على ماذا تراهن روسيا قبل أن تساهم بالحسم شمال حلب؟
شارل أبي نادر د
يتناول كثيرون موضوع الاستراتيجية الروسية حول طريقة ادارتها لدعم ومساندة الجيش العربي السوري وحلفائه في الصراع العنيف على كامل الجغرافيا السورية وخاصة في مدينة حلب واريافها، حيث تأخذ هذه المدينة مع محيطها حيّزا واسعا من الاهتمام الدولي والاقليمي، فيرى البعض ان القيصر متردد في اتخاذ الخطوات الحاسمة والتي هي من ضمن الامكانيات المتوفرة لوحداته العسكرية المنتشرة او الجاهزة للتدخل لتنفيذ اي عمل ميداني تتطلبه معركة الجيش العربي السوري، ويرمي هؤلاء وعن تشكيك يرقى الى سوء نية، للتصويب بطريقة غير مباشرة عن تململ رسمي سوري من هذه الاستراتيجية غير المفهومة، ويرى آخر ان القيصر يقيس خطواته بطريقة موزونة وواقعية ومدروسة كي تأتي النتيجة ناجحة ومفيدة لخدمة هذه المعركة وبالتالي لخدمة مصداقيته في الالتزام بدعم ومساندة الدولة في سوريا ومواجهة الارهاب بشكل عام .
لدى الفريق الاول الذي يرى ان هناك ترددا روسيا واضحا في التدخل بفعالية والمساهمة بمساندة الجيش العربي السوري وحلفائه لحسم معركة حلب، اكثر من سبب يدعه يذهب في هذا الاتجاه، فهو يرى ان لدى الوحدات الروسية العاملة في الميدان الجوي والبري السوري وخاصة في الشمال القدرة والامكانية الكافية للتأثير الواسع في تحقيق الانتصار على المسلحين، دون أن يجد تفسيرًا للموقف الروسي بتمديد المهلة للمسلحين الذين يجب ان ينفصلوا عن جبهة النصرة وبعض المجموعات الارهابية الاخرى التي تدور في فلكها.
من ناحية اخرى، يبرر الفريق الثاني للرئيس بوتين ولفريقي عمله الديبلوماسي والعسكري المتناغمين لدرجة تخالهما فريق عمل واحدًا يتبع غرفة عمليات ميدانية مشتركة، هذا الصبر الواسع سواء في التعامل مع الولايات المتحدة الاميركية والالحاح المتواصل على التنسيق معها بموضوع المعارك المفتوحة التي تستهدف داعش في ريف الرقة الشمالي الى الجنوب من عين عيسى، وفي مدينة منبج ومحيطها غرب الفرات في ريف حلب الشمالي الشرقي، او في اعطاء المهلة تلو الاخرى للمجموعات المسلحة للانفصال عن النصرة. ومبررات هذا الفريق تستند إلى ثقة كبيرة بالقرارات الروسية المبنية على بعد نظر وعلى استراتيجية النفس الطويل والخبرة الواسعة في الحروب الباردة او الحارة وخاصة في تلك التي تكون الولايات المتحدة الاميركية احد اللاعبين الرئيسين فيها، والتاريخ حافل بامثال كثيرة عن ذلك.
في الحقيقة، يمكننا القول ان اهداف هذه الاستراتيجية الروسية بدأت تظهر وتتكشف على معطيات مهمة نستطيع تلخيص اهمها بما يلي:
- اقتناع الولايات المتحدة الاميركية ودول الاتحاد الاوروبي - والتعبير عن ذلك عمليا وهذا المهم – بمسؤولية تركيا الواضحة في دعم الارهابيين وتسليحهم بعد ان لمسوا ذلك لمس اليد خاصة في المعارك الاخيرة في حلب واريافها من خلال خروقاتهم الفاضحة للهدنة بعمليات مهاجمة مباشرة على مراكز الجيش العربي السوري وحلفائه، حيث وضعت تركيا بتصرفهم خطا مفتوحا عبر اراضيها لادخال السلاح والتعزيزات التي فقدوها قبل وقف اطلاق النار الاخير، وقد تُرجم هذا الاقتناع من خلال الاصوات الاوروبية الرسمية التي ارتفعت في ادانة تركيا بشكل صريح لدعمها الارهاب حاليا، او من خلال ادانة اوروبية شبه كاملة تكفلت المانيا بتظهيرها وكانت لافتة بعنفها وبصراحتها حول اعتبار مجازر الاتراك التاريخية ضد الارمن ابادة جماعية وجريمة حرب، كما ويمكن تفسير الاقتناع الاميركي بذلك من خلال ادارة الظهر لمطالب اردوغان الدائمة حول اعتبار دخول الاكراد في سوريا الى المناطق الحدودية معها غرب الفرات خطا احمر، وقيامهم، اي الاميركيين بدعم ومساندة قوات سوريا الديمقراطية والتي تعتبرهم تركيا مجموعة ارهابية في معركتهم ضد داعش في ريف الرقة الشمالي او في التقدم باتجاه منبج الحيوية لداعش ولتركيا في الوقت ذاته.
- التحول الدولي الاميركي والاوروبي في النظرة للمجموعات المسلحة التي كانت موضع خلاف هؤلاء مع روسيا، والتي جاهدت الاخيرة لاقناع تلك الدول بانهم ارهابيون ولا يمكن وضعهم في خانة المعتدلين المخولين للاشتراك بالمفاوضات المباشرة مع الدولة السورية باشراف الامم المتحدة، لتأتي العمليات العسكرية في حلب واريافها وانخراط هؤلاء فيها بشراسة ودموية لتؤكد وتثبت النظرة الروسية.
- تأكدت الدولة السورية ومن ورائها روسيا من وجود امكانية لدى بعض المجموعات المسلحة للانخراط في منظومة الاعتدال والسير بالمفاوضات بعد تحررها من ضغوط جبهة النصرة.
وهكذا... يمكن القول ان الاهداف المذكورة اعلاه والتي تحققت عبر الاستراتيجية الروسية في ادارة الملف الديبلوماسي والميداني العسكري في الشمال السوري خاصة، ستشكل قاعدة مهمة ترتكز عليها الدولة السورية في التأسيس لاستكمال المفاوضات مع مجموعات نزعت عنها وبجدارة الصفة الارهابية ولديها الاستعداد للتفاوض والالتزام بما يتم الاتفاق عليه، وايضا ستؤمن هذه الاهداف للدولة السورية مدعومة بالحليف الروسي قاعدة واضحة تنطلق منها قريبا في معركة استعادة السيطرة واستكمال تحرير ما تبقى من مناطق سورية يتواجد فيها ارهابيون فشلوا في خداع المجتمع الدولي والاقليمي حول صفتهم الارهابية الصحيحة، وخسروا ايضا دعما خفيا كان فاعلا ومؤثرا وقد لعبت روسيا دورا اساسيا في كشفه وفي تسليط الاضواء الدولية عليه، وذلك من خلال استراتيجية النفس الطويل والهدوء والمتابعة الثابتة والواثقة والفعالة.