ما وراء الضربة الأميركية على سوريا؟!
عامر السبايلة
لم يكن من المستبعد انتقال الادارة الامريكية الى مرحلة شن هجوم عسكري على سوريا، خصوصاً بعد التسريع الامريكي الاخير و تبني موقف تصعيدي تجاه سوريا في اليومين الاخيرين على خلفية مجزرة خان شيخون.
الحقيقة ان اي قراءة متأنية لطبيعة التحرك الامريكي تشير بوضوح ان موقف الادارة الامريكية مرتبط بأجندة سياسية واهداف ترغب الادارة الامريكية بتحقيقها، وليست كما تبدو الامور بانها انقلاب مفاجئ في المواقف مرتبط بحدث معين كالحديث عن تغير موقف الرئيس بعد رؤيته لصور المجزرة الاخيرة في سوريا. التحليل المنطقي يشير ان التحرك الامريكي الخارجي قد يكون في جوهره هروباً من ضغوط داخلية.
ان حجم الضغوطات التي تتعرض لها ادارة ترامب في الداخل الامريكي يفوق اي تصور. يبدو ان اتهام هذه الادارة بالتواطئ مع روسيا كان له الاثر الاكبر في تبني فكرة التصعيد الامريكي خصوصاً في سوريا، بحيث تظهر ادارة ترامب على انها تواجه روسيا وتصطدم بسياساتها مما يمكن ترامب وفريقه من الرد على كافة الاتهامات وضحدها بعد ان بدأت هذه الاتهامات بالاطاحة بافراد ادارة ترامب واحداً تلو الاخر حيث وصلت الامور الى زوج ابنته كوشنير.
لهذا فان التحرك العسكري المحدود في سوريا يبدو كافياً لاعطاء الانطباع ان ترامب في حالة مواجهة مع موسكو لا بل يقوم بضرب مصالحها ويعيد فرض وجود الولايات المتحدة مجدداً في المنطقة على عكس كافة الاتهامات التي تسوق تماهي ادارته وانسياقها وراء موسكو.
اما الحديث عن العمل العسكري في سوريا فهو فعلياً يهيئ الجميع الى تواجد عسكري امريكي في سوريا، وهو امر تعمل الولايات المتحدة عليه منذ شهرين تقريباً، لا بل تجري الاستعدادات له على قدم وساق.
من الواضح ان ادارة ترامب اتخذت قراراً بضرورة ان يكون تحرير الرقة من قبضة داعش بوابة عبور للرئيس الامريكي نحو نسف صورة الادارة الامريكية السابقة غير القادرة على محاربة الارهاب و تؤسس للاعلان عن وجود امريكي في سوريا.
معظم التقارير الامنية تشير الى تعاظم التواجد الامريكي في سوريا والعمل على تهيئة القوات الكردية لتكون شريك للقوات الامريكية في عملية استعادة الرقة التي لاتبدو انها تقتصر على عمليه استعادة او تطهير من تنظيم داعش بل تبدو في جوهرها عملية استيطان امريكي طويلة الامد لمنطقة الجزيرة و بالتالي الحديث عن وضع اليد الامريكية على حقول النفط و الغاز في تلك المنطقة.
الاحتفاء الاسرائيلي بالضربة الامريكية في سوريا يشير بوضوح ان تل ابيب ترغب في توظيف الحضور الامريكي تجاه اعادة تثبيت حالة التوازن العسكري السائد في المنطقة.
الشهر الماضي شهد ارسال رسالة روسية قوية لـ"اسرائيل"، خصوصاً عبر الرد السوري على استهداف الطائرات الاسرائيلية المغيرة على سوريا كرد على التحرك الاسرائيلي الامر الذي اوحى بتغير جذري في سياسة الردع في المنطقة.
"اسرائيل" التي لم تستطع منع التواجد الروسي العسكري في سوريا تعايشت مع هذا التواجد الا انها اليوم تجد بالتدخل الامريكي فرصة لاعادة رسم الامور و ترتيب التوازنات من زاوية ضرورة الا تفكر موسكو في تغيير معادلة الردع في هذه المنطقة، لهذا اصرت الحكومة الاسرائيلية على التأكيد انها كانت على اطلاع على تفاصيل و موعد الضربة الامريكية بطريقة بدت و كأنها شريك في الضربة.
الضربة العسكرية الامريكية لسوريا هي ضربة محدودة لكنها ضربة لها رمزية كبيرة، فهي تشير ان الولايات المتحدة باتت حاضرة وراغبة بالتدخل على الارض في سوريا.
لهذا فان خيارات التصعيد او التهدئة اليوم ترتبط بقدرة جميع الاطراف على البحث عن مخرج سياسي للازمة في سوريا، فالولايات المتحدة مهتمة بالشرق السوري، اما روسيا فقط استوطنت الساحل المتوسطي و"اسرائيل" ترغب باعادة رسم الامور في المنطقة وفقاً لرؤيتها مما يعني ان احتماليات الحرب والمواجهة تضعف امام بروز خيار التسوية الاقليمية التي تضمن لـ"اسرائيل" مصالحها وتثبت قواعد الحرب وموازين القوى في المنطقة، وتضمن كذلك للولايات المتحدة مصالحها ولاتؤثر على مصالح روسيا في سوريا والمتوسط.
لهذا فان بوابة التسوية الكبرى قد تكون المخرج الوحيد الذي يساعد الجميع على الحفاظ على المكتسبات وعدم الاضطرار لدفع خسائر كبيرة عبر فكرة المواجهة والحرب.