التداول في “الميثاقية”.. مفتاح للحل أم تعميق للخلاف؟
ذوالفقار ضاهر
تعقدت الازمة السياسية في لبنان بعد تعليق "الحوار الوطني” على خلفية البحث في "الميثاقية”، ما سيؤدي بلا شك الى تعميق الازمة لا حلها وسيدفع بالبلد الى مزيد من التأزيم والتعقيد الذي سيكون له العديد من الضحايا.
أولى ضحايا هذا التأزيم كانت جلسة الحكومة الخميس الماضي، التي تغيب عنها وزراء "التيار الوطني الحر” وحزب الله وحزب "الطاشناق” وأيضا وزير "تيار المردة” ريمون عريجي، وقد تحولت الجلسة بمن حضر الى أشبه بورشة مناقشة وتداول فيما يجري مع مطالبات عديدة باعادة فتح قنوات الاتصال مع الوزراء "المعتكفين”.
الحكومة اللبنانيةوبتوقف الحوار ومن ثم امكانية توقف الحكومة عن العمل لا بدَّ من التنبيه من مخاطر تعميم الفراغ الذي وصل الى كل المؤسسات الدستورية والوطنية، ما يعني ان التآكل نخر في جسد الدولة اللبنانية حتى العظم وبات يهدد الكيان اللبناني بأصل وجوده، هذا الوجود الذي تعتبره بعض المراجع السياسية والقانونية مهددا اصلا عبر المس بـ”الميثاقية” الذي كان المحرك الاساس لاعتراض "العونيين”.
ماذا تعني الميثاقية؟
فما هي الميثاقية وماذا تعني حقيقة وهل هي قانون او تشريع او عرف موجود فعلا؟ ولماذا يسعى كل فريق الى تعريف الحوار كما يريد وبحسب رغباته؟ فهل "الميثاق” اليوم هو جزء من الدستور اللبناني وعليه يمكننا الاكتفاء بالنصوص الدستورية ام ان الميثاق هو شيء آخر مختلف عن نصوص المكتوبة؟
الدكتور خليل حمادةحول ذلك قال الخبير القانوني وعضو المجلس السياسي في "التيار الوطني الحر” الدكتور خليل حمادة إن "الميثاقية هي قواعد قانونية غير مكتوبة أسمى من الدستور وترتكز في لبنان على أمرين: الحفاظ على العيش المشترك والمناصفة في المشاركة”، ولفت الى ان "هذا ما تمَّ التوافق عليه بين اللبنانيين بعد استقلال لبنان عام 1943 وعند توقيع اتفاق الطائف عام 1989”.
وانطلاقا من ذلك، يرى "التيار الوطني الحر” ومعه شريحة كبيرة من المسيحيين ان الحقوق المسيحية منتقصة الى حد ما او ان هناك بعض الحقوق التي يجب حمايتها ومنها وصول رئيس للجمهورية له صفة تمثيلية وتؤيده أغلبية شعبية كما هو الحال في رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، ويعتبر البعض ان المساس بـ”الميثاقية” يعني المساس باتفاق الطائف نفسه باعتبار ان التوازن بين اللبنانيين سيصيبه خلل كما ان المناصفة لن تتحقق.
الاستقرار.. والمس بالميثاقية
مجلس النواب اللبناني من الذي يتحمل مسؤولية المسّ بالاستقرار اللبناني عبر المسّ باتفاق الطائف والميثاقية؟ ولماذا الاصرار على تهميش شريحة وازنة من اللبنانيين؟ والى أين يمكن ان يؤدي هذا الاداء السياسي لبعض الافرقاء؟ وأيهما أولى الحفاظ على الميثاقية ام الحفاظ على المؤسسات؟ وهل يمكن استمرار عمل المؤسسات بشكل طبيعي بدون الحفاظ على الميثاقية؟ وكيف سيعمد "التيار الوطني الحر” لالزام البعض بالحفاظ على الميثاقية التي يعتبر انها غير متوفرة في كثير من الاحيان؟
حول ذلك، اعتبر الدكتور حمادة ان "الميثاقية هي مسار تكويني بنيوي للبنان أعلى من الدستور واي ضرب للميثاقية هي ضرب للتكوين البنيوي للكيان”، واشار الى ان "خطاب التيار الوطني قد يبدو للبعض انه خطاب يدافع عن حقوق المسيحيين فقط بينما الواقع ان التيار يدافع اليوم عن حقوق المسيحيين لان حقوقهم منتهكة وفي المستقبل لو انتهكت حقوق غيرهم في سيكون الموقف من الميثاقية واحد وسنجد التيار يدافع عن حقوق الدروز والسنة والشيعة كما يفعل اليوم بالدفاع عن حقوق المسيحيين”، مؤكدا على "موقف التيار الثابت في هذا الموضوع”.
كل الخيارات مفتوحة..
سعد الدين الحريري وفي هذا الاطار، لفت حمادة الى ان "تيار المستقبل لديه خطابان في هذا الموضوع بالتحديد، حيث انه يطالب بوصول الرئيس سعد الحريري على اعتبار انه يمثل الاغلبية السنية بينما يرفض ذلك على العماد ميشال عون رغم انه يمثل الاغلبية المسيحية”، وأشار الى أنه "لا يمكن السكوت الى الأبد عن كل هذه الخروقات التي ترتكب بحق القوانين والدستور سواء بالتمديد للقادة العسكريين او لمجلس النواب”.
وأكد حمادة ان "التيار الوطني يطالب بتطبيق اتفاق الطائف عبر مطالبته بتطبيق الميثاقية”، واوضح ان "التيار سيسعى لذلك عبر كل الخطوات المتاحة”، وأكد ان "كل الخيارات مفتوحة طالما ان هذه الخطوات هي خطوات مدنية وديمقراطية”، ولفت الى ان "البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يبارك كل الخطوات التي قد تتخذ وايضا القوات اللبنانية تؤيد”، واوضح ان "رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية يؤيد أيضا المطالب المحقة بتحصيل حقوق المسيحيين من حيث المضمون وان كان يعترض على الاسلوب”، وشدد على "ضرورة الوصول الى الشراكة الحقيقية الفعلية في لبنان”.
اذن لا مؤشرات جدية تبشر حتى اللحظة بقرب انحسار الازمة اللبنانية، بل ربما تبقى الى حين وقد تتمدد، بانتظار تشغيل محركات إعادة التواصل بين مختلف الافرقاء على خط استئناف الحوار الذي لا بدَّ منه في لبنان في ظل كل ما يجري في المنطقة، مع ضرورة الحفاظ على الدستور والميثاقية بما يؤمن الاستقرار العام في البلد ويوصل الحقوق لأصحابها.