نكون أو لا نكون
رفعت البدوي
انشغل العالم في تداعيات الاعتداء الاميركي السافر على الجمهورية العربية السورية والمرتكز على ادعاءات واهية وأكاذيب مفبركة، مجردة من أي دليل مثبت في خرق فاضح لكل القوانين الدولية، متجاوزاً قرارات الامم المتحدة ومشكّلاً حدثاً مفصلياً خطيراً في مجرى الاحداث، ليس على الساحة السورية فقط إنما على المستوى الدولي، ما اعتبر تحولاً مثيراً وتجاوزاً غير مسبوق للخطوط الحمراء التي تحكم العلاقات الدولية.
على الرغم من انشغال العالم في ارهاصات الاعتداء الامريكي على سوريا وانتظار انقشاع الرؤية جراء دخان صواريخ التوماهوك الامريكية وما خلفه الاعتداء الامريكي من أضرار عسكرية وسياسية خصوصاً بعد المواقف التي اعلنت عقب الاعتداء الامريكي الخارق للنظم والقرارات الدولية. شهدت جمهورية مصر العربية حدثاً بارزاً وخطيراً تصدر المشهد والانباء والاخبار وشاشات التلفزة، تمثل في تفجير ارهابي في كنيسة طنطا في مصر الذي ما لبث ان استتبع بتفجير إرهابي آخر في كنيسة الاسكندرية وذلك خلال صلاة وقداس عيد الشعانين لدى الطائفة المسيحية المشرقية.
بين اعتداء التوماهوك الامريكي على سوريا وبين التفجيرات الارهابية في الكنائس القبطية في مصر، رابط واحد عبر طريق واحد باتجاه واحد والمستفيد واحد وهو العدو الاسرائيلي ومشروعه التفتيتي لبلادنا العربية ولمجتمعنا العربي وتحويله الى اوطان ومجتمعات اثنية طائفية عرقية ومذهبية، عبر ضرب هذه الفسيفساء المشرقية التي كانت ولم تزل مصدراً مهماً من مصادر الاغناء الثقافي والانساني والحضاري والتراثي وحتى الانتماء السياسي المتنوع الذي لطالما تغنينا وتباهينا وتفاخرنا به نحن العرب.
ولم تكد اصداء التفجيرات تسلك طريقها نحو الاستيعاب حتى برزت للعلن الخطة الامريكية التي تدعي انها الوسيلة الصحيحة لانهاء الصراع في ليبيا والمستلهمة من استعادة العمل بخارطة الاستعمار العثماني الرامية الى تقسيم ليبيا الموحدة الى ولايات ثلاث.
واذا ما عدنا الى بلاد الرافدين العراق النازف لوجدنا ان هذا البلد الغني بالنفط تكالبت عليه القوى الغربية المتآمرة وعلى رأسها امريكا وانكلترا مستبيحة أرضه وسيادته للاستيلاء على مقدراته وثرواته النفطية ونهب آثاره التاريخية وطمس تاريخه وتفتيت مجتمعه تحت حجج امريكية واهية، تم تكذيبها من الامريكيين انفسهم وعلى لسان كولن باول (وزير الدفاع الاميركي انذاك) معترفاً أن الهدف من اجتياح العراق كان السيطرة على ثروته النفطيه، واصفاً بدوره الحجج الاميركية التي سيقت لاجتياح العراق بأنها وصمة عار بحق أميركا وتاريخها.
اميركا تصرّ اليوم على عارها بالشكل والمضمون والاخراج المطابق لما حصل في العراق في منطقة خان شيخون السورية، ما يكشف النوايا والأهداف الحقيقية من الاجندة الامريكية الاسرائيلية الخبيثة والمستمرة على الوطن العربي.
واذا توجّهنا الى اليمن فبعد أن كان سعيداً، بات الآن مظلوماً، لكنه بقي شامخاً في مقاومته للظلم الذي تمارسه بعض القوى العربية المتآمره مع أميركا، والساعية الى تفتيت اليمن وتقسيمه تنفيذاً لرغبات أميركا و"إسرائيل" وحلفائهم من عرب النفط، لنكتشف مدى الشراكة التآمرية بين بعض العرب وبين أميركا و"اسرائيل".
واذا ما تذكرنا السودان هذا البلد العربي الذي كان يعتبر سلّة العرب الغذائية والذي استضاف القمة العربية الشهيرة في عام 1967 متبنية اللاءات العربية الثلاث: "لا صلح.. لا تفاوض.. لا اعتراف بالعدو الاسرائيلي، وذلك غداة هزيمة منى بها العرب جراء هجوم اسرائيلي على مصر وسوريه، بيد ان السودان رضخ لرغبات امريكا واسرائيل مع المتآمرين العرب بانحرافه عن مساره العربي والقبول بتقسيم السودان.
تبقى فلسطين ومأساتها وما يعانيه الشعب الفلسطيني جراء ممارسات العدو الاسرائيلي من مصادرة الاراضي الفلسطينية وهدم البيوت واعتقال تعسفي بحق الفلسطينيين واعدامهم عمداً لمجرد الاشتباه بهم، اضافة للحصار المفروض عليهم وممارسة سياسة التمييز العنصري بحق الفلسطينيين. فان التدخل السلبي لبعض القوى العربية المتآمرة على القضية الفلسطينية والذي ادى الى انقسام عمودي وأفقي بين ابناء البيت الواحد ترك اثراً سلبياً بالغ الضرر على فلسطين حارفاً بوصلة النضال الفلسطيني باتجاه العدو الاسرائيلي لتبقى فلسطين بيت الداء العربي، فغدا بعض الفلسطينيين مستزلماً لمصادر المال النفطي الهادف الى تصفية القضية برمتها، أما القسم الاخر من الفلسطينيين فأضحى بمثابة الشرطي والحارس الأمين على الأمن الاسرائيلي سابحاً في فضاء امريكي اسرائيلي عربي متخاذلاً بحق الفلسطينيين وحقوقهم و في مقاومة العدو والمستفيد الوحيد هو العدو الاسرائيلي.
بات بعض العرب في خدمة "اسرائيل" بدون خجل ولا وجل واضعين امكاناتهم في خدمة المشروع الامريكي الاسرائيلي جراء تحالفهم مع عدو الأمة ضد مصالح بلادنا وشعوبنا العربية تحت عناوين واهية مزيفة لا اساس لها من الصحة ومبادرات عربية بالية لم تجلب للعرب إلا الذل والهوان والتفريط بحق الفلسطينيين رغبة من هؤلاء العرب في بيع كرامتهم ورهن ثرواتهم ومقدرات بلادهم لامريكا كرمى لعيون "إسرائيل" ودفاعاً عن وجودها واستمرارها في امتهان كرامة العرب.
ان السيناريو العراقي لم يزل مستمراً في بلادنا العربية وما رضوخ الرئيس الامريكي دونالد ترامب لرغبات جنرالات الحكومة العميقة في امريكا بارسال المزيد من القوات الامريكية عبر ميناء العقبة الاردني استعداداً لخلق واقع جديد في سوريا مذخراً باستذلال وزحف ومبايعة البعض من عرب الهوان والتآمر الا دليلاً واضحاً على اصرار أميركا وحلفائها العرب وإسرائيل بالمضي قدماً في "السيناريو العراقي" الهادف الى تفتيت البلاد والامة العربية.
انقلاب اللغة والسلوك الاميركي فيما خص سوريه والرئيس بشار الاسد لم يأت من دوافع انسانية او بهدف تطبيق القرارات الدولية بيد ان امريكا مدعومة من عرب الانهزام والتآمر وباصرار منهم قتلت وهجرت الانسان في سوريا بهدف انهاك واضعاف سوريا اهم بلد عربي محوري وذلك خدمة لعدو الامة "اسرائيل" في تنفيذ اجندتها وخطتها التقسيمية ناهيك عن الاستيلاء الاميركي لثروات بلادنا العربية.
ان ارتفاع نبرة التحدي بين روسيا المتحالفة مع ايران وسوريا وقوى الممانعة من جهة وبين اميركا المتحالفة مع العدو الاسرائيلي وعرب النفط من جهة اخرى يعني اننا دخلنا مرحلة جديدة وخطيرة من صراع المحاور على صفيح ساخن عنوانه نكون او لا نكون.