kayhan.ir

رمز الخبر: 55940
تأريخ النشر : 2017April28 - 19:54

قراءة في القصف التركي لحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق


كان أمراً مفاجئاً لأطراف عديدة، إقليمية وعالمية، أن تشن الطائرات الحربية التركية أمس عشرات الغارات الجوية المتزامنة على مواقع لتنظيم العمال الكردستاني في مدينة سنجار العراقية وأخرى على مواقع «وحدات الحماية الكردية» (وهي أحد الأسماء العديدة التي تشكّل واجهة يقودها فعليّاً حزب العمال الكردستاني) في شمال شرق سوريا.

كان لا بد لهجوم بهذا الحجم أن ينسّق غاراته مع «التحالف الدولي» الذي ترأسه الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وكذلك مع روسيا التي تهيمن بمنظومتها الدفاعية الصاروخية وطائراتها المقاتلة على أجواء سوريا؛ والحصول على موافقة هاتين الجهتين، في هذه الأجواء الدولية المعقّدة والخطرة، يحتاج قراءة متأنية لاستيعابه، من جهة، وقراءة أخرى لتحليل النقلات الأخرى التي قد تنتج عنه أو تتلوه، سواء من تركيا نفسها، أو من قبل الأطراف الكبرى والصغرى المعنيّة، بمن فيها حزب العمال الكردستاني نفسه.

الأتراك من جهتهم كانوا قد صرّحوا أكثر من مرّة بأن إنهاء عملية «درع الفرات» في شمال سوريا سيكون فاتحة لعمليات أخرى، وأنها لن تنهي مهمّة الجيش التركيّ التي وضعها على نفسه في فتح بيكار حربه مع حزب العمال الكردستاني داخل تركيّاً إلى مناطق نفوذ الحزب واستطالاته في العراق وسوريا، وخصوصاً في جبل سنجار، الذي اعتبرت سيطرة «بي كا كا» عليه إخلالاً بتوازنات سياسية وديمغرافية، وتهديداً ليس للحكومة التركية فحسب، بل كذلك لقيادة إقليم كردستان العراقي أيضاً التي ردّت على ذلك بتفعيل قوّات قوامها عناصر من الأكراد السوريين الذين لم يجدوا في مشروع واجهات «بي كا كا» السورية (كـ»حزب الاتحاد الديمقراطي» و»سوريا الديمقراطية» و«وحدات الحماية الكردية») مكاناً سياسياً لهم.

عنصر المفاجأة في الغارات يعود طبعاً إلى حقيقة أن سياسة قوات «التحالف» الأمريكية قامت على اعتماد كامل على واجهات «بي كا كا» الافتراضية في سوريا وهو، لو أردنا الحقيقة، أحد مكامن المرارة الكبيرة التركيّة والإحساس الشديد بوجود تآمر أمريكي ضدها، ولعلّ الضربات الجويّة الأخيرة تشكّل نوعاً من بداية مراجعة أمريكية لمنع تحوّل القناعة التركيّة بالتآمر إلى خسارات أكبر.

تساند هذا الاتجاه وقائع مستجدّة منها إمساك الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بأركان السلطة وتراجع إمكانيات التأثير الغربي على القرار التركي سواء فيما يخص الجيش أو أحزاب المعارضة التركية، في وقت تواجه واشنطن فيه تحدّيات جدّية في أكثر من مكان في العالم، وتتعرّض أوروبا إلى مخاطر التفكّك أمام اليمين المتطرّف المدعوم من روسيا.

وقد كان بليغاً، في هذا الصدد، أن الاستفتاء التركيّ الأخير حول التحوّل للنظام الرئاسي وتعزيز صلاحيات إردوغان حظي بتأييد أمريكي وروسي، مع ذلك فمن الصعب معرفة إن كان ما حصل عنواناً لسياسة أمريكية جديدة رغم أن ترامب أكد لإردوغان في اتصال هاتفي قبل أيام دعمه للحرب التركية على تنظيم العمال الكردستاني.

من الصعب أيضاً معرفة كيف ستتقبل القيادة العسكرية للتحالف في سوريا والعراق، وهي التي دافعت دائماً عن سياسة التعاون مع «بي كا كا» في سوريا، هذا التوجه، وإن كانت ستتمكن من اعتراض بوادر السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية فيما يخصّ حرب أنقرة على حزب «الكردستاني» وواجهاته السورية، وهو أمر يمكن أن يتضح بعد لقاء الرئيسين ترامب وإردوغان المرتقب منتصف الشهر المقبل.

لاخلاف على أن أولوية إدارة ترامب هي القضاء على تنظيم «داعش» ولكن في وجود قرار سياسي وعسكري تركيّ بهذا الصدد يصبح التزام القيادة العسكرية الأمريكية بتعهيد «بي كا كا» مهمة تحرير الرقّة من تنظيم «داعش»، وهي مدينة عربيّة، إصراراً على استهداف العرب السنّة الذين يجأرون بالشكوى والإحساس بالظلم، وتمكيناً لمخططات التغيير الديمغرافي في المنطقة، وتأسيساً مستمراً لتنظيمات التطرّف، إضافة طبعاً إلى التهديد الذي تستشعره تركيا وتحارب ضده.

القدس العربي