هل قانون "جاستا" اعلان رسمي عن العلاقات بين تل ابيب والرياض؟
لا يختلف اثنان على أنّ المصالح الإسرائيليّة والسعوديّة في منطقة الشرق الأوسط تتساوقان إلى أبعد الحدود: "إسرائيل" تعتبر الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة العدو الأخطر والوجوديّ على أمنها القوميّ، وتعمل علنًا وبالخفاء على إحباط توسّعه في الإقليم، والسعوديّة كذلك الأمر.
وبحسب "رأي اليوم”، ترى السعودية و"إسرائيل" أنّ البرنامج النوويّ الإيرانيّ يُشكّل خطرًا وجوديًا عليهما. تل أبيب، وعلى لسان مسؤوليها وكوكبة المُستشرقين ومراكز أبحاثها، تعمل على إسقاط الرئيس السوريّ، بشّار الأسد من الحكم، وينبري رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة الأسبق، الجنرال عاموس يدلين، والذي يرأس اليوم مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب، ينبري ليجزم قائلاً إنّ إسقاط الأسد مصلحة إسرائيليّة واضحة.
ولا يترك وزير الخارجيّة السعوديّ، عادل الجبير، مُناسبة، إلّا ويُطلق تصريحه الممجوج بأنّه يتحتّم على الأسد التنازل عن الحكم، ويُهدد ويتوعّد بالتدّخل العسكريّ لإخراج هذا المُخطط إلى حيّز التنفيذ.
ومع أنّه لا توجد علاقات دبلوماسيّة علنيّة بين تل أبيب والرياض، إلّا أنّ نظرة خاطفة إلى التحديات التي مرّت بها "إسرائيل" طوال تاريخها، يمكن القول إنّها استفادت وتناغمت وتكاملت مع الدور السعودي الإقليميّ في أغلب مراحلها وبما يتناسب مع الظروف السياسية لكلّ منها.
بالإضافة إلى ذلك، الآن، مع تبنّى الكونغرس قانون جاستا، الذي يسمح للأمريكيين بمقاضاة السعودية على تورّطها في أحداث أيلول 2001، فإنّ الرياض باتت في حاجةٍ ماسّةٍ لتل أبيب لإنقاذها من هذه الورطة، خصوصًا وأنّ اللوبي الصهيونيّ في الولايات المُتحدّة الأمريكيّة قويّ جدًا، وبإمكانه إنْ أراد أنْ يهّب لنجدة أخته غير الشقيقة، المملكة العربيّة السعوديّة، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لابتزاز السعوديّة ماليًا وسياسيًا من قبل الصهاينة في تل أبيب وواشنطن.
والأهّم من هذا وذاك، أنّه في حالة تطبيق القانون المذكور، فإنّ قيمة التعويضات التي ستدفعها السعوديّة لأمريكا تصل إلى 3 تريليون دولار، وهو حجم الودائع السعوديّة بواشنطن، الأمر الذي قد يقود إلى إفلاس المملكة، ومن هذا المُنطلق، فإنّ المُساعدة الإسرائيليّة أهّم من المُهمّة في هذا المجال، والسؤال الذي سيبقى مفتوحًا إلى حين: تل أبيب لا تٌقدّم المُساعدات مجانيًا، وبالتالي هل مُساهمتها في منع تقديم الدعاوى ضدّ السعودية ستؤدّي في نهاية المطاف إلى الإعلان رسميًا عن إقامة علاقات سياسيّة بين "كيان الاحتلال” وبين "قائدة الدول السُنيّة المُعتدلة"، كما يحلو للإسرائيليين نعت السعودية وحليفاتها؟
في غضون ذلك، ما نشهده من مواقف وخطاب إسرائيلي رسمي وغير رسميّ، وتقارب سعوديّ باتجاه إسرائيلي ظهر منه حتى الآن، عدد من اللقاءات العلنية، وصولاً إلى زيارة الوفد السعوديّ إلى "إسرائيل"، ليس سوى حد أدنى ومقدمة لما يتوقع أنْ نشهده في المرحلة المقبلة.
وبالتالي، يُمكن القول، لا الفصل، إنّ العامل الأساسيّ في اندفاع السعودية نحو الارتقاء بالعلاقات مع تل أبيب، يعود بالدرجة الأولى إلى فشل رهاناتها المتوالية في مواجهة أطراف محور المقاومة.
بدأ هذا المسار من الدعم غير المحدود الذي قدّمته السعودية في حينه لنظام صدام حسين في حربه ضدّ إيران، خلال الثمانينيات، تلاه في مرحلة لاحقة، وبفعل تطورات دولية وإقليمية، الرهان على عملية التسوية في إنتاج نظام إقليمي يجهض المقاومة ويقطع الطريق على تبلورها كخيار استراتيجي بديل في حركة "الصراع" مع "إسرائيل".
لكن هذا المسار لم تكتمل حلقاته في ظلّ صمود سوريّا في حينه، وانتصار المقاومة في لبنان، ثم انفجار انتفاضة الأقصى عام 2000.
وهكذا باتت الحاجة الملحة والمتبادلة بين تل أبيب والرياض، تدفع باتجاه ضرورة تطوير مستوى التنسيق والارتقاء به إلى التحالف الاستراتيجي المعلن، وخاصة أنّ مستقبل التطورات قد تتطلب أدوارًا ومهمات لا يمكن إبقاؤها ضمن إطار السرية.
هذا الواقع، دفع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، الجنرال يعقوب عميدرور إلى القول إنّ السعودية وسائر الدول التقليدية تُحافظ على الوضع القائم وموجودة في منطقة لا تتوقف عن التغير، وتبحث عن مرساة من أجل تحقيق الاستقرار، و"إسرائيل" هي هذه المرساة.
وبهدف القفز إلى ما يُجسّد طموح الطرفين السعودي والإسرائيلي، دعا عميدرور إلى بناء منظومة علاقات تمثّل مظلة مشتركة من أجل تحرك تقوم به "الدول السنية" و"إسرائيل"، ومن ثمّ يمكن ضمّ الفلسطينيين إليه من أجل البدء بالمفاوضات، على حدّ تعبيره.
وخلافًا للماضي، فإنّ تحسين العلاقات في هذا الوقت لا يقل في نظر الدول العربية أهمية عنه بالنسبة لتل ابيب، لكن العقبة الفلسطينية تعيقهم عن ذلك، وليس واضحًا ما إذا كانت هذه الدول قادرة على التغلب على هذه العقبة على الرغم من مصلحتها في ذلك.
وبناءً على ما تقدّم، شدّدّ عميدرور على ضرورة أنْ تُفكّر "إسرائيل" في كيفية تقديم المساعدة من أجل تحقيق ذلك، لأنّ ما يجري هو فرصة تاريخية، بحسب تعبيره.
ولا غضاضة من التذكير في هذه العُجالة أنّه أخيرًا كُشف النقاب عن تشكّل حلفٍ جديدٍ من "إسرائيل"، السعودية، الأردن ومصر لمُحاربة تنظيم "داعش” وإيران.
ويبدو اليوم واضحًا وجليّا أنّ هذا الكشف جاء بناءً على قاعدة المصالح المشتركة ومواجهة العدو المشترك، حيث تواصل الرياض سياسة الارتقاء بالعلاقات مع تل أبيب والتدرج في تظهيرها وتطويرها باتجاه التحالف، بعدما بات الطرفان يتقاطعان على مستوى الموقف والخيار في أكثر من ملف وقضية إقليمية.