آل سعود، بين أزمة الحُكم والتَّحَكُّم بالأزمات
أمين أبوراشد
ما تمرُّ به السعودية حالياً هو وضعٌ غير مسبوق، إذ خلال أسبوعٍ واحد، تسارعت الأحداث وتقاطعت الأزمات، وهي على تنوّعها، تُشكِّل طوقاً خانقاً على عُنقِ العائلة المالكة، وقد يكون من الصعب الخيار بين مواجهة الضغوط الداخلية أولاً أم الخارجية، وسط إرباكٍ ملحوظٍ في الأداء الرسمي العام.
على مستوى الداخل، عادت بقوَّة الأزمة القديمة الجديدة التي يتمّ تداولها حالياً، والتي تتناول مقاليد الحُكم وانتقال السلطة، سواء على أيام الملك سلمان الذي يُعاني من مرض فقدان الذاكرة، أم بعد وفاته، وتزامن الأمر، مع الإعلان عن سياسة التقشُّف وتخفيض رواتب العاملين في القطاع العام بنسبة 20%، رغم هدرِ نحو 58 مليار دولار على التسليح، وتزامن أيضاً مع عريضة موقَّعة من نحو خمسة عشر ألف مواطن من رجالٍ ونساء، رُفِعَت الى الملك سلمان، وتُطالب بإلغاء ولاية الرجُل على المرأة في تفاصيل حياتها اليومية خارج منزلها، خاصة في محال حرّية التعليم والعمل والسفر.
وعلى مستوى الخارج، برزت ثلاثة أحداث هامة، يتمثَّل أوّلها، بتشكيك دُوَل ومنظمات إسلامية بقدرة المملكة على إدارة شؤون الحج، وثانيها، بمواقف أطلقها السيد عبد الملك الحوثي من انتقال الحرب التي تشنُّها السعودية على اليمن الى الداخل السعودي الجنوبي، وثالثها، يحمل بُشرى غير سارة للحكومة السعودية، برفض الكونغرس الأميركي بأكثرية ساحقة "فيتو” الرئيس أوباما، وبالتالي إقرار مشروع "العدالة ضد رُعاة الإرهاب” الذي يُجيز لذوي ضحايا الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001، مقاضاة المسؤولين السعوديين أمام المحاكم الأميركية ومطالبة الحكومة السعودية بتعويضات.
الأزمات السعودية الداخلية والخارجية، وفق ما تناقلته وكالات الأنباء، والمُتابعين عن قرب لهذه الأزمات، وإن اختلفت في المضمون، لكن التزامن سيجعل منها ضاغطة ومُربِكة.
في الوضع الداخلي:
– أزمة الحُكم: نشرت مجلة "إيكونوميست” تقريرا في عددها الأخير، تحت عنوان "لعبة العروش الحقيقية”، ومسألة إنتقال الحُكم الى أحفاد المؤسس عبد العزيز بدلاً من أبنائه، والصراع الشرس بين وليّ العهد محمد بن نايف الذي يُمسك بزمام الأمن الداخلي، وبين وليّ وليّ العهد محمد بن سلمان، الذي يزكِّيه والده لإستلام العرش وإزاحة بن نايف، خاصة أنه عَهِدَ إليه بمهام الدفاع والسياسات الخارجية، رغم خوف حلقة الأمراء الذين بيدهِم الحلّ والربط في إقرار توريث العرش، من رعونة وتهوُّر بن سلمان، خاصة في ورطة اليمن.
– سياسة التقشُّف: كانت لإذاعة ال "بي بي سي” منذ يومين استطلاعات هاتفية لآراء المواطنين السعوديين، تناولت تداعيات خفض الأجور للعاملين في القطاع الرسمي بنسبة كبيرة (خُمس الراتب)، فطالب بعضهم بتخفيض أسعار السِلع بالنسبة ذاتها، وطالب البعض الآخر بضرورة التقشُّف بمشتريات الأسلحة وعدم الإستمرار في التدخُّل بالصراعات الإقليمية والإكتفاء بحماية حدود المملكة، وذهب فريق ثالث الى حدود الجرأة غير المعهودة وطالب بالكشف عن المكاسب الهائلة (ثلثي إيرادات النفط) التي تتمتَّع بها العائلة المالكة وأمرائها، وعمَّا إذا كانت أيضاً خاضعة للتخفيض.
– ولاية الرجُل على المرأة: جاءت التعليقات على هذه العريضة غير المسبوقة، والتي شارك في توقيعها الرجال والنساء، أن حياة المرأة السعودية باتت غاية في التعقيد خارج منزلها، نتيجة وجوب مُحرم يرافقها، لدرجة أن النساء اللواتي دخلنَ مُعترك العمل البلدي بحاجة الى هذا المُحرم لتوجيه العمال داخل الأحياء، وقد ربَط المؤيدون لرفع ولاية الرجل عن المرأة، بين تخفيض الرواتب أخيراً، وبين الأعباء التي يتحملّها ربّ البيت السعودي على السائق الأجنبي نتيجة عدم إقرار حقّ المرأة في قيادة السيارة، بحيث بات الرجُل السعودي بحاجة أحياناً لترك عمله ومرافقة زوجته لقضاء أعمال خاصة بها في الدوائر الحكومية، مما جعل حياة الرجل أكثر تعقيداً حتى من حياة المرأة، مع ما يترتَّب عن ذلك من مشاكل إجتماعية واقتصادية تدمِّر حياة آلاف العائلات.
في الوضع الخارجي:
– تشكيك بقدرة المملكة على إدارة شؤون الحج، وقيام تحرُّك إسلامي واسع بهذا الخصوص، ومطالبة إيران بحقِّها في الكشف عن أسباب وفاة حُجَّاجها بكارثة "منى” العام الماضي، وسياسة التسويف التي تُمارسها السعودية في الكشف عن مصير بعض جثامين الشهداء، إضافة الى الشروط التعجيزية التي استحدثتها السلطات السعودية هذا العام، لمنع مواطني بعض الدول من أداء الفريضة وفي طليعتهم الحجاج الإيرانيون، والسياسة الإنتقائية السعودية في منح تأشيرات لقسمٍ من مواطني سوريا واليمن وحرمان آخرين منها.
– العدوان على اليمن: كان من آخر مستجداته، انتقال المعارك الى الداخل السعودي في نجران وجيزان وعسير، وتفوُّق القدرات اليمنية على الدفاع السعودي، مما استوجب إرسال تعزيزات عسكرية سعودية كبيرة لمواجهة قُدرات الجيش اليمني واللجان الشعبية، خاصة بعد خطاب زعيم حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، الذي خاطب فيه للمرة الأولى "شعب الجزيرة العربية وخصوصاً سكان المناطق الجنوبية للمملكة”، ما يعكس قلقاً سعودياً من الدعوات التي تضمنها الخطاب، وقد يشير إلى منحى جديد قد تأخذه المعارك في جبهات الأراضي السعودية الجنوبية خلال الأيام المقبلة، خاصة أن السيد الحوثي أبدى الاستعداد لمد يد العون والمساعدة لهؤلاء السكان، إضافة الى تصريح المستشار الخاص للقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء حسن فيروزآبادي، الذي نفى بشكلٍ قاطع اتهامات سعودية بتدخُّل إيران في اليمن وقال: إذا ارتكبت الرياض أي حماقة فستتلقى عقاباً يمحو السعودية والوهابية من الوجود، وأشار إلى الاتهامات التي تُساق زوراً وبهتاناً ضد إيران، "لأننا لو كنا نريد التدخل في هذا الموضوع، لكنّا قد أرسلنا لهم الصواريخ منذ اليوم الأول، إلا أن مهارتنا تكمن في أننا نعلم الشعوب ونقدم لها الخدمات الاستشارية، وعلى الشعوب أن تزيد قوتها من الداخل”.
– الأزمة مع أميركا، والتي انتجها منذ يومين تحديداً، رفض الكونغرس بأغلبية ساحقة، "الفيتو” الذي وضعه الرئيس أوباما على قانون "العدالة ضد رُعاة الإرهاب”، و حق ذوي ضحايا 11 سبتمبر / أيلول مقاضاة السعودية ومطالبتها بتعويضات مالية، وفي الوقت الذي صرَّح فيه الرئيس الأميركي لوكالة "سي إن إن”، أن قرار الكونغرس سوف يُعرِّض الولايات المتحدة لمُساءلة مُشابهة ويعرِّض الإدارة الأميركية لملاحقات قضائية دولية، عند أي اتهام بخطأ ما في سياساتها الخارجية مستقبلاً، يتمسَّك الكونغرس بموقفه الذي يعتبره من حق الشعب الأميركي، وحتى لو لم تتسارع الدعاوى بحق السعودية قريباً، فإن نبض الشارع الأميركي بات يحتقن كرهاً على نظامٍ يرعى الإرهاب عبر العالم.
في الخلاصة، فإن الحُكم العائلي في السعودية، يجد نفسه بين المطرقة الخارجية والسندان الداخلي، ومع احتمال صدور قانون دولي جديد قادم من جنيف بمشاركة بريطانيا والمانيا وفرنسا، لتشكيل لجنة دولية محايدة للتحقيق في جرائم العدوان السعودي علي اليمن، ومع وجود مشاكل داخلية لعل أبرزها عجزٌ في الموازنة السعودية ناهز المئتي مليار دولار، يُضاف إليه المشاكل التي سوف تنشأُ عن النزاع على الحُكم والظلم اللاحق بالشعب السعودي بعد تخفيض مستوى معيشته، فإن كل هذه المشاكل ستضع أي حُكم جديد في أزمة، وسيجِد أي ملكٍ قادم نفسه عاجزاً عن التحكُّم بالأزمات…