الصفعة الباليستية: إيران تطبق استراتيجيتها بمواصفات قوة عظمى
يوسف الشيخ
عندما حوصرت الجمهورية الاسلامية منذ العام 1979 وأرغمت على خوض حرب مدمرة لا متكافئة مع النظام العراقي السابق، الذي تمتع بدعم وامداد قوى عظمى خلال حرب السنوات الـ 8 سنوات، كان على الجمهورية الاسلامية أن تشرع ببناء منظومة محلية متكاملة للحفاظ على أمنها القومي الذي حاول أعداؤها المس به بأكثر من أداة وأسلوب. وليس خافياً أن نظام صدام حسين وفي منتصف حربه المفروضة على إيران عام 1985 استخدم الصواريخ الباليستية لشن أقسى الهجمات على المدن الإيرانية بهدف تطويع الجمهورية وقرارها.
في ظل هذا الجو الضاغط ولد البرنامج الصاروخي الإيراني على يد مؤسسه الشهيد "حسن طهراني مقدم" بتغطية وتبنّ كامل من آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي(دم ظله) رئيس الجمهورية في ذلك الزمن. وفي حينها وضعت خطة امتلاك قوة صاروخية فعالة يمكنها المساهمة بشكل أساسي في الدفاع عن الأمن القومي الإيراني. وهنا ينبغي الإشارة إلى أن ثقة ومباركة الإمام الخامنئي (الذي كان أول قائد للحرس الثوري الاسلامي وخبيراً بسلاح المدفعية)، هي التي مكنت هذا البرنامج الصاروخي الطموح من الحياة، والتطور والوصول إلى ماهو عليه اليوم رغم الصعوبات البنيوية الكبيرة التي كانت تعترضه على مستوى التصنيع وإعداد الكوادر والحصول على التكنولوجيا المتطورة التي تجعل من هذا السلاح فاعلاً ومؤثراً .
خلال سنوات الحرب المفروضة وما بعدها، واصل الشهيد "طهراني مقدم" مساعيه وجهوده بعيداً عن الأضواء، واستطاع مع مجموعة من شباب النخبة أن يؤسس لإيران صناعة صاروخية، ويؤمن الاكتفاء الذاتي في هذا المجال. وفي هذا الصدد يقول العميد زارع ـ رفيق الشهيد مقدم ـ إن اللواء طهراني مقدم "استطاع تطوير صاروخ سكود. وخلال سنوات قليلة عقب تأسيس السلاح الصاروخي استطعنا تطوير هذه الصواريخ ما أثار دهشة الدول المصنعة لان الإيرانيين تمكنوا من صناعة صواريخ أكثر تطوراً من صواريخهم!".
تمكنت الجمهورية الاسلامية من امتلاك وصناعة عشرات الأنواع من الصواريخ ذات المديات والمميزات المتعددة مما جعلها أقوى قوة صاروخية في منطقة الشرق الأوسط، ومن هذه الصواريخ الأنواع التالية، "ذوالفقار، قيام، زلزال، فاتح، شهاب، فجر، قاصد، آرش، خليج فارس، حوت، طوفان، نور، محراب، شلمجه، كوثر، شاهين، سجيل، وصواريخ ناقلة للأقمار الاصطناعية والعشرات من الصواريخ والقذائف التي تخيف الاعداء".
فالصدمة الطويلة التي تلت الضربة الصاروخية التي نفذت في 18 حزيران/ يونيو 2017 والتي عمت في المحافل التخصصية في أكثر من عاصمة غربية، واستمرت لأكثر من 24 ساعة تؤكد أن الخبراء أخذوا وقتاً طويلاً في إعادة تركيب الأحجية والسبب يعود لتعاطيهم مع السلاح الصاروخي الإيراني والذي كان متأثراً بالرؤية النمطية التي ينظرون بها إلى الدول التي يسمونها بدول العالم الثالث حيناً والدول النامية حيناً آخر.
وحينما بدا من سياق الضربة الصاروخية الإيرانية، مستوى المنظومة الاستراتيجية التي تقف وراءها تبين للخبراء أنهم يجهلون الكثير عن "قوة إيران الخشنة" والتي بنيت بصبر وببطئ خلال 32 عاماً.
سيكشف المستقبل أن الضربة الباليستية "ليلة القدر" التي نفذتها وحدات القوات الصاروخية والجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإسلامي ليلة الأحد في الثامن عشر من حزيران/ يونيو 2017 كانت احترافية بكل معنى الكلمة وتميزت بالعناصر التالية:
١ـ سلاسة سلسلة القيادة والسيطرة على جميع المستويات (الاستراتيجية ـ التعبوية ـ التكتيكية).
٢ـ استثمار العنصر الاستخباري في الوقت الفعلي والمفيد وإدامة المتابعة الاستخبارية للمهمة حتى نهايتها.
٣ـ الحرفية في التشغيل المتزامن لأكثر من سلاح ومنظومة في ميدان عمليات واسع.
٤ـ البراعة في إدارة واستخدام منظومات عسكرية وفنية متطورة بعقول وكفاءات محلية.
٥ـ حسن إختيار السلاح الملائم والمناسب للمهمة لإحداث أعلى درجة تأثير مطلوب.
٦ـ وجود بيئة كاملة للقرار الاستراتيجي وصنعه وتنفيذه.
باختصار، هذه الصفعة التي وجهتها الجمهورية الاسلامية لاعدائها كشفت عن وجود قوة أقليمية كبيرة تصنع وتنفذ قرارها الاستراتيجي بمواصفات قوة عظمى.