اغتيال بدر الدين ، أمن المقاومة ، الأسئلة المختلفة
أحمد الحباسى
وحده الغبي من يكتفي بمعاينة الأضرار و لا يتحرك ، وحده الغبي من لا يبحث عن الرد الموجع للكيان الصهيوني الذي يقتنص الكوادر المهمة في حزب الله تباعا و دون تردد أو خوف ، و وحده الغبي من لا يبحث عن الأسباب و المسببات خاصة بعد اغتيال الشهيد الرمز مصطفى بدر الدين في سوريا ، فالأسئلة كثيرة و حارقة و تحتاج إلى كثير من التحليل و الفهم و حسن قراءة الأحداث و فك شفرتها ، و إذا اكتفى سماحة السيد في خطاب تأبين الفقيد منذ أيام ببعض العناوين المهمة و الصريحة التي أسالت كثيرا من الحبر و الانتباه لدى كل الدوائر ذات العلاقة بالصراع العربي الصهيوني فقد كان منتظرا أن يبقى الشارع العربي المتابع على نهمه في معرفة الخبر و التحليل اليقين على الأقل للإجابة عن السؤال الحارق : لماذا وصلت المخابرات الصهيونية للشهداء عماد مغنية ، سمير القنطار ، مصطفى بدر الدين و عماد اللقيس بشىء من السهولة الغير المعتادة و هل غامر الشهداء بحياتهم بعدم التزامهم بواجب الحذر المطلوب أم أن أمن المقاومة قد تعرض إلى اختراق أو أصبح قادر على القيام بالمهمات الصعبة الموكلة إليه و يجب إعادة النظر في تركيبته و هياكله أم أن حزب الله لم ينسق مع أجهزة المخابرات السورية و الروسية و الإيرانية لفرض ” قبة ” استعلامية تحمى هؤلاء القادة الكبار.
مع كل ضربة موجعة تعود نفس الأسئلة و تلقى نفس الأجوبة تقريبا ، هذا طبيعي لان حزب الله يعتبر عاملا فاعلا في المنطقة الخليجية بالذات ، و أمن المقاومة الذي استطاع حماية زعيم المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله منذ اغتيال سماحة الشهيد عباس الموسوي أثبت للمتابعين و للأجهزة المتخصصة في حماية الشخصيات المهمة أنه لا يقل كفاءة و يتفوق على عدة أجهزة مخابرات في أكبر الدول الغربية ، لكن مع تعدد المهام و فجائية بعض الأحداث مثل الحدث السوري و انخراط كثير من الدول العربية ( أعنى المخابرات ) في لعبة التعامل مع المخابرات الصهيونية كان متوقعا أن يحدث اختراق أو تنفيذ عمليات نوعية أو تعطيل خطة الحزب في تنويع مصادر تسليحه أو تدريب عناصره في أماكن تدريب معينة ، لكن من المؤكد أن بعض العمليات لم تكن لتحصل لولا توفر عدة عناصر من بينها توفير معلومات للموساد من أجهزة خليجية و حتى لبنانية و أردنية و تركية و ألمانية ، عدم تقيد كوادر الحزب بالتعليمات الأمنية المشددة كما جاء على لسان سماحة السيد نفسه ، طبيعة الحدث السوري الذي يتطلب حضور القادة على الميدان و تنقلهم في محيط معاد و سهولة انكشافهم رغم الحماية الأمنية ، ضعف الأجهزة السورية نتيجة طول الحرب و استهدافها من الجماعات المخربة و من بعض الأجهزة العربية، رغبة الشهداء في الشهادة .
في علم الجريمة و الاغتيالات مهما كانت أسبابها و كيفية تنفيذها تدخل في باب الجريمة يجب البحث عن المستفيد من عملية استشهاد الشهيد مصطفى بدر الدين ، في هذا السياق يجب التذكير بأن الشهيد مطلوب لعدة أجهزة غربية من بينها المخابرات الفرنسية ، المخابرات الأمريكية و بالطبع المخابرات الصهيونية ، هذه الاتهامات تتعلق بشبهة تورط الشهيد الكبير في حادثة السفارة الأمريكية بلبنان سنة 1983 و العملية الانتحارية ضد الجنود الفرنسيين و العملية الانتحارية التي طالت مجمعا بتروليا كويتيا أدت إلى صدور حكم بالإعدام ضده ، و لعل هذه الاتهامات و مهما كانت درجة صحتها خاصة و أنها تصدر عن دول معروفة بمواقفها العدائية للمقاومة هي الخيط الرابط بين مخابرات هذه الدول و بين جريمة اغتيال الشهيد في هذا الظرف العصيب الذي تعيشه سوريا و الذي وفر غطاء كبيرا لكل العمليات المشبوهة التي طالت قيادات مهمة في سوريا أو في إيران أو في حزب الله ،و لعله في حرب غير متكافئة على كل الأصعدة فان العبرة ليست بتكاليف هذه الحرب الدولية المتشابكة ضد المقاومة كعنوان رئيسي تقف وراءه ملايين الشعوب العربية بل ما حققته هذه الشخصيات المستهدفة من انجازات ميدانية نوعية عيرت في موازين القوى شيئا ما و بتعبير دقيق آخر فان هزيمة ” الثورة” السورية عسكريا و استخباريا و إعلاميا و اقتصاديا و فكريا و عدم سقوط محور المقاومة السقوط الكبير المنتظر من الأعداء يعد انجازا حققته هذه الكوادر المستهدفة من شأنه أن يغير في معادلة الصراع في المنطقة برمته خاصة مع دخول روسيا على خط المواجهة مع الإرهاب السعودي و رفضها الصريح إسقاط الرئيس بشار الأسد و اعتباره خطا أحمر و هي عناوين كبرى تؤكد أن الرئيس الأمريكي قد يدفع فاتورتها الثقيلة حزبيا في الانتخابات الرئاسية المقبلة .
لقد شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 فشلا مدويا و مرعبا للمخابرات الأمريكية، فشل لم يتم تداركه لحد الآن ، نفس الشيء بالنسبة للمخابرات الفرنسية ، طبعا عناوين فشل المخابرات الصهيونية كثيرة و آخرها الفشل الكبير في استباق المعلومات في حرب تموز 2006 ، و أمن المقاومة الذي حقق انجازات نوعية ضد العدو و ضد بعض أذنابه في المنطقة ليس معصوما في الخطأ ، و حيث يعيش حزب الله وسط دائرة ضيقة من الأصدقاء و كم كبير من الأعداء داخليا و خارجيا و في ظروف صعبة و معقدة مثل الآن فمهمة حماية "الشخصيات الرسمية” تبقى مهمة شبه مستحيلة و دقيقة في كل عناوينها ، لكن من الواضح و رغم كل الهزات أن أمن المقاومة يتطور على كل المستويات و يزداد خبرة و يراكم النجاحات ضد العدو بدليل إيقاف كم شبكات الجواسيس في لبنان و هي مهمات معقدة و تكشف قوة هذا الجهاز في مقابل جهاز يعد الأكثر تطورا في العالم على كل المستويات ، و لعل اغتيال رئيس فرع المعلومات وسام الحسن قد زاد من تعقيد المسألة الأمنية في الحزب و أدخل في الحسبان عناصر جديدة تطلبت إعادة الفرز و التخطيط و رسم الخطوط و هي عملية مرهقة على كل المستويات.
لعل السؤال الأهم المطروح في أذهان العديدين هو لماذا لم يتمكن الحزب من إيقاف احد من المتهمين باغتيال بعض المسئولين الكبار ، طبعا للسؤال دواعيه و مغزاه ، لكن من الواضح أن الحزب ليس في وارد التعليق بالسلب أو بالإيجاب عن هذا السؤال نظرا للطبيعة المعقدة للعمل الاستخبارى و ما يتطلبه من عدم كشف المعلومات مهما طال الزمن و تبدلت الأحوال و المعطيات ، و المعلوم أن هناك عمليات نوعية لم تفصح غنها بعض المخابرات في الغرب إلى الآن رغم مرور سنوات و هناك معلومات و أسرار توصلت إليها بعض الأجهزة لا تزال في الأدراج لأنه ليس كل ما يعلم يقال و يكشف عنه ، بل هناك حقيقة دائمة تقول أن حروب الاستخبارات لا تنتهي و لا تذاع و المعلومات المسربة من هنا و هناك ليست كل الحقيقة لان حرب الأسرار و الانجازات لا تتوقف مهما تغيرت طبيعة الصراع في المنطقة ، و الشهيد مصطفى بدر الدين سيأخذ إلى مثواه الأخير كغيره من الشهداء كثيرا من المعلومات و الأسرار ربما ستأخذ طريقها إلى النشر يوما ما .