أكراد سوريا في المشروع الروسي الأميركي...إلى أين؟
سركيس ابو زيد
كيف يبدو المشهد الكردي اليوم؟
لقد وفرت الحرب على سوريا منذ أكثر من ستة أعوام، فرصة تاريخية للأكراد السوريين من أجل بناء مؤسسات حكم ذاتي، قادتهم إلى إعلان كيان مستقل تحت اسم "كردستان الغربية". ومنذ العام 2011، اختط حزب "الاتحاد الديمقراطي"، أقوى الأحزاب الكردية، طريقا تمايز فيها عن النظام والمعارضة، حيث رأى في تطورات المشهد فرصة ذهبية لأكراد سوريا لتحقيق آمالهم في بلورة مشروع سياسي خاص بهم. وبناءً على هذه الرؤية، تجنب الحزب وذراعه العسكري (قوات حماية الشعب) الدخول في مواجهات مباشرة مع النظام.
في كانون الثاني من العام 2014، أعلن الحزب إدارة ذاتية في الشمال السوري على "كانتونات" ثلاثة هي:
ـ عين العرب (كوباني(.
ـ الجزيرة في الشرق.
ـ عفرين في الغرب.
وبعد معركة عين العرب (كوباني) قدم الحزب نفسه كفاعل محلي مستعد لقتال تنظيم "داعش" وقادر عليه، الأمر الذي أمن له دعما وتسليحا وتعاونا إقليميا ودوليا. وبعد أزمة إسقاط المقاتلة الروسية في تشرين الثاني 2015، رأت موسكو في الفصيل الكردي خير معين لها لتحقيق هدفين رئيسين:
- مساندة النظام في وجه المعارضة المحسوبة على تركيا بشكل رئيس.
- معاقبة أنقرة بقطع تواصلها الجغرافي مع فصائل المعارضة وحصارها بشريط كردي.
وقد أثبتت قوات الحماية جاهزيتها للعب هذا الدور فأخرجت التنظيم من عشرات القرى وسيطرت على أخرى، ما أدى الى حصولها على عدة مكافآت روسية.
في آذار 2016، أعلن بعض الأكراد في سوريا استعدادهم لإعلان نظام فيدرالي شمال البلاد، في خطوة حملت مؤشرات على توسيع نظام الإدارة الذاتية القائم في ظل الأمر الواقع، معربين عن أملهم في أن يعمم النظام الفيدرالي على بقية مناطق البلاد.
وفي الفترة الأخيرة قدم "الاتحاد الديمقراطي الكردي" نسخة من"دستور كردي" اقترح قيام "فيديرالية سورية"، ردا على مسودة دستور وضعها خبراء ومسؤولون روس اقترحوا فيها "حكماً ذاتيا" لأكراد سوريا و"جمعية مناطق" تضم صلاحيات واسعة بينها التشريع.
لم يصدر حتى الآن أي تصريح رسمي من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يعلن فيه أنه يريد دولة كردية مستقلة شمال سوريا. كل ما قيل هو إعلان فيدرالية (روج آفا)، من ضمن نظام فيدرالي في كل سوريا، وهذه الفيدرالية لا تخص الأكراد وحدهم، إنما المجموعات العربية والآشورية والتركمانية وغيرها.
أكراد سوريا يحاولون الاستفادة من دعم الدول الكبرى لهم لأنهم أثبتوا أنهم القوة الأقدر على قتال "داعش". إلا أن مسألتهم الكردية كانت محل تجاذبات بين الأمريكان والروس والأتراك.
تركيا، تخشى قيام كيان كردي شمال سوريا لأنه سيتم في إطار سيناريو تقسيم سوريا الذي تعارضه أنقرة بقوة. وذلك سينعكس سلبا على مشهدها الداخلي المتنوع إثنيا ومذهبيا والمتواصل مع سوريا جغرافيا وثقافيا. وسيكون متناقضا في عقيدته السياسية وعلاقاته الإقليمية والدولية مع تركيا، وحليفا لمناوئتها القديمة المتجددة روسيا، وهذا يعني حصار موسكو لأنقرة من الجنوب أيضاً.
بالإضافة إلى أنه سيكون نموذجا مكررا لحصول الأكراد على حكم ذاتي ومشروع سياسي خاص بهم خارج إطار الدولة المحلية بعد نموذج شمال العراق، ما سيشجع أكراد تركيا على رفع سقف مطالبهم من مواطنة متساوية الحقوق إلى إدارة ذاتية وربما إلى انفصال مستقبلا.
هذا التطور سيعيد للمشكلة الكردية بعدها الإقليمي، ما سيصعّب على أنقرة إمكانات الحل الداخلي ويفتح الباب واسعا أمام التدخلات الأجنبية والمصالح الدولية. وقد يتحول إلى حاجز طبيعي وسياسي بينها وبين سوريا خاصة والعالم العربي بشكل عام، الأمر الذي سيعني تضييق الهوامش التركية الضيقة أصلا في الأزمة السورية، وخسارتها على المدى الاستراتيجي فيما يتعلق برؤيتها للمنطقة ودورها التكاملي فيها.
أما أميركا، فإدارة الرئيس دونالد ترامب تنتهج سياسة مغايرة في سوريا عن سياسة أوباما التي اتسمت بالتردد.
ما هو مهم للأميركيين هو الاستفادة من القوى الكردية السورية كأداة لتمرير سياساتها، وانتزاع عشرات المدن السورية من يد "داعش". والهدف دعم مشروع الكانتونات الفدرالية والتقسيم والشرذمة. وعلى ما يبدو أن هناك اتفاقا خلف الكواليس مع القوى الكردية لكي تُخوّل إدارة المناطق الكردية عندما يتم فدرلة سوريا.
وفيما يخص موسكو، فقد طالبت مرارا بتمثيل الاكراد في المحادثات السياسية. وذهبت روسيا بعيدا في دعم أكراد سوريا بافتتاح ممثلية "غرب كردستان" في موسكو تهدف الى تعزيز العلاقات بين الاكراد وروسيا.
تكمن قوة العلاقات الروسية الكردية في العداء المشترك للمعارضة السورية المسلحة وتركيا .
لذلك يشكل الدعم الروسي للأكراد ضربة قوية لتركيا لأنه سيؤدي إلى وصل الكانتونات الكردية على طول الحدود من الحسكة شرقا حتى لواء إسكندرون غربا، ما يعني عمليا بروز كيان كردي متكامل على حدود تركيا يشكل قاعدة لزعزعة الأمن فيها ما يؤجج مشاعر أكراد تركيا للحصول على حكم ذاتي بعد العراق وسوريا.
هناك من يعتقد في الجانب الكردي أن أميركا وروسيا غير صادقتين في الوقوف الى جانب المسألة الكردية
لكن هناك من يعتقد في الجانب الكردي أن أميركا وروسيا غير صادقتين في الوقوف الى جانب المسألة الكردية، فهما لم تفعلا شيئا من أجل مشاركة الأكراد في محادثات جنيف الجارية بين النظام والفصائل المعارضة له التي سيتم فيها بحث مستقبل البلد .
وبهذا تكون المسألة الكردية كما كانت على الدوام سلعة للبازار السياسي للقوى الدولية والإقليمية، التي تاجرت بها كلما اقتضت مصالحها ذلك، لا سيما أن جبهة أعدائها هي نفسها، وبهذا يكون الحلم الكردي قد تبدد في معمعة الصراع على سوريا، بحيث يصبح الأكراد "فرق عملة" وسط المصالح الدولية والإقليمية المتصارعة. فهل يستطيعون بناء دولتهم الحلم...لنراقب؟!