kayhan.ir

رمز الخبر: 47410
تأريخ النشر : 2016October31 - 21:01

لماذا يتمسك الروس بالهدنة؟!

« فراس عزيز ديب

لننتظر حتى خروج المنافقين من هذه القاعة»… بهذهِ العبارة استهلَّ مندوب سورية الدائم كلمته في مجلس الأمن تعليقاً على الخروج المكرَّر لمندوبي الدول المتورطة بالدماءِ السورية عند بدءِ كلمته.

في هذا العالمِ المجنون فإن النفاق لم يعُد مكرّساً بأشخاص، بل بنهج. المشكلة ليست بخروجِ المنافقين من القاعة، فالنفاق لم يعد محصوراً بالقاعات، المشكلة أنه بات كوباء أشبهَ بالفكرِ المتطرف، له أجنحة ولا نعرف في أي قاعةٍ سيحُط.

في قاعةٍ ثانية من قاعاتِ النفاق المجنون، خسرت روسيا مقعدها في عضويةِ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمصلحة المجر. اللافت أن الحملة الإعلامية التي استهدفت الروس من قبلِ دولٍ ومنظمات باتت معروفة التوجهات، استندت لنقطتين أساسيتين بالدعوة لعدم التصويت للروس:

دعم الروس لما يسمونه «نظام الأسد»، والذي أدى لحدوثِ «جرائم حرب». النفاق تجلى بصورتين أساسيتين الأولى أن هذه المنظمة تتبع للأمم المتحدة، التي لاتعرف من ضمن أعضائها دولةً اسمها «نظام بشار الأسد» بل هناكَ حكومة سورية معترف بها. النقطة الثانية أن المنظمات ذاتها التي تتهم الروس والسوريين بجرائم حرب، أعادت انتخاب مملكة «آل سعود» في عضوية هذه المنظمة!

لا نعلم إن كان شيوخ الوهابية القميئة الذينَ يُصدرونَ فتاوى القتل وإراقة الدماء سيكونون المرجعية القادمة لشرعةِ حقوق الإنسان، لم لا، فما يرتكبهُ تحالف «آل سعود» من جرائم في اليمن وجميعها ممهورة بختمِ الفتاوى مسبقة الدفع، يظهرهم بعيونِ المنظماتِ الدولية كحماماتِ سلام، لكنها هذه المرة أخذت منحنى أكثر خطورة، فما الجديد؟

لم يكن غريباً أن يلجأَ «آل سعود» لكذبةِ اعتراضِ صاروخٍ يمني كان يستهدف «مكة». لا فرق بين هذه الكذبة وكذبة استخدام الكيماوي أو قصف المدارس والمستشفيات في سورية، فالكذبتان لاتفترضان تشويه الصورة فحسب، أو إطالة أمد الحروب لكن هدفهما الأهم هو تبرير كل ردات الفعل، مهما بلغت من إجرام.

منذ انتشار الخبر لجأ «آل سعود» عبر كل ما يمتلكونَ من أدوات أو «أصدقاء» لشدِّ العصب الديني، باعتبارِ أن استهداف المناطق ذات الرمزية المقدسة حدثٌ لا يمكن لأحد أن يتقبلهُ حتى من يختلف معهم. لكن النكتة أن من يختلف مع «آل سعود» أياً كانت توجهاته المذهبية هو حكماً لن يصدق هذه الكذبة، أما من يبصم لهم على السَّراء والضّراء فهو قادر مثلاً أن يشبِّه هذا الاستهداف باستهداف «إسرائيل» للمسجد الأقصى. أما النقطة الثانية التي لعبوا عليها، هي أن من أطلقوا هذا الصاروخ تلقوا تدريباتٍ في إيران وعلى يد «حزب الله»، وبالتأكيد، لسنا بحاجةٍ للاستفاضة بالشرح لنعرف الهدف من هذا التسويق.

ربما قد لا يختلف اثنان أن الصاروخ لو كان حقاً سيستهدف المناطق المقدسة لما اعترضه «آل سعود»، وهل هناك من أساء للأماكن المقدسة أكثر منهم. أليسوا من حوَّل الأماكن المقدسة لمسلخٍ بشري تساقط عليه آلاف القتلى في السنة الماضية؟ أليسوا هم من حول الأماكن المقدسة لمكانٍ للتجاذب السياسي عندما قرروا منعَ هذا أو ذاك من أداء فريضة الحج؟

لكن هذا الكلام يبدو بمجمله في إطار العواطف، فالوقائع تعلمنا أن رفعَ سياقِ التحريض لهذهِ الدرجة قد لايعني فقط أن «آل سعود» مستمرون في الحربِ على اليمن حتى «آخرِ قطرةِ بترول»، وأن كل مايُحكى عن سعي مجلس الأمن لاستصدار قرارٍ بخصوص ذلك هو مجرد أكاذيب، لكن الأهم أن كل الملفات المترابطة تبدو بالسخونة ذاتها بل أشد، فماذا عن سورية؟

عندما تنشر مواقع «جبهة النصرة» أو «فتح الشام» – سموها ماشئتم – فيديو للإرهابي «عبد الله المحيسني» وهو يودِّع أحد الانتحاريين «السعوديين» قبل تنفيذه عملية إرهابية على أبواب «ضاحية الأسد» السكنية في حلب، وهو يتحدث عن النصر القادم للشعب السوري. وعندما يقوم وبشكلٍ متزامنٍ انتحاري «تركي» بتفجير نفسه على جبهةِ «باشكوي» بهدفِ نصرة الشعب السوري، ليتزامن هذا الهجوم مع هجوم شنّته «داعش» على محور «مطار كويرس»، ليس علينا التأكد أن المعركة ما زالت في بدايتها فحسب باعتبار أن قائمة الانتحاريين لا تزال طويلة، بل علينا التأكد أن لكل هذه الفصائل عقلاً مدبراً واحداً وتكتيكاً واحداً، وهو تكتيك الانتحاريين الذين يفتحون ثغراتٍ هنا وهناك لتأمينِ انتصارٍ «إعلامي». ليست المرة الأولى التي يتزامن فيها هجوم لـ«داعش» على مواقع الجيش العربي السوري أو المدن الآمنة، مع هجومٍ لباقي الفصائل الإرهابية ومن بينها ما توصف بـ«المعتدلة» من أميركا، هذا الأمر تكرر مع الهجوم الماضي الذي أدى لدخولِ هذه المجموعات الإرهابية محور الكليات العسكرية.

زخم الهجوم والاستماتة في حلب يجعلنا نفترض أن المحور الآخر وضعَ بيضهُ في سلةٍ واحدة، وهجومٍ واحد في محاولةٍ قلب المعطيات في حلب التي لا تسير حكماً لمصلحة أذنابهم. هم يدركون أن معركةَ حلب ستفشل وأن أي خرقٍ قد يتحقق هنا أو هناك سيتم استعادته، لكن هل من هدفٍ آخر لهذه المعركة في هذا التوقيت؟!

قلنا ولا نزال إن الأميركي يريد الدفع بالتركي لخوضِ معركةِ «الباب» بأي ثمن. أما التركي فلا يزال يرى في نفسهِ القدرة على فعلِ ما يشاء في الشمال السوري لأن الفرصة لن تتكرر، وبمعنى آخر قد تكون المعركة في حلب الآن هدفها استنزاف الجيش بالقدر الأكبر وتشتيته على أكثر من جبهة وتناسي إمكانية الصِّدام مع الأتراك في حالِ بدأت المعركة باتجاه «الباب»، فماذا ينتظرنا؟

في المؤتمر الصحفي المشترك الذي أعقبَ الزيارة التي قام بها وزير الخارجية «وليد المعلم» لروسيا، وجمعهُ بوزيرِ الخارجية الروسي «سيرغي لافروف»، والإيراني «جواد ظريف»، لا يمكننا القول إن كلام الوزراء الثلاثة حملَ شيئاً جديداً على مستوى إدارة الحرب الجارية على سورية، فجميع ما قالوه هو تأكيدٌ على مواقفَ سابقة، تحديداً أن هذا اللقاء تزامن «تقريباً» مع الهجوم الذي شنته الفصائل الإرهابية على حلب. النقطة الثانية أن الروس بدوا أكثرَ من أي وقتٍ سابق مصرين على الاستمرار بالهدنة. هذا الكلام يؤكده رفض الرئيس بوتين لطلب وزارة الدفاع الروسية بإعادة تفعيل الضربات الجوية الروسية في حلب، تحديداً أن الهُدَن التي يتحدثون عنها ساقطة أساساً حتى من قبلِ الهجوم الأخير المسمى «ملحمة حلب الكبرى»، فالجماعات الإرهابية كانت قد استهدفت المدينة بالقذائف والصواريخ وارتقى نتيجة لذلك عشرات الشهداء والجرحى، فلماذا يصرّ الروس على التمسك بهدنةٍ أساساً لا وجود لها؟

ربما أن الروس يحاولون إظهار المدى الأكبر من الصبر، لكن ليس من الضرورة في بعض الحالات أن يكون الصبر نوعاً من الحكمة. النقطة الثانية أن كلام بوتين قبل أيام يؤكد أن جميع الخطوات سيتم اتخاذها لتنظيف حلب من الإرهابيين، إذاً ما الهدف الذي يسعى إليه الروس؟

يبدو الكلام الروسي واضحاً، أن ما رفضه بوتين هو عودة الطلعات الجوية في حلب، فهل سيتم الاستعاضة عن هذه الطلعات بما هو أهم على الأرض في مثل نوعٍ كهذا من المعارك، قد يكون الجواب نعم ولكي نتأكد من هذا الجواب لا تنتظروا فقط إخفاق الهجوم على حلب، بل لندقق بما هو أبعد من التحذير الذي تلقته الطائرات التركية عند اقترابها من الحدود السورية واضطرها للمغادرة، ولنتذكر أن الحكمة تقتضي أن تبدل التكتيك حسب الوقائع التي ترسمها، لا أن تبدلها حسب ما يتم فرضه عليك… من وقائع، لأن الانتصار في الحرب أهم من الانتصار في «معركة».