ماذا تريد واشنطن من دمشق؟
تمثل سوريا هذه الأيام أنموذج النضال العربي الوحيد والفريد من نوعه ضد الأطماع الغربية، والصهيو أمريكية . صمود دون مواجهة سابقا ً، واليوم مواجهة حقيقية بالتوافق والتنسيق مع روسيا الاتحادية وإيران والصين وبعض الدول التي تشتكي السلوك الأمريكي الابتزازي الذي يقوده الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
وهكذا يمكن تلخيص العلاقة السورية بالولايات المتحدة الأمريكية بالأونة الأخيرة ما جاء على لسان رئيس الوزراء الصهيوني السابق "اسحق رابين" في مذكراته تقييما ً نفسيا ً من وجهة نظره لشخصيتي كل من الرئيس المصري محمد أنور السادات والرئيس الراحل حافظ الأسد بقوله : إن السادات سهل الانقياد أما الأسد فمن العسير إقناعه بالتنازل عن الثوابت العربية والقومية .
سوريا تدفع ثمن ثباتها على مواقفها، بالالتزام المبدئي والأخلاقي تجاه القضايا العربية والقومية، وهي التي استمرت بالدعم المطلق للمقاومة الفلسطينية واللبنانية على السواء وبعض القضايا العربية الأخرى، وهي التي لم تقبل التنازل عن شبر أرض من سوريا، ورهنت تحرير الجولان بعد فلسطين، من منظور عربي حقيقي وتوحيدا ً للهدف العربي الشامل بالتحرير الكامل من ربقة الاحتلال الصهيوني .
هذا الثبات وهذا الالتزام في السياسة السورية، يكشف لنا خلفية بعض ما يجري اليوم على الساحة العربية عموما ً والسورية خصوصا ً، والسؤال المهم، ما الذي تريده واشنطن من دمشق؟ فمن الطبيعي أن تحتنك واشنطن كل هذا الاحتناك الشيطاني، ولأن دمشق استفادت من أخطاء الآخرين بالتحالفات السطحية، لتخطو باتجاه روسيا التي لم ولن تتخلى عنها ماحصل ومهما دفع أصحاب النفوذ المالي من رشى ..
تواجه سوريا مطالب أمريكية متصاعدة، وحصارا عربيا متواطئا، فالأمريكيون يريدون الكثير من سوريا، وهي ليست مضطرة للاستجابة لمطالبهم الملحة، والحقيقة الساطعة هي ان دمشق أفشلت تثبيت المشروع الأمريكي في العراق، وهي التي رفضت دور الحارس على الحدود العراقية، وإملااءات كولن باول وتخليها عن المقاومة اللبنانية، والأهم من كل ذلك لم تقبل التنازل عن الدعم المطلق للقضية الفلسطينية، القضية الأولى للأمة العربية .
إن الاهتلاك السياسي الذي يكابده مشروع ( الشرق الأوسط الجديد )، انعكاس تلقائي وطبيعي لعلو صدقية نهج المقاومة الشريفة، وهذا الاهتلاك يؤدي لعدمية الاستقرار في الشرق الأوسط على حد تعبير المحلل السياسي والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط الكسندر سلطانون حيث يقول : إن الصراع العربي – الإسرائيلي هو السبب الجوهري الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار .
هذه الرؤية ‘‘السوبر مانية’’ الأمريكية والشايلوكية الصهيونية، تعمل على خنق سوريا، وتحاول جاهدة منعها من الاتجاه نحو القضايا العربية والاقليمية وإشغالها بأزمة داخلية كما يحصل الآن، لكن ما جرى العكس، بقيت سوريا على مبادئها والتزاماتها، وفهمت اللعبة مبكرا ً، وعملت على بناء التحالف الأقوى في العالم، روسيا والصين وإيران، بالمقابل هشاشة التحالف الذي تقوده واشنطن والامتعاض من بعض الدول حيال السياسة الأمريكية المتبدلة والمتلونة، وآخر فصول الامتعاض، التنصل الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، والتزام كل من، بريطانيا وفرنسا الحليفين الرئيسيين لواشنطن .
"إسرائيل" بدورها، بقيت تراقب عن كثب مآلات الأزمة السورية، وهي التي تتمنى استمرار الأزمة إلى الأبد، ولم تكتف بدور المراقب، أدخلت نفسها بسلسة من الغارات بين الفينة والفينة بحجة ضرب مستودعات السلاح الذاهبة لحزب الله اللبناني، أو رفض المشروع الإيراني في سوريا حسب زعمها، إلا أنها ومنذ البداية كان لها البصمة في الضغط على واشنطن لتسعير الأزمة ومنعها من التوصل لحل يرضي السوريين، فكان شعار الولايات المتحدة، عدمية الحل العسكري، والعمل على تبني رؤية المعارضة والموافقة بالعمل السياسي على أراضيها خدمة للمصالح الصهيونية والتي تهدف لتدمير البنى التحتية لسوريا، وتدمير الجيش العربي السوري وإخراجه من دائرة الخطر على الكيان الصهيوني، وإبعاد سوريا عن محيطها العربي .
خلاصة القول , نهاية المشروع الصهيو- أمريكي على صخرة الصمود السورية، وذلك يعود لوعي الشعب العربي السوري العارف بمكر وخبث الآلة الإعلامية الصهيونية وأدواتها في المنطقة، والتفافه خلف القيادة، واستعداده لتقديم المزيد من الشهداء في سبيل سيادة واستقلالية الدولة السورية بوجه المطامع الصهو- أمريكية، وتحرير كافة الأراضي المحتلة وفي المقدمة فلسطين المحتلة.
رأي اليوم