الطائرات الروسية المستخدمة في سوريا تقلق الاميركيين
ـ جورج حداد
لدى اندلاع الحرب العالمية الأولى، دون علم الشعوب التي كانت تطمح بغالبيتها الى السلام، تأكَّد للأحزاب والمنظمات الجماهيرية، بما فيها التي كانت تمتلك الاكثريات في برلماناتها والتي كانت الحكومات تحكم باسمها، ان الدبلوماسية السرية تضطلع بدور "الدينامو" المحرك والعامل المقرر في الجيو-استراتيجيا الدولية.
الدور المقرر للاستطلاع (التجسس)
ومع الاختلاف الشكلي ـ الفني أو التقني بين الحقلين، يمكننا القول إن الجاسوسية (والجاسوسية المضادة) هي المحرك الرئيس في الحرب بين الجيوش والكتل والحشود الآلية المتحاربة. فإن جيشا يمتلك كتلة محاربة (بشرية وآلية) اصغر، ولكنه يمتلك قوة تجسسية اكبر وأفعل، تكون حظوظه في النجاح والنصر اكثر من جيش معاد اكبر منه ولكنه اقل كفاءة جاسوسية.
البشر يخضعون لما يصنعون
ومع ان البشر هم في كل الحالات الذين يصنعون ويديرون كل شيء حولهم، فإنهم في المحصلة يصبحون خاضعين وتابعين لما يصنعون. وإن التطور العلمي والتقني قد حتم ان الجانب التقني في التجسس تقدم كثيرا على الجانب البشري الحي. وينطبق ذلك بالاخص على الرادارات البرية والبحرية والجوية والاقمار الاصطناعية والطائرات، التي تقوم بمسح المديات المقابلة، بموجات الرادار، والاشعة والليزر وموجات الاستشعار الحراري والكهرمغناطيس، واكتشاف وجود الأهداف المعادية والتقاط موجاتها وفك شيفرتها وتعطيلها، وتحديد الأهداف المعادية التي يجب ضربها، وتصويب القوة الضاربة الصديقة نحو أهدافها، وتجنب وتشتيت او تدمير القوة الضاربة المعادية. وأكثر فأكثر تضطلع الأقمار الاصطناعية والطائرات التجسسية (بطيار وبدون طيار) واقسام التجسس والمسح الراداري والليزري والالكتروني والكهرمغناطيسي الخ.، في الطائرات المقاتلة والمطاردة والقاذفة والصواريخ الباليستية والمجنحة، بدور متزايد في الحرب المعاصرة.
الطائرات التجسسية الروسية "تفاجئ" اميركا
وفي هذا السياق فإن مجلة The Diplomat الاميركية كتبت ان "الطائرات التجسسية الروسية اصابت الولايات المتحدة الأميركية بالمفاجأة". يبدو ان طائرات "ايل ـ 20" و"تو ـ 214R" يمكن لواشنطن فقط ان تحسد روسيا عليها. وتلاحظ المجلة ان مجرد ظهور هذه الطائرات في مجموعات اسراب الطائرات الروسية في سوريا، شكل تهديدا فوريا للقيادة السيبيرنيتية الأميركية.
وبهذا الصدد كتب كيتلين باترسون، وهو احد المحاربين القدامى في مشاة البحرية الأميركية (المارينز) تعليقا لمجلة The Diplomat جاء فيه انه من الواضح ان التوظيفات الكبيرة التي خصصتها موسكو لبرنامج التحديث العسكري قد أعطت نتائجها.
"السو" الروسية تخيف العسكريين الاميركيين
ففي طائرة سو ـ 24، وطائرة سو ـ 27، يجد العسكريون الاميركيون دائما شيئا ما يخيفهم.
ويقول هذا المحلل ان البعض يعتبرون ان القوات المسلحة الروسية هي عبارة عن جيش لـ "دولة في حالة انهيار طويل المدى". ولكن الولايات المتحدة الأميركية يمكنها فقط ان تحسد النتائج التي توصل اليها برنامج التحديث العسكري للقوات الجوية الروسية. والامر يتعلق بتجديد ترسانة التسلح العادي (التقليدي)، وخاصة وسائل التجسس الراديو ـ تكنيكي والحرب الراديو ـ الكترونية.
واحدى هذه الوسائل صارت طائرة ايل ـ 20، المستخدمة في سوريا، وهي مجهزة برادار للرؤية الجانبية، وأجهزة الاستشعار البصرية، والمسح الضوئي بالاشعة تحت الحمراء ونظام الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية لتبادل المعلومات. ويمكن استخدام ايل ـ 20 للاعتراض الراديوي والمسح الاشعوي للفضاء الراديوي للعدو، مما يعطي الامكانية لتحديد مكان تركيز قوات الخصم.
الطائرات الروسية مصدر قلق الاميركيين ...
وهناك طائرة تجسسية أخرى دخلت في عداد مجموعة الطائرات الروسية في سوريا، وهي الطائرة التجسسية تو ـ 214R، متعددة وظائف التجسس، التي لقبت بـ"الطائرة التي ترى كل شيء"، كما جاء في مقالة مجلة The Diplomat. ويوجد على متن طائرة تو ـ 214R الأجهزة الخاصة بالنظام التجسسي الالكتروني والراديوي (ELINT) و(SIGINT) (استخبارات الإشارات). فبواسطتها يمكن اعتراض اشارات اتصالات الطائرات ووسائط النقل الجوي، مما يسمح بمعرفة وتحديد اماكن تواجد الخصم، وما هو تعداد قواه، وما هي وسائل الاتصال التي يستخدمها.
واشنطن لا تستطيع مواكبة ايقاع تطور الطائرات التجسسية الروسية
وحسب تعبير رونالد بونتيوس، نائب رئيس القيادة السيبيرنيتية للقوات الجوية الاميركية، فإن الطائرات التجسسية الروسية تمثل تهديدا لاميركا. وواشنطن لا تستطيع مواكبة ايقاع تطورها.
ويضيف هذا الخبير "لقد بقيت الولايات المتحدة الاميركية مدة طويلة تركز جهودها في العراق وافغانستان. وبالنتيجة فإن اميركا انشغلت عن تطوير وسائلها الخاصة للحرب الالكترونية الراديوية اللازمة للحرب التقليدية مع دول مثل روسيا والصين". وقد وجد الاميركيون انفسهم متوترين في سلسلة من المناسبات حينما كانت التكنولوجيا الروسية "الجميلة" تظهر امامهم وهي تعرض فعالياتها القوية.
الطيارون الروس يبهرون البحارة الاميركيين
وللمثال فإن "المناورة" التي قام بها الطيارون الروس مرتين: في 2014 فوق البحر الاسود، ومنذ اسابيع في بحر البلطيق، حملت تأثيرًا كبيرًا، حينما ارعبوا البحارة الاميركيين وهم يحلقون فجأة فوق السفن الحربية الاميركية ويتظاهرون بمهاجمتها وهي عاجزة عن ان تفعل اي شيء. وقد تدخل في هذين الحادثين وزير الخارجية الاميركية نفسه جون كيري، معلنا التخوف من امكانية اسقاط الطائرات المقاتلة الروسية. والواقع ان هذا لم يكن سوى تعبير مجازي. وفي كل الاحوال، فإن الطيارين الروس تصرفوا باحترافية عالية، وحلقوا فوق السفينة الحربية الاميركية مرتين، بدون اي تهديد جدي للسفينة.
اميركا تخسر تفوقها السابق
الا ان الاميركيين اصروا على احداث ضجة وبلبلة اعلامية مقابل روسيا التي لا تقوم بمظاهرات عرض عضلات، بل تؤكد وجودها واستعداداتها. والواقع انه تصدر احيانا في الولايات المتحدة الاميركية بعض الاصوات العقلانية. مثال ذلك ما قاله المحلل العسكري لدى CNN ريك فرانكونا الذي قال ان الحوادث الجوية المتكررة في منطقتي بحر البلطيق والبحر الأسود ما هي إلا محاولة من روسيا لتبرهن لبلدان الناتو انه ينبغي ان تأخذ القوة الروسية بعين الاعتبار. وان اميركا لم تعد ذلك "المدافع" الكبير والقوي كما كانت في وقت ما. ولا يمكن، بشكل عام، سوى الاتفاق مع هذا الخبير.