السعودية وساعة الحقيقة التي أزفت
البعض يستغرب من المستوي السياسي والديني والاعلامي الذي انحدرت اليه السعودية خلال الاعوام الخمس الماضية، لا سيما بعد الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 ، عندما "زعل" وزير خارجية السعودية السابق سعود الفيصل من أميركا، ورفض ان يلقي كلمة بلاده امام الجمعية العامة للامم المتحدة، كما رفضت بلاده شغل مقعد غير دائم في مجلس الامن الدولي.
قبل الاتفاق النووي، غزت القوات السعودية البحرين وقمعت التظاهرات السلمية لابناء الشعب البحريني، "بناء على طلب" سلطات البحريني، وبعد الاتفاق النووي شنت السعودية حربا شاملة ضد اليمن "دفاعا عن الشرعية" و "بناء على طلب الرئيس الشرعي"، وبين هذا الغزو وهذه الحرب، شنت السعودية حربا ضروسا عبر مجاميع تكفيرية استقدمتها من اكثر من 80 بلدا في العالم، لاسقاط "الرئيس غير الشرعي" في سوريا، كما كان لها الدور الاول والابرز في تحريض الناتو وتمويل غزوها لليبيا لاسقاط "النظام غير الشرعي" هناك، ولسنا هنا في وارد الحديث عن كيف تصنيف السعودية لـ"شرعيات" هذه الانظمة والحكومات وتمييزها بين "الثورات" و "الفوضي والفتن"، فهذا امر يطول شرحه.
قبل ايام وفي محاولة للهروب الى الامام، من مواجهة مسؤوليتها ازاء فاجعة مني التي ذهب، ضحيتها اكثر من 7000 حاج من حجاج بيت الله الحرام، بينهم 464 حاجا ايرانيا، وبدلا من ان تعتذر للدول التي فقدت مواطنيها وتقديم تطمينات بعدم تكرار هذه الفجائع في مراسم الحج كل عام، تشن السعودية عبر ابواقها الوهابية والاعلامية حربا "طائفية" بكل لما للكلمة من معني. فقبل ايام "أفتي" المفتي العام في السعودية عبدالعزيز آل الشيخ بـ"فتوي" اعتبر فيها "ان الايرانيين ليسوا مسلمين"، وهي فتوي، وان كانت غير مستغربة، الا انها كشفت للعالم، عن المرجعية الدينية الحقيقية لـ"الدواعش" والجماعات التكفيرية، التي تدعي السعودية محاربتهم، فيمايصفها مشايخ الوهابية، بـ"الخوارج" ويدعون عليهم ليل نهار.
وزيادة في الانحدار الاخلاقي والمهني للاعلام السعودي، ومحاولة لتاييد فتوي المفتي العام للوهابية، بدا هذا الاعلام ومنذ ايام تناقل خبر مضحك، مفاده ان الايرانيين قاموا باداء مناسك الحج هذا العام في مدينة كربلاء بدلا من مكة المكرمة، الامر الذي لا يكشف تهافت وسخف العقلية الطائفية الضيقة والضحلة التي تدير الاعلام السعودي فحسب، بل يكشف الحالة المزرية التي تتخبط بها السياسة السعودية، والتي افقدتها التوازن على المستويين الاقليمي والدولي.
كما انه لم يكن مستغربا فتوي مفتي السعودية حول اسلام الايرانيين، لم يكن مستغربا ايضا ما يروج له الاعلام السعودي عن حج الايرانيين، فهناك ماهو اغرب من هذا في العقول الوهابية السعودية، فهناك "قرآن خاص لدي الشيعة"، وان الشيعة "يعبدون الائمة" عليهم السلام، وان الايرانيين حاولوا في اكثر من مرة "هدم الكعبة وسرقة الحجر الاسود"، وما الى ذلك من سخافات الوهابية، لكن المستغرب هو ان تصل هذه العقول الوهابية الى هذه الدرجة من السفه الذي تتصور فيه ان هناك عقولا يمكن ان تصدق هذه السفاسف الوهابية، التي تتبرأ من كل فظائع الجماعات الوهابية من القاعدة و "الدواعش" وبوكو حرام واخواتها، بينما هي تطبيقات حرفية للتعاليم الوهابية، التي عانت منها الشعوب مرتين، في المرة الاولي عند تاسيس الكيان الوهابي في جزيرة العرب، والمرة الثانية استمرت منذ ظهور القاعدة وحتي اليوم، في الوقت الذي تعمم اي تصرف حتي ولو جاءت عن طريق الخطأ من بعض بسطاء الشيعة، على مئات الملايين من الشيعة، رغم معارضتهم لتلك التصرفات، وتحريم المرجعيات الدينية الشيعة الكبري لها.
رغم ان الوهابية كانت منذ ان وجدت تحمل في احشائها كل هذا القبح، الا ان قبحها اصبح اليوم اكثر وضوحا، بعد ان انتشرت باموال النفط السعودي في العالم، خارج جزيرة العرب، ووجدت طريقها الى النفوس المريضة والعقول المتخلفة، ومن ثم انتقلت الى التطبيق، بعد ان وجدت السلطات السعودية، في هذه الجيوش الجرارة من المتخلفين عقليا، وسيلة لتحقيق اهدافها السياسية في المنطقة، وهي اهداف اميركية "اسرائيلية" بالدرجة الاولي، كما شاهدنا في افغانستان وباكستان والشيشان والعراق وسوريا واليمن والبحرين وليبيا، حيث تم تجنيد القاعدة وجبهة النصرة و "داعش" وباقي الجماعات التكفيرية الوهابية لهذه الغاية.
التخبط السعودي، سياسيا واعلاميا، لاسيما امام ايران، وانحدارها الى هذا المستوي الضحل، لم يأت من فراغ، فهذا التخبط سببه الاول هو نجاح السياسة الايرانية، على الصعيدين الاقليمي والدولي، فايران ورغم فرض نفسها على القوي الست الكبري في العالم كلاعب اقليمي كبير، نجحت ايضا في الحفاظ على مكتسباتها العلمية وخاصة النووية، دون ان تتنازل عن مواقفها المبدئية من اهم قضايا الامة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
اما السبب الثاني الذي افقد السعودية كل توازنها، ودفع مشايخها واعلامها الى الهذيان، هو الضربة الموجعة التي وجهها "اهل السنة والجماعة" الى الوهابية السلفية في مؤتمر غروزني، الذي شارك فيه اكثر من 200 عالم دين "سني" بينهم شيخ الازهر احمد الطيب، والذي استبعد فيه الوهّابية والعقيدة السلفية التكفيرية لهيئة كبار العلماء في السعودية من "أهل السنة والجماعة"، واكد على ان الوهابية تشوه الإسلام، حاصرا مرجعية اهل السنة والجماعة بالازهر وجامعة القرويين والزيتونة.
الضربة الثانية التي وجهت الى السعودية وجعلتها تترنح اكثر، تمثلت بمصادقة الكونغرس الأميركي على مشروع قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، والذي يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول ٢٠٠١ بمقاضاة الحكومة السعودية، بعد تورط امراء من آل سعود بينهم عائلة سفير السعودية السابق في اميركا بندر بن سلطان في هذه الهجمات، التي نفذها 19 شخصا بينهم 15 سعوديا.
هاتان الضربتان الموجعتان سددتهما جهتان، ما كانت السعودية تتوقع ان تأتيا منها مطلقا، الاولي من "اهل السنة والجماعة"، وهي التي كانت الى الامس القريب تتحدث باسمهم، والثانية من جهة تعتبر الحليف الرئيسي لآل سعود، وان الايام المقبلة حبلي بالضربات التي ستنهال على هذا الكيان السعودي، بسبب تخمة التناقضات التي يعيشها، ومن جهات لا يتوقعها مطلقا، ولا نستبعد ضربات تأتي حتي من الداخل السعودي ومن المؤسسة الوهابية ذاتها، حتي لو طبعت السعودية مع "اسرائيل" وافتتحت، ليس في تل ابيب بل في القدس المحتلة، سفارة لها، فساعة الحقيقة لهذا الكيان ازفت، وما هذيان مشايخ الوهابية واعلام آل سعود هذه الايام الا بعض ارهاصات هذه الساعة.
المصدر / ارنا