخترنا قطرة من بحر التوصيف حيث المقال لايتسع.
"ان إختياري لمحمداً، ليكون الأول بين أهم وأعظم رجال التأريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التأريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي. ولأنه أقام الى جانب دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحد القبائل في شعب، والشعوب في أمة، ووضع لها كلَ أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق الى العالم.. فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمهما"- المؤرخ الأميركي الشهير مايكل هارت مؤلف كتاب (أعظم مئة رجل من التأريخ) .
"لابد أن نطلق عليه لقب منقذ الإنسانية، واعتقد لو وجد رجل مثله وتولى قيادة العالم المعاصر لنجح في حل جميع مشاكله بطريقة تجلب السعادة والسلام المطلوبين" - المؤلف الايرلندي جورج برنارد شو .
"أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته.." - مهاتما غاندي في حديث لجريدة "ينج إنديا".
"عرف محمد بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد أزكى وأدين وأرحم عرب عصره.."- الفيلسوف والمستشرق الفرنسي إدوار مونته في آخر كتابه "العرب" .
"في شخص رسول الإسلام رأى العالم أندر ظاهرة على وجه الأرض متمثلة في إنسان من لحم ودم"- البروفسور ك.س راما كريشنا راو في كتابه (محمد رسول الإسلام) .
"كان في شخصية محمد صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة" - المستشرق الالماني برتلي سانت هيلر في كتابه (الشرقيون وعقائدهم) .
"إنه من المستحيل على الدارس لحياة وشخصية النبي العربي العظيم، والذي يعلم كيف عاش وكيف كان يعلم (أتباعه)، إلا أن يشعر بالتوقير لهذا النبي القدير، واحد من أعظم رسل (الرب) العلي" - الكاتبة البريطانية الشهيرة والناشطة في مجال حقوق المرأة، في احدى محاضراتها بمدينة مدراس بالهند ، نشرت عام 1933.
"كان محمد الرأفة والطيبة بعينيها والذين من حوله كانوا يشعرون بتأثيره ولم ينسوه أبداً" - الباحث الهندوسي ديوان شاندشارمة في كتابه (رسل الشرق) .
كما تصادف هذه الأيام الميمونة ذكرى مولد الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام (83 للهجرة)، حمل الاسلام المحمدي بنقائه وصفاته واخلاقه على شاكلة جده الصادق الأمني (ص)، فالتفت حوله الأمة وقصده العلماء من كل مكان يبغون علمه ويرجون فضله حتى جاوز عدد تلامذته الالاف الذين نقلوا العلم الى مختلف الديار فكان الصادق بحق محي السنة المحمدية ومجدد علوم الشريعة الالهية .
وجسدت شخصية الامام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) العظيمة من هدي الاسلام الحنيف وبما حملت من نور تجذب الناس اليه وكان بما حمل من علم وفهم وخلق واخلاص لله تعالى يذكرهم بسيرة الرسول الاكرم (ص) وآبائه السابقين من أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام .