لعبة الأمم.. بين العزيمة الإيرانية وتسرع ترامب
علي إبراهيم مطر
بدأت لعبة الأمم تدخل من جديد في الملف النووي الإيراني، وتُشغل كلُّ الأطراف دبلوماسييها، في إطار الدبلوماسية المتعددة الأطراف من أجل الحفاظ على الاتفاق وعدم اهتزازه، أو على الأقل عدم انهياره نتيجة تشظيه بخطابات ترامب المتكررة التي يصف بها الاتفاق بالأسوأ في التاريخ في ظل ضغط "إسرائيلي" على أعتاب الخطاب الأخير لدونالد، والذي من المتوقع أن يرفع سقفه دون أن يلغي الاتفاق، حيث لا توجد إرادة داخل إدارة واشنطن لإسقاطه.
ترامب والملف النووي
لم تعد بلاد ترامب تسيطر وحدها على هذه اللعبة الكبرى، لكي تسوق الدول خاصةً الأوروبية وفق ما تريد، وقد صدرت من هذه الدول مواقف معارضة لسياسة واشنطن وعلى رأسها بريطانيا، التي أكدت مراراً على لسان رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي ضرورة الالتزام بهذا الاتفاق، وعدم إسقاطه وقد أكد ذلك أمام رئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو وقبله على لسان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، هذا فضلاً عما قاله وزير الخارجية الألماني، سيغمار غابرييل، بأن سياسات الرئيس دونالد ترامب تشكّل خطراً كبيراً، معتبراً أن هذا الأخير "والمحيطين به يرون العالم ساحة قتال، البقاء فيها للأقوى"، ولذلك لا بد أن التنسيق قائم بين دول الاتفاق لعدم إسقاطه.
هذا الخلاف في الرؤى لا يقتصر حصوله على ترامب والأوروبيين، إنما ينسحب على الإدارة الأميركية نفسها وبين بعض المحيطين بترامب، فإن هناك من يفضل منهم فرض عقوبات معينة دون الانسحاب من الاتفاق، كما ينسحب هذا الخلاف على الكونغرس الأميركي ففي حين يؤيده أغلب الجمهوريين مع رفض البعض له، يرفض الحزب الديمقراطي مطلقاً لما له من نتائج وخيمة تؤثر على الأمن والسلم الدوليين، لذلك يفضل هذا الطرف البقاء على اتفاق سلمي لتحديد برنامج إيران النووي والحفاظ على اتفاق يعتبره الديمقراطيون تاريخياً لهم بعد توقيعه في عهد باراك أوباما، سيما لمعرفتهم أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي وسيكون ردها مناسباً، وفق ما أعلن ايضاً وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف.
السيناريوهات
إن الاتفاق سيكون أمام منعطف خطير جداً، قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر في حال تعنتت واشنطن بقرارها بمعزل عن الأوروبيين وهو أمام خيارات ثلاثة:
أولاً: وفق ما يرجح وزير الخارجية الألمانية، إن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، بعد خطاب ترامب الأسبوعي في 15 تشرين الأول، حيث قال "من المحتمل أن تعلن الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران الأسبوع المقبل، وهذا يمثل لي قلقاً كبيراً"، حيث من المفترض أن لا يصدق ترامب على الاتفاق ويحيله إلى الكونغرس لإعادة العقوبات، وبالتالي هذا ما يؤدي إلى ايصال الوضع إلى قمة التوتر وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، لكن ذلك بحاجة لأن يقترع الكونغرس عليه، وهو وإن كان مستبعداً فإنه لن يؤثر على القرار الأوروبي حيث ستستمر الدول الأوروبية على موقفها لما تراه من خطورة في حال انفساخ الاتفاق نتيجة مواقف ترامب.
ثانياً: المحافظة على الاتفاق النووي، مع طلب فرض عقوبات على طهران، وهذا وإن كان يحافظ على الاتفاق ويعتبر أقل كلفة، فإنه سيؤدي ايضاً إلى تأجيج الخلاف ولن تقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بفرض عقوبات جديدة عليها، كما ترفض الدول الأوروبية ذلك لما لهذا العمل من تداعيات على الأمن الدولي، ولكن ذلك لن يصل إلى حد فرض عقوبات من خلال مجلس الأمن لأنه يعني سقوط القرار كلياً.
ثالثاً: ضغط الحزب الديمقراطي لمنع التصويت ضد الاتفاق في الكونغرس، أو لفرض عقوبات جديدة على إيران ستعقد المشهد وتهدد الاتفاق وتعطي إيران السبيل لاستكمال تطوير برنامجها النووي.
هذه السيناريوهات اليوم تعقد المشهد الدولي، وتراكم الملفات العالقة في الساحة السياسية الدولية، فمنذ وصول ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية والملفات تتراكم وتتعقد، من سوريا إلى العراق وكوريا الشمالية فإيران وروسيا، ما يجعل الأمن الدولي على المحك، وقاب قوسين من حافة الهاوية نتيجة السياسة الجديدة لإدارة واشنطن المتسكبرة، وبالتالي لا بد من الإسراع في الحلول الدبلوماسية سواء الثنائية أو المتعددة الأطراف لفض الاشتباك الترامبي في هذه الملفات الساخنة.
لكن في كل الأحوال، فإن القرار الأميركي لن يؤثر على الجمهورية الإسلامية التي تتبع منهجاً واضحاً في التصدي للسياسات الأميركية، وعدم التأثر بأية خطوة هوجاء نتيجة الثبات الواضح في السياسة الإيرانية، والتصميم على عدم الرضوخ لخطوات ترامب حتى لو أدت إلى فرط عقدة الاتفاق والوصول إلى أبعد من ذلك في الخيارات المفتوحة التي قد تتخذها إيران وفق توجيهات الإمام القائد السيد على الخامنئي.
ما تقدم يجعل الأطراف الأوروبية تستشعر الخطر وتتدخل لمنع حصول أي هزة في هذا الاتفاق أو في العلاقة مع طهران المتمسكة بحقوقها ومستعدة لكل السيناريوهات دون التنازل أمام واشنطن، ما يجعل عواصم القرار الأوروبي مصممة على التمسك بالخيار الدبلوماسي والحفاظ على الاتفاق النووي، والاستعداد للسير بهذا الاتفاق إلى جانب روسيا والصين حتى مع انسحاب الأميركيين منه.
أما "إسرائيل" التي تضغط في كل الاتجاهات لإسقاط هذا الاتفاق الذي حطم تطلعاتها في تقويض إيران وإخضاعها، فهي الطرف الأضعف خاصةً بعد ما سمع نتنياهو من تيريزا ماي الالتزام بالاتفاق بالنووي، وبالتالي فإن "إسرائيل" التي تحاول التأثير على الموقف الأميركي من اجل الحفاظ على مصالحها، لن تستطيع ليّ ذراع الجمهورية الإسلامية بل إنها ستكون أمام خيارات صعبة جداً قد تؤدي إلى تهديد لم تره مسبقاً لكيانها.