العدو يعتدي.. ويَحذر من حشر المقاومة في غزة
جهاد حيدر
وجدت اسرائيل نفسها مرة أخرى أمام تحدي قطاع غزة الذي مثَّل صموده انتصارا لارادة مقاومة الشعب الفلسطيني رغم ظروفه الانسانية والجغرافية والسياسية. في المقابل، تتراوح خيارات اسرائيل بين تجنب التدحرج نحو معركة واسعة تستنسخ عدوان "الجرف الصامد" قبل سنتين، ، وبين خطورة مفاعيل التكيف مع واقع يكرس حضور فاعل للمقاومة في غزة في معادلة الردع المتبادل.
أتت اعتداءات العدو المتقطعة ازاء قطاع غزة مؤخرا، بعد استهداف المقاومة جنود العدو الذين توغلوا على اطراف القطاع. تحركات المقاومة هذه شكلت رسالة تؤكد بأن فصائلها لن تسلم بالمعادلة التي يحاول العدو فرضها مع القطاع. ويبدو أن اسرائيل فهمت الرسالة فحرصت في اعتداءاتها على عدم تجاوز سقوف محددة حتى الان، حتى لا تجبر المقاومة على استهداف العمق الاسرائيلي. وهكذا اكتشفت اسرائيل مرة جديدة أنه لا يمكنها الاعتماد بالمطلق على قوتها التدميرية والردعية لحماية مستوطناتها في غلاف غزة وخارجه، بمعزل عن ادائها ازاء القطاع.
غزة التي تخيف العدو
على الرغم من أن العنوان الرئيسي للمواجهة يتمحور حول الانفاق، إلا أن الاسرائيليين يدركون أن جذور هذه المرحلة وما سبقها وما سيليها يرتبط بمجموعة عناصر، من ضمنها الحصار الاقتصادي المضروب على القطاع. صحيح ان نتنياهو حاول التباهي بالهدوء الذي ساد بعد العدوان الاخير قبل سنتين، إلا أن ما جرى في الايام الاخيرة كشف عن امكانية أن تتطور اي عملية موضعية الى مواجهة بين العدو والمقاومة في القطاع، رغم أن ايا منهما، كلٌ لأسبابه، لا يريدها في هذه المرحلة.
عوامل دافعة للعدو
لا تقتصر دوافع العدو للاعتداء على البعد الردعي والعدواني ازاء القطاع. بل يتأثر صانع القرار السياسي بمجموعة من الاعتبارات على رأسها الاعتبارات الداخلية ايضا. إذ يواجه نتنياهو ضغوطا من معسكر اليمين المتطرف، الذي يزايد عليه في سياساته ازاء قطاع غزة كونه فشل في اتجاهين ، فلا هو حقق الحسم العسكري مع المقاومة.. ولا نجح في توفير الردع الذي يمنح اسرائيل هامشا أوسع في المبادرة العملانية.. . وما يفاقم من أزمة نتنياهو التي يبدو أنها حاضرة في خلفية اعتداءاته، تسريب تقرير مراقب الدولة الذي وجه انتقادات قاسية له مع يعلون ورئيس اركان الجيش في حينه بني غانتس، خلال عدوان "الجرف الصامد".
ايضا، يخشى نتنياهو الذي يسوِّق لنفسه صورة "سيد الامن"، من أن يبدو ضعيفا في مقابل القطاع،ما سيترك اثارا سليبة على موقعه في الداخل الاسرائيلي فضلا عن تقويض مساعيه التي يهدف من خلالها الى إثبات جدوى استراتيجيته السياسية والامنية.
في السياق نفسه، يدرك نتنياهو ايضا أن أي تهاون في الرد على النيران التي تعرضت لها قواته، سيشكل رسالة ضعف يُفهم منها أنه قلق من التدحرج نحو مواجهة واسعة، ما يمنح فصائل المقاومة هامشاً أوسع في المبادرة والرد.
مع ذلك، ينبغي القول أن آخر ما يريده نتنياهو في هذه المرحلة هو التدحرج نحو مواجهة مع القطاع، لانه يدرك مسبقاً أنها لن تحقق له ما لم يتحقق خلال عدوان "الجرف الصامد". خاصة وأن نظرية الحسم دونها الكثير من العوامل والاعتبارات ، فضلا عن الخسائر المؤلمة جدا التي من المتوقع أن يتلقاها جيش العدو في أي سيناريو كهذا.
تجدر الاشارة الى ان الدفع بقضية القطاع الى الواجهة يتعارض مع أولويات اسرائيل عامة، ونتنياهو خاصة، الذي ينصب اهتمامه الامني والسياسي على الجبهة الشمالية. ويدرك رئيس الحكومة الاسرائيلية أن فتح جبهة غزة يتعارض ايضا في هذه المرحلة مع أولويات "حليفه" العربي – السعودية ومعسكر "الاعتدال" - في مواجهة محور المقاومة..
في كل الاحوال، تبقى حقيقة أن واقع القطاع ومستقبله، لم يعد قضية تتصل فقط بمعادلات الصراع القائم مع اسرائيل. وانما يحضر بقوة في هذا الملف الموقف المصري الذي تأخذه اسرائيل بالحسبان جدا في أي سيناريوهات تسووية وعسكرية مفترضة. هذا الى جانب حضور القطاع في على طاولة المفاوضات التركية الاسرائيلية.