kayhan.ir

رمز الخبر: 39429
تأريخ النشر : 2016May31 - 18:55

هل ستشكل استعادة الفلوجة مفصلًا في الحرب على داعش؟

شارل أبي نادر

قد تكون الفلوجة من بين المدن - وعلى مر تاريخ حروب الولايات المتحدة الاميركية خارج ارضها - التي سقط فيها اكبر عدد من الجنود الاميركيين اثناء محاولاتهم المتكررة للدخول اليها في فترة احتلالهم للعراق في السنوات الماضية، اذا ما استثنينا خسائرهم في فيتنام، او في الانفجار الذي طال وحدات المارينز في مطار بيروت عام 1983، وقد تكون ايضا من اوائل المدن التي تواجدت فيها داعش في الجغرافيا التي اختارتها لتكون أرض الخلافة أو أرض الدولة الاسلامية في العراق والشام، وكان لها من خلالها او عبر مواقعها فيها، التأثير الكبير على مجمل الميدان العراقي وخاصة على العاصمة بغداد شرقا، وباتجاه كربلاء المقدسة جنوبا او غربا باتجاه الانبار.

يشهد الميدان العراقي اليوم معركة مهمة من خلال تنفيذ عملية عسكرية واسعة لمهاجمة داعش في الفلوجة، وهذه المعركة تشكل مفصلا حساسا ومصيريا على طريق محاربة التنظيم الارهابي في العراق بشكل خاص وفي سوريا والمحيط بشكل عام، وذلك للاسباب التالية:

- لعبت الفلوجة حتى الان دورا حيويا في معركة التنظيم الارهابي ضد الدولة العراقية، فهي المدينة التي حضنت ولادة التنظيم نهجا وعقيدة، وفيها تواكبت العمليات النوعية ضد الوحدات الاميركية سابقا مع تطور وامتداد هذه العمليات لتأخذ لاحقا، طابعا ارهابيا ضد الدولة العراقية بكامل مؤسساتها واجهزتها العسكرية والامنية، وفيها تمركزت اغلب قيادات التنظيم العملانية والامنية والارهابية والتي لا تبعد جذورها عن ضباط سابقين في الحرس الجمهوري العراقي ايام الرئيس السابق صدام، والذين كانوا نواة الفكر العسكري والامني لعمل التنظيم، او عن كوادر وامراء حركة ابو مصعب الزرقاوي الجهادية المتشددة والتي بدورها شكلت رافدا اساسيا في خلق كوادر التنظيم الحالية، كما وشكلت الفلوجة ايضا نقطة ارتكاز اساسية في تنسيق وتنفيذ اغلب عمليات التنظيم الارهابية، انتحارية او غيرها، فهي في وسط العراق وتلامس العاصمة بغداد شرقا حيث مفاصل الدولة الاساسية كافة والتي كانت دائما اهدافا حيوية واستراتيجية لعمليات التنظيم المذكورة، وتلامس المناطق المقدسة في كربلاء جنوبا، والتي تعتبر هدفا دائما لفكر ولعمليات داعش الارهابية كرمزية دينية وثقافية يرفضها بالاساس.

ومن الناحية الميدانية لعبت الفلوجة دورا اساسيا في تخطيط وتنسيق وادارة عمليات التنظيم العسكرية في معاركه ضد الدولة العراقية في اغلب المدن والمحافظات والمناطق التي سيطر عليها، وحيث تعتبر المدينة من الناحية الجغرافية نقطة ربط وتواصل غربا باتجاه عمق الانبار وامتدادا عبر نهر الفرات وضفافه الى الحدود السورية، وشمالا باتجاه الموصل عبر مناطق صلاح الدين والجزيرة شرق الانبار وعلى امتداد نهر دجلة، وشرقا عبر ابو غريب مع العاصمة بغداد.

هل تشكل الفلوجة مفصلا في مصير داعش؟

الان، وبعد اشتداد الضغوط على داعش في الفلوجة، والتي من الواضح انها تزداد وترتفع مع التقدم الميداني باتجاه المحيط المباشر للمدينة ومع اكتمال الحصار عليها تقريبًا، إضافة إلى الجدية والفعالية التي تظهرها الوحدات المشتركة في العملية كالجيش العراقي ووحدات مكافحة الارهاب وقوات الامن والحشد الشعبي والحشد العشائري والذي يلعب دورا مميزا في هذه المعركة من الناحية الوطنية ومن الناحية الميدانية، يمكننا وصف هذه المعركة بأم المعارك للاسباب التالية:

- انها المعقل المتماسك الاخير للتنظيم الارهابي في العراق اذا استثنينا طبعا مدينة الموصل، وذلك بعد خسارته الرمادي والرطبة وهيت غربا، واغلب مواقعه في صلاح الدين شمالا وفي الجزيرة غرب نهر دجلة ما بين الكرمة جنوبا وتخوم بيجي والشرقاط شمالا.

- هذه الضغوط الجدية على داعش في الفلوجة والمترافقة مع ضغوط مستمرة على وحداته في مدينة دير الزور في سوريا والتي لم تتوقف اساسا تبعا للمعارك المفتوحة بينه وبين وحدات الجيش العربي السوري وحلفائه في مطار واحياء المدينة المذكورة، والتي تترافق ايضا مع ضغوط جدية على التنظيم في الشمال الشرقي السوري وتحديدا على التخوم الشمالية لمعقله الرئيس في الرقة، تُفقده امكانية نقل او سحب اي من وحداته او من اسلحته الاستراتيجية لمساندة معركته الدفاعية عن الفلوجة في العراق، خصوصا مع وجود صعوبات كبيرة في تنفيذ هذا النقل او الدعم بسبب خسارته شبه الكاملة لمحاور الربط والانتقال بين مواقعه في سوريا من جهة ومواقعه في العراق من جهة اخرى عبر غرب الانبار.

استنادا لما تقدم، ونظرا للاهمية الحيوية والاستراتيجية لمدينة الفلوجة بالنسبة للدولة العراقية او لداعش، يمكننا القول ان معركة استعادتها سوف تشهد وفي مراحلها الاخيرة عند اقتحام مواقع التنظيم الارهابي في عمقها شراسة غير معهودة من قبله في الدفاع. فهذه المعركة بالنسبة له اصبحت معركة حياة او موت، حيث سيخسر نقطة الارتكاز والتوازن في عمق الميدان الذي استطاع في السنوات الاخيرة من خلاله ان يتحكم بمعركته كاملة من الناحية العسكرية والامنية ومن ناحية العمليات الارهابية، وستشكل خسارته فيها نقطة تحول اساسية ومفصلية في هزيمته في العراق وفي سوريا وفي المحيط القريب وامتدادا الى امكنة انتشاره وتواجده في الدول البعيدة.