في زمن حرب حلب !!
ثريا عاصي
تزامن قصف مدينة حلب السورية "بقارورات الغاز”، الذي بادرت إليه جماعات تنظيمي القاعدة والإخوان المسلمين، مع حملة دعائية عالمية محمومة دعماً لهذه الجماعات وتغطية على أعمالها الإجرامية الإرهابية، ذلك بقصد إيهام الناس بأن المسؤولية عن رمي القنابل عشوائياً على الأحياء السكنية يتحملها الجيش العربي السوري! بحسب السيناريو المعروف والمكتوب.
في الواقع إن الرسالة التي تتضمنها الحملة الدعائية المذكورة هي التالية: إعتبار المناطق المحاذية للحدود التركية، بين حلب شرقاً وحدود لواء إسكندرون غرباً، مناطق مشتركة سورية ـ تركية. المطلوب بالتالي هو تنظيم هذه الشراكة بين هاتين الدولتين (هذا يتطلب طبعاً تغيير الدولة السورية). بتعبير آخر إن الغاية من تحريض جماعات المتمردين هي منع الجيش السوري من دخول المناطق المشار إليها او إختلاق الذرائع لتدخل عسكري أطلسي تمهيداً لفرض أمر واقع جديد على السوريين يُـنقص السيادة الوطنية.
لقد أجزل الاتحاد الأوروبي العطاء لتركيا: 3 مليار دولار مقابل الحملة الدعائية التي نظمتها الحكومة التركية لتوظيف قضية اللاجئين في الحرب على سوريا : بدءاً من أشهار صورة الطفل السوري الغريق أيلان! 3 مليار دولار إضافية بعد إسقاط الطائرة الروسية. إعفاء الأتراك من تأشيرة دخول إلى بلاد الإتحاد الأوروبي تقديراً لدور حكومتهم في حملة "حلب تحترق”.
من المرجح أيضاً في السياق نفسه ان الخطة الأميركية تقضي بإقتطاع منطقة الجزيرة السورية، شرقي الفرات، بحيث تكون تحت مراقبتها أو تحت نفوذها، لما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية واقتصادية في إطار "التقسيم الإداري” الذي تتصوره الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط.
مجمل القول اننا حيال وضع يمكن أن ننعته بالعبثي أو باللامعقول. على الناس أن ينتظروا أن توزعهم الإرادة الاميركية على الأوطان بحسب خريطة بلاد العرب، قيد الاعداد، التي ستمنحها هذه الإرادة، شرعية الوجود، أي الدعم والحماية مقابل التبعية. ان الشرعية الأميركية هي أساس العولمة وهي فوق حق الشعوب في تقرير مصيرها، من قال "ان الشعب هو مصدر السلطات” هو واهم!
من البديهي أن مرد الإنهيارات التي تتوالى منذ تسعينيات القرن الماضي في دنيا العرب، إلى هزيمة حزيران 1967. لم تنجح مساحيق الزينة بعد حرب 1973 في إخفاء إفلاس نظم الحكم المنكسرة، مدة طويلة. إذ لم تمض سنتان حتى أشتعلت الحرائق إنطلاقاً من العاصمة اللبنانية بيروت. وما تزال النار متأججة.
تحسن العودة إلى الذاكرة لعلها ترتجع أمامنا الماضي . لست هنا بصدد استعراض شامل لما جرى منذ أن تصالح الرئيس المصري الأسبق أنور السادات مع المستعمرين الإسرائيليين، حتى الآن. ولكن ما يهمني من هذا كله مقاربة المعارك التي تدور في مدينة حلب السورية من خلال إقدام الرئيس العراقي صدام حسين في سنة 1990 على إحتلال الكويت.
لقد لاحظنا في الأيام القليلة الماضية كيف أن حزب الولايات المتحدة الأميركية بفروعه العربية والدولية احتاج دعماً للقاعدة والأخوان المسلمين، من أجل إعاقة تقدم الجيش العربي السوري في مدينة حلب. إستناداً إليه أستغرب إلى حد الذهول قرار الرئيس العراقي احتلال وضم الكويت، رغم أن هذه الأخيرة هي دولة نفطية، من المعروف أن الولايات المتحدة الأميركية تحرص على إبقائها تحت السيطرة، أي انها شبه مستعمرة كمثل جميع الكيانات الخليحية وفي مقدمهم السعودية.
ما أود قوله في هذا السياق هو كم كانت حسابات صدام حسين خاطئة. ليس مستبعداً ان يكون قد ظن انه يستحق عرفان الجميل من الولايات المتحدة الاميركية على الحرب التي خاضها طيلة ثمان سنوات ضد إيران. او ان العلاقة التي تربط العراق بالولايات المتحدة الاميركية صارت في نظره، كمثل علاقة هذه الأخيرة بالكويت. فاعتقد صاحبنا أن ضم الكويت إلى العراق لا يضر بنفوذ الولايات المتحدة الأميركية، جاهلاً أن هذه الأخيرة تسعى في الواقع إلى تقسيم العراق نفسه إلى دويلات كمثل الكويت، تابعة لها.
مجمل القول ان الرأي عندي هو أن دروس التجربة العراقية لم تحفظ، مثلما أن الفلسطينيين والشعوب والحكام فيالبلدان المحيطة بفلسطين لم يتعلموا شيئاً من حرب التحرير الجزائرية. ولا ننسى "عبقرية” بعض التيارات السياسية في "الوسط الشيعي” العراقي التي انتهزت فرصة الحرب الأميركية على العراق، فأعلنت في سنة 1991 "ثورة” أو إنتفاضة أطلق عليها اسم "الإنتفاضة الشعبانية” ضد السلطة العراقية. ثلاثة مصائب حلت بالعراقيين في آن، حرب صدام وحرب الأميركي بوش، و”الإنتفاضة الشعبانية”. كانت هذه الأخيرة تبطن بدور التفرقة والتقسيم!
وفي الخلاصة أن نظم الحكم لم تستخلص العبر من تجربة الرئيس العراقي صدام حسين، فواظبت على ممالقة وأحياناً على مغازلة ومراقصة قادة الولايات المتحدة الأميركية، كما أن الجماهير الشعبية لم تتعظ من الفواجع التي نزلت بها نتيجة "الثورات” التي تدعمها الإمبريالية الأميركية الأوروبية وملوك النفط الخليجيين!