kayhan.ir

رمز الخبر: 44500
تأريخ النشر : 2016September03 - 20:27

تركيا في الشمال السوري... إلى أين؟


عقيل الشيخ حسين

قيل يوماً عن المتنبي بأنه مالئ الدنيا وشاغل الناس. وعلى مر الزمن لم يزاحمه أحد على هذا التوصيف غير تركيا. أو بتعبير أدق، غير إردوغان الذي أصبح -إلى حد كبير وبفعل التصفيات الكاسحة، بما فيها الجسدية للخصوم - أصبح لا صوت في تركيا يُسمع غير صوته. أقله منذ الإنقلاب الذي يصفه الجميع بأنه قد فشل في الإطاحة بإردوغان، مع أنه هو الذي سمح لإردوغان بأن يبسط سيطرته المطلقة على تركيا بشكل ربما كان سيحسده عليه السلطان سليم في عز عظمته.

وبسرعة فاقت سرعة الفرسان "الصباهية" العثمانية في مرج دابق (جرابلس الحالية)، يوم دمر السلطان سليم العثماني جيوش شقيقه في الدين والمذهب، السلطان المملوكي قانصوه الغوري، قبل خمسة قرون من الزمن يوماً بيوم... اندفعت دبابات السلطان إردوغان لتدمر، بالفعل، وفي المكان نفسه، جيوش أشقاء له في الدين والمذهب.

هؤلاء الأشقاء هم الأكراد الذين استقبلتهم سوريا قبل قرن من الزمن يوم كانوا يفرون من مواطنهم في شرق الأناضول فراراً من الاضطهاد العثماني، وبعده الأتاتوركي.

اندفعت تلك الدبابات لتدمِّر الجماعات الكردية المسلحة بالفعل، بينما لم تدمر بغير الافتراض جماعات داعش التي من أجل تدميرها المزعوم، عبرت الحدود إلى سوريا، والتي كانت حتى تلك اللحظة تحتل جرابلس وجوارها بالوكالة عن إردوغان نفسه، وعن حلف الناتو الذي يعمل إردوغان في خدمته.

بعد جرابلس، انتقل الجيش العثماني الجديد إلى القرى المجاورة للمدينة السورية حيث تماهى بالجيش العثماني القديم في بطشه وسفكه للدماء وإشاعة الحرائق والدمار في كل مكان يمر فيه: لا يعرف أحد عدد المدنيين الذين قتلوا في قرية "جب الكوسى" أو غيرها من القرى التي سقطت بأيدي الأتراك والجماعات الإرهابية المرافقة لهم في اندفاعتهم، بحسب ما هو معلن، جنوباً، نحو منبج.

تركيافي سوريا ...الى اين؟

والسؤال لا يتعلق فقط بعدد القتلى والجرحى من المدنيين الذين سيسقطون في عشرات القرى السوريَّة الواقعة بين جرابلس ومنبج، المدينة التي يزحف نحوها جيش إردوغان وجيوش "المعارضات السورية" التي يحمل بعضها أسماء غنية بالإيحاءات من نوع "حركة نور الدين زنكي"، و"جبهة الأصالة والتنمية" (كذا)، و"لواء السلطان مراد" و"كتيبة شهداء التركمان" و"لواء السلطان محمد الفاتح"...

بل يتعلق بصحة الادعاء بأن الجيش التركي سينسحب من سوريا بعد انتهاء مهمته المتمثلة بطرد الجماعات الكردية المقاتلة نحو الضفة الشرقية لنهر الفرات، أو على ما تقوله المزاعم، بضرب الجماعات الإرهابية التكفيرية في تلك المنطقة .

فالواقع أن الدخول سهل إلى أعماق الأحلام التي تتلاطم في رأس إردوغان المتقمس لشخصية السلطان سليم، خاصة لجهة صول جيوشه إلى أقاصي اليمن والسودان جنوباً، وإلى جبال الأوراس غرباً.

لكن المهم الآن بالنسبة لإردوغان هو منبج، وبعد منبج تلك المدينة التي أكثر من أي يوم مضى يرتسم فيها مستقبل المنطقة، وعلى الأرجح مستقبل العالم بأسره. ومن لا يعرف حلب؟! من لا يعرفها يوم كانت ترفرف فوق قلاعها وأسوارها رايات الحمدانيين وهم يوقفون الزحف "الارتدادي" القادم أيضاً، كالزحف "الارتدادي" العثماني، من الشمال : زحف الروم البيزنطيين ؟

نائب الرئيس الأميركي جو بايدن جاء إلى تركيا يوم إطلاق عملية "درع الفرات" ليطمئن إلى حسن سير المعركة بين المغرر بهم من الأتراك الذين يحلمون بإعادة الحياة إلى إمبراطوريتهم العثمانية الدفينة، والمغرر بهم من الأكراد الذين طالما حازوا على عطف واشنطن وتل أبيب وعلى الوعود الدسمة بإقامة دولتهم التي نسيتها اتفاقيات سايكس-بيكو. هؤلاء وأولئك ليسوا أول ولا آخر من تنساهم واشنطن وترميهم بعيداً بعد الاستعمال.

وفيما عدا ذلك لا شيء غير الصمت وإن صدرت إدانة لفظية من هنا أو استنكار من هناك. يعرف الجميع أن الهدف المعلن للغزوة التركية ليس "داعش". معظم مقاتليه انسحبوا إلى الأراضي التركية ريثما يغيرون راياتهم وأسماء ألويتهم ويعودون إلى تنفيذ مهامهم إلى جانب الجيش التركي.

لكن حقيقتين انتصبتا بكل ثقلهما وسط معطيات الواقع. الحرب التركية-الكردية دخلت منعطفًا خطيرًا، ودخولها يشي بأن انقلاباً داخلياً لا يقاس به الانقلاب المسمى بالفاشل قد بدأ يزعزع الأسس التي تقوم عليها تركيا ما بعد الحرب العالمية الأولى والأسس التي يقوم عليها كامل الحلم الكردي. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، الصمت الذي أشرنا إليه أعلاه. إذا كانت إيران وسوريا وروسيا قد التزمت جانب الصمت بعد كل هذه الأيام التي انصرمت منذ الهجوم التركي، فإن من غير المعقول أن يكون هذا الصمت تعبيراً عن العجز. إذن ؟ لا بد أننا نقترب من لحظة تندلع فيها مفاجأة كبرى على شكل حدث يتضاءل حتى اللانهاية بالقياس إليه ذلك النصر الذي تحقق لسوريا في داريا ؟؟