الاقتتال بين ميليشيات «درع الفرات» وفوضى ارتدادات الزلزال الخليجي
عبد الله علي
إختلط الحابل بالنابل في مناطق سيطرة المليشيات المسلحة على خلفية تفاقم الأزمة بين قطر والسعودية، باعتبارهما من أبرز الدول الداعمة للمسلحين في سوريا، ومن الصعب حتى الآن، استقراء ماهية الارتدادات التي سيخلفها الزلزال الخليجي على الوضع السوري وخاصةً أن الأزمة لا تزال في بداياتها، ولم تسمح لها مساعي التطويق الإقليمية والدولية، باتخاذ مسارات محددة، لكن يتّضح، من خلال بعض المعطيات، أن ثمة جهات بدأت العمل على استغلال الانعكاسات النفسية والمعنوية التي أحدثها تفجر الخلاف في البيت الخليجي من أجل فرض تغييرات استباقية في بعض جوانب المشهد السوري تكون نواة لتكريس تغييرات دائمة في حال خرج الخلاف الخليجي عن السيطرة.
ويبدو أن مناطق سيطرة ميليشيات «درع الفرات» في ريف حلب الشمالي، سينالها الجزء الأكبر من الجهود المبذولة لإحداث التغييرات الاستباقية، وذلك نتيجة التعقيدات الهائلة التي ينطوي عليها ملف تلك المناطق، وتعدد الجهات الإقليمية والدولية المؤثرة فيه، وكذلك نتيجة الدور التركي المرتقب في الأزمة الخليجية ووجود مصلحة لدى بعض الدول في كبحه.
واندلعت ليل الأحد اشتباكات عنيفة في محيط مدينة الباب، كانت بمنزلة واسطة العقد في مناطق «درع الفرات»، شارك فيها العديد من الميليشيات ذات الانتماءات والارتباطات المختلفة، وسط أنباء عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من المسلحين والمدنيين.
ونقلت «شبكة شام» الإخبارية المعارضة، رواية قالت إنها لم تتأكد من صحتها، مفادها أن عناصر من «الفوج الأول» أطلقوا الرصاص الحي قرب فرن الشهابي ما أدى لإصابة عدة عناصر وقيادي من «فيلق الشام»، اندلعت على إثرها اشتباكات في المنطقة، خلفت العديد من الجرحى في صفوف المدنيين.
ومن ثم انتقلت الاشتباكات مباشرة إلى منطقة حزوان شرقي مدينة الباب، حيث هاجمت «فرقة الحمزة» و«فيلق الشام» مجموعات «الفوج الأول» في المنطقة، سقط خلالها أكثر من 30 قتيلاً والعديد من الجرحى.
وحسب بعض الناشطين فإن الاشتباكات تدل على وجود محاولة لإنهاء «حركة أحرار الشام الإسلامية» في ريف حلب الشمالي، حيث إن «الفوج الأول»، وحسب رواية البعض، انضم مؤخراً للحركة، وبالتالي فإن اشتباكات اليوم تهدف لإخراج عناصر الحركة من المنطقة، وهو ما يفسر بحسب الناشطين أن «أحرار الشام» استنفرت عناصرها، وأرسلتها لمساندة «الفوج الأول».
وأشارت المعطيات الأولية إلى أن «أحرار الشام» كان لها نصيب الأسد في عدد القتلى، حيث سقط لها أكثر من ثلاثين قتيلاً بعضهم جرى إعدامه ميدانياً من «فرقة الحمزة».
وعلى الرغم من أن الاشتباكات ليست مشهداً جديداً على مناطق «درع الفرات»، إذ شهدت في السابق نماذج عنه لأسباب مختلفة، لكن هذه الاشتباكات هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة الخليجية، كما أن الميليشيات التي شاركت في الاشتباكات الأخيرة، هي من كبرى الميليشيات وليست ميليشيات هامشية كما في الحالات السابقة، وما زاد من أهمية الأمر أن جميع الميليشيات سارعت إلى إصدار بيانات لشرح وجهة نظرها فيما حدث، وهو ما أعطى مؤشراً مهماً على أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الأمر لا يقتصر على خلاف عادي.
وادّعت «أحرار الشام» أنها تدخلت في البداية لوقف الاشتباكات التي تفجرت بين «المجلس العسكري لمدينة الباب» من جهة و«الفوج الأول» من جهة ثانية، لكنها فوجئت «بمسلسل مخطط له من البغي المنظّم يشمل مقراتنا في المنطقة بغية استئصال الحركة» وذلك في البيان الصادر عن الحركة «حول الأحداث الأخيرة في ريف حلب الشمالي».
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية لاندلاع الصراع، وعن مضمون البيانات التي صدرت عن الفصائل المعنية الأخرى، فإن مجرد حديث «أحرار الشام» عن وجود مخطط لاستئصالها من ريف حلب الشمالي، يكفي لايضاح نظرة الحركة لما يجري والتنبؤ بكيفية تعاملها المرتقب معه في الأيام المقبلة، ولاسيما أن البيان صدر عن القيادة العامة للحركة وليس عن قطاعها في المنطقة.
من جانبها قالت «فرقة الحمزة» أحد مكونات «كتلة السلطان مراد» و«المجلس العسكري لمدينة الباب» المتكون من عدة ميليشيات أهمها «فيلق الشام» و«السلطان مراد» و«الجبهة الشامية»: «إن سبب ما حصل هو قيام مجموعة تابعة لـ«هيئة تحرير الشام» بالتجول والهتاف (لزعيم جبهة النصرة أبو محمد) الجولاني، وحين اعتراض المدنيين لهم حصلت مشادات كلامية، فقامت المجموعة بإطلاق النار عليهم»، وهي الرواية التي أكدها لاحقاً بيان صادر عن «المجلس العسكري لمدينة الباب» جاء فيه: إن «تنظيم الجولاني» وبعد الأحداث في مدينة معرة النعمان بريف إدلب، بدأ بتحريك أذرعه في مدينة الباب لزعزعة الاستقرار من مجموعات تتبع له سراً».
ولا شك في أن موقف «فيلق الشام» يتمتع بأهمية خاصة بسبب ميوله الإخوانية، ولكونه مدعوماً من قطر وتركيا، لذلك لا يمكن الركون إلى بيان «مجلس الباب العسكري» لاستخلاص موقف الفيلق والقول إنه شارك في القتال ضد «أحرار الشام» المدعومة بدورها من تركيا وقطر، وما يؤكد ذلك أن «كتلة النصر»، المشكلة حديثاً مطلع الشهر الجاري بمشاركة «فيلق الشام»، أصدرت بياناً تحدثت فيه عن توجهها لفض النزاع القائم وإعطائها الميليشيات المتنازعة مهلة لوقف القتال والنزول إلى محكمة شرعية، وأهم مكونات «كتلة النصر» هي: «الفيلق» و«الفوج الأول» و«فرقة الصفوة» و«لواء المنتصر» و«جيش النخبة» و«أحرار الشرقية» و«جيش الأحفاد» و«الفوج الخامس».
ونشير هنا إلى أن «تنسيقية مدينة الباب وريفها» حمّلت المدعو زكور عبيد، وهو من «فيلق الشام» مسؤولية اندلاع الاشتباكات «بسبب تأييده للاتهامات التي وجهها أشخاص من الفيلق إلى علي نعوس القيادي في «الفوج الأول» بمبايعة جبهة النصرة، وأشارت التنسيقية إلى أن زكور هو الذي طلب تدخل «مجلس الباب العسكري» في الخلاف الحاصل مع «الفوج الأول».
وتأتي هذه الاشتباكات بين الميليشيات المسلحة متزامنة، مع ظاهرة جديدة بدأت بالتفشي في مناطق «درع الفرات» تتمثل في انشقاق مجموعات مسلحة عن الميليشيات المدعومة تركياً وانضمامها إلى الجيش السوري أو إلى «قوات سوريا الديمقراطية»، الأمر الذي يشي أن المنطقة باتت واقعة تحت تأثير تجاذبات مختلفة، وبالتالي أصبح مصيرها معلقاً بانتظار مآلات بعض التطورات الإقليمية والدولية وعلى رأسها الأزمة الخليجية المستجدة.