متى يصل لهيب الثأر إلى السعودية .
أحمد الحباسى
يجمع المتابعون أن مشكلة العائلة السعودية الحاكمة أنها غير قابلة للإصلاح ، لان أي إصلاح حقيقى أو ما يسمى بفتح النوافذ للمشاركة الشعبية السياسية و محاسبة الفاسدين و مقاومة الفساد و استقلال القضاء و الشفافية و التداول السلمي على السلطة و نشر ثقافة حرية التعبير و حق الاعتراض يعنى محاكمة كبار الأمراء ، يعنى انهيار العائلة السعودية و رحيلها المحتوم ، و لان نظام المافيا يدرك ذلك جيدا فهو يرفض رفضا قاطعا البدء بالخطوة الأولى المتمثلة في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، هم يرفضون حرية التعبير لأنهم يعلمون علم اليقين أنهم سيكونون الضحية الأولى لها ، لذلك بقيت السعودية منذ سنوات مجرد ملكية خاصة مشاعة بين أفراد العائلة المالكة لا غير ، هذا طبعا يؤدى إلى مزيد من الفساد و من البيروقراطية القاتلة و يعطى الانطباع بأن السعودية دولة مريضة بمرض عضال مستحكم لن تنهض منه بسهولة .
الشعب السعودي يدرك فساد النظام طبعا و يدرك بداهة أن عائلة المافيا الحاكمة هي سبب البلية ، لكن النظام يعلم أن الشعب يعلم و لذلك فعل كل شيء ليزرع الخوف في النفوس بحيث يفاجأ المتابعون بان هذا الشعب من أضعف الشعوب استجابة لنداء التغيير و الإصلاح و البحث عن الحرية و لولا وسائل الاتصال الحديثة لما تحرك البعض لمعارضة هذا النظام الدموي العميل للصهيونية العالمية ، النظام يسعى إلى أن يشعر الشعب السعودي دائما بالخوف من الجيران تماما كما حصل في ألمانيا بعد الحرب العالمية و كما يحدث بين الكوريتين و ذلك ما يفسر حالة الريبة بين السعودية و جيرانها الخليجيين و ما يفسر حالة عسر الهضم بين نظام آل سعود و نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، أيضا سعى النظام إلى إحاطة نفسه بقداسة و عصمة خاصة منحته إياها المؤسسة الدينية بحيث صار المعارض خصما مباشرا لصاحب العصمة الملك السعودي بل هناك فتاوى تتحدث عن تكفير المعارضة و إجازة مؤاخذتها كعدو للإسلام و المسلمين ، بهذا المعنى ندرك اليوم لماذا يصمت هذا الشعب على مجازر النظام في اليمن و في سوريا و العراق و لا يتحرك إلا لنصرة إسرائيل و الوقوف إلى جانب المشروع الصهيوني بتوجيه الآلاف من التكفيريين الإرهابيين إلى سوريا بل أن هذا الشعب لا يتحرك لنصرة فلسطين.
لم تسع السعودية إلى دعم و إنشاء منظمة التعاون الإسلامي سنة 1969 إلا من باب محاولة الإستقواء بهؤلاء العلماء المسلمين على بعض الدول العربية و الإيحاء بكونها الدولة الوحيدة الراعية للعلماء و لكل الذين يناصرون الإسلام ، لكن الجميع يعلمون أن الغاية المعلنة ليست الغاية الخفية و أن هذا النظام العنصري الفاسد كان يسعى في الحقيقة و الواقع إلى وضع كل تلك العمائم تحت العباءة السعودية بحيث تتحول عند الاقتضاء إلى مؤسسة مرعبة تسلط على كثير من الأنظمة العربية و من بينها مصر عبد الناصر و عراق صدام حسين و إيران الثورة الخمينية.
المريب في المسألة أن آل سعود لم يقدموا لفلسطين شيئا بل اكتفوا بتوجيه الإرهابيين إلى مناطق نزاع مفتعلة داخل كثير من الدول العربية و الغربية و كأن القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى جهاد المقاتلين و تمويل الصامدين و المرابطين, و الغريب أيضا أن آل سعود قد وضعوا هذه المنظومة الإرهابية تحت قيادة المخابرات الصهيونية الأمريكية و أخيرا التركية في قرار لا يزال يثير كثيرا من علامات الاستفهام .
من المهم اليوم و نحن على أبواب مؤتمر لوزان حول سوريا أن نقف لتقييم الموقف السعودي لنؤكد أن ما يحدث في حلب قد شكل بداية فشل النظام و سقوط المؤامرة القذرة ، بل لنقل بمنتهى الصراحة أن قرار مصر عدم التصويت لمشروع القرار الفرنسي الأخير حول سوريا قد شكل صدمة للنظام و أظهر أن الدبلوماسية المصرية قد استفاقت أخيرا لتفهم أن هناك اتفاقا روسيا أمريكيا محسوما على وقف العنف في سوريا و أن التقارب التركي الروسي لم يأت من فراغ و أن عدم حضور طهران هذا المؤتمر لم يكن من باب المعارضة أو الغضب بل لان إيران تدرك أن نجاح النظام و بقاءه قد أصبح أمرا محسوما لا يستحق أن تتخذه السعودية ذريعة لعدم الحضور ، اليوم تدرك إسرائيل قبل غيرها آن نشر منظومة الصواريخ س 300 و س 400 هو رسالة عنيفة مشفرة من الرئيس بوتين لكل الذين يعارضون تنفيذ القرار الروسي الأمريكي مهما كانت وجهتهم و توجهاتهم ، اليوم تدرك فرنسا و بريطانيا و ألمانيا آن أدوارهم الثانوية قد انتهت و أنهم خرجوا من المولد بلا حمص لأنهم لم يفهموا قواعد اللعبة في الشرق الأوسط و آن مساندة سوريا كانت أفضل لاقتصاد بلدانهم من الوقوف كالكلاب إلى جانب الإدارة الصهيونية الأمريكية .
لقد حذرت الصحافة الأمريكية الموالية للمشروع الأمريكي في المنطقة النظام السعودي من زيادة منسوب الطائفية و الكراهية الذي يتسرب من الخطب الدينية التكفيرية التي تحرض على الإرهاب و القتل بحجة ما سمي بجهاد النصرة ، فهذا الخطاب العنصري التكفيري غير مسبوق في تاريخ البشرية لأنه يحرض على الإبادة الجماعية للشعوب تحت حجة التكفير و هو يصنع من الإرهابيين المدمنين على المخدرات و الجنس وحوشا بشرية سترتد يوما على العائلة السعودية خاصة و آن الغرب قد تفطن بكثير من التأخير المتعمد إلى خطر هذه الجماعات على السلم الاجتماعية في الدول الغربية و حوادث باريس و نيس شاهدة على حجم المأساة الإرهابية التكفيرية التي ضربت وجدان الشعب الفرنسي بل لنقل آن قرار الكونغرس الأخير حول وصم النظام السعودي بالإرهاب و بممارسة إرهاب الدولة هو احد ارتدادات العنف الإرهابي السعودي في العالم ، المفارقة اليوم أن هذا القرار الأمريكي قد شكل لطمة على وجه الملك سلمان الذي سعى منذ فترة قصيرة لاستصدار قرار من الجامعة العربية لوصم حزب اله بالإرهاب فإذا السحر ينقلب على الساحر و تصبح المملكة دولة إرهاب بقرار الحليف الأمريكي .