إتفاق ” وقف العمليات العدائية ” في سوريا .. بنودٌ بأبعادٍ مفصلية .
حسن شقير
بعيد الإجتماع الرباعي الشهير في فيينا في أواخر تشرين الأول من العام الماضي ، لأطراف تحالف أمريكا الثلاثي ( أمريكا – تركيا – السعودية ) مع وزير الخارجية الروسي ، وذلك على قبيل أيامٍ قليلة من اجتماع فيينا الأول ، خرج وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الإعلام ، مبشراً بأن هناك ” ألية جديدة سيعمل عليها لحل الأزمة في سوريا ” ، رافضاً الكشف عن مضمونها في حينه ..
من وحي ذاك التصريح ، وتصريحات باقي الأطراف المشاركين ، توصلتْ إلى قناعة بأن الوزير الروسي ، قد رمى أمام ذاك الثلاثي خطة روسية متكاملة للحل ، تقوم على ثلاث مراحل أساسية ، تنطلق من فرز الإرهابيين ، ومن ثم الإنقضاض عليهم ، ليتزامن ذلك مع الولوج بمسار سياسي سوري وبرعاية أممية ، وذلك من أجل السلام في سوريا ( المقالة المشار إليها بعنوان : خريطة طريق روسيا في سوريا .. رابح – رابح ، والمصير . نُشرت بتاريخ 25-10-2015 ).
من خلال التطور الأخير الذي حدث بالأمس ، بالإعلان الأمريكي – الروسي المشترك عن التوصل لصيغة ” وقف العمليات العدائية ” ، وموافقة معارضة الإئتلاف عليها ، فإننا يمكننا القول أن المرحلة الأولى من تلك المراحل الثلاث قد وُضعت فعلياً على سكة التنفيذ ..
ليس المهم هنا ، إنما الأهم ، هي تلك البنود التي اندرجت ضمن هذه الإتفاقية ، والتي تشير إلى مجموعةٍ من الدلالات الجوهرية والمفصلية في تاريخ الأزمة السورية ، والتي قد يرقى بعضها إلى مصاف الإستراتيجي أيضاً .. فكيف ذلك ؟
أولاً : نزع فتيل الحرب الشاملة
لعل مسارعة بوتين ، بعيد سويعات قليلة من إعلان الإتفاقية ، إلى وصفها بأنها” تُماثل الإتفاق حول الكيميائي السوري في ٢٠١٣ ” ، يُدلل على أن هذه الإتفاقية ، قد نزعت فتيل حربٍ كبرى كادت أن تقع في سوريا وعليها ، والتي حذر منها مدفيديف على أعقاب الحديث عن تدخل سعودي – تركي بري في سوريا ، وما لاقى ذلك من تحذيراتٍ روسية ، سورية وإيرانية ، بوجوب تجنب ذلك ، لا بل آن الرسائل من هؤلاء قد طرقت أذان حلف الناتو ، والذي رفض إطلاق صافرة التدخل تلك ، فضلا ً عن الرفض الأمريكي ، لتقديم غطاء لذاك التدخل .. وبناءً عليه فقد تم سحب المشروع من التداول الجدي ، خوفاً من عواقبه الكارثية على تحالف أمريكا واستراتيجيتها الحالية في كيفية الإحتفاظ بقيادة العالم ، مع سعي منها ، بالضغط على المحور المقابل ، لتقديم جوائز ترضية لأولئك المتحمسين ، وذلك ” بإيقاف السعي لدى قوى الممانعة ، للحصول على مكاسب في الجغرافيا ” على حساب حلفائهم ” المعتدلين ” ، فضلا ً عن حوافز أخرى .. وذلك بحسب ما ورد في أحد بنود الإتفاقية .
ثانياً : ” تهجير قسري من الإرهاب نحو الإعتدال "
إلى ما قبيل إعلان الإتفاق على بنود هذه الصيغة ، كانت عقدة فرز الجماعات الإرهابية من عدمها ، تُعتبر القضية الأبرز ، المختلف عليها ما بين تحالفي أمريكا وروسيا ، وذلك عندما أوكل إلى الأردن بإنجاز القائمة … إلا ّ آن الفشل في هذه العملية الحساسة جداً ، والغنج الذي أصاب بعضٍ من حلفاء أمريكا من أولئك المعارضين الميدانيين في سوريا ، والإصرار الروسي على الإستمرار بالإندفاعة نحو اجتثاث الإرهاب في سوريا بكامل جغرافيتها … جعل من جون كيري يدق ناقوس الخطر على أذان هؤلاء الحلفاء ، وينتقل بعدها إلى جرّهم مُرغمين على السير بأليات ملزمة ، تفرض عليهم تقديم أوراق اعتماد في مربع ” الإعتدال ” وترك مربع الإرهاب .. وذلك كما تحدثت عنه الإتفاقية المذكورة في أكثر من مكان ، بضرورة إلتزام هؤلاء بكافة مندرجات هذه الإتفاقية … وإلا ّ اعتبارهم إرهابيين شأنهم كشأن تنظيمي النصرة وداعش ، واللذين أستثنيا من أية اتفاقات تُذكر …
إنه – باعتقادي – التهجير الأمريكي القسري المفروض على المعارضة المسلحة للوصول بها إلى نواة لجيش ” أبناء سوريا الجديدة ” من جهة ، ورفع الحرج عن تلك الدول المعنية بتصنيف المتحاربين في سوريا ، بين إرهابيين ومعتدلين ، وجعل هذا الأمر – بحسب بنود الصيغة – حصراً أثناء تطبيقها بيد الأمم المتحدة … وبهذه الصيغة ، يمكن لهذه النواة العسكرية ، أن تُمثّل مكوّناً عسكرياً ” وازناً وموازياً ” يقابل الجيش السوري النظامي ، وذلك تمهيداً، إما للإتفاق السياسي لاحقاً ، أو حتى للإقتتال في أية مرحلة قادمة .. ، وهذه القضية جوهرية – بإحتماليها – في مسار الحرب على سوريا والمنطقة في المستقبل المنظور.
ثالثاً : إنزياح خرائط المواجهة في الميدان
إذا ما قُدّرَ لهذه الهدنة ، أن تدخل حيّز التنفيذ ، ويجري التمديد لها ، فإن ذلك سينعكس حتماً على خرائط المواجهة العسكرية في الميدان السوري ، وذلك بأن الجيش السوري وحلفائه في البر والجو ، سيدخلون حصراً ، ومباشرة في المرحلة الثانية من مراحل خريطة الطريق أعلاها ( الإنقضاض على الإرهابيين ) وبجهد مضاعف مما يجري عليه الأن ، وذلك بحسب التجاور الجغرافي لهذه القوى مع الجغرافيا التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية ، دون أية شروط أو قيود عليها … الأمر ذاته ينطبق على أولئك المعتدلين ، وداعميهم من دول التحالف ، وذلك بتركيز هجماتهم وفقاً للمبدأ السابق ( تجاور الجغرافيا مع الإرهابيين ) فيما يتعلق بالقوى الممانعة ، وعليه فإن هذه المسألة تدلل – وبشكل جلي – أن روسيا فرضت إنزياحة قسرية لمسار ووجهات المعارك في الميدان السوري ، وذلك وفقاً لصيغة ، رابح – رابح أيضاً..
إذا ما وصلت الأمور إلى المرحلة الثانية من خريطة الطريق فعلاً ، فإن ذلك سيعني أن مبادرة بوتين التكاملية في محاربة الإرهاب قد تحققت ، وإن بشكلٍ غير مباشر بين الأطراف الدولية المتقابلة في الحرب السورية .
لقد تناولت في مقالة سابقة ، بأن رحلة ” وراثة الإرهاب ” في سوريا قد بدأت ، وأن زمن تبريد الجبهات ، وربما تجميدها قد حان أوانه ، وقد توصلت أيضاً في تلك المقالة المشار إليها ، إلى ان استراتيجية ” الوارثين ” ربما ستكون مسيّرةٌ في إطار ” التحرّف للقتال ” .. وهذا كله سيكون ضمن ولوج سوريا في المرحلة الثالثة من خريطة الطريق ( التفاوض السياسي ) ، والذي سيكون – بلا شك – صعب الإختراق في مداه الزمني ، كالمرحلتين السابقتين .. إلا ّ إذا حدثت تطورات دراماتيكية في المنطقة والعالم ، تجعل من هذه المرحلة تطول أو تقصر ، وذلك استناداً لدسامة الأوراق التي يستجمعها كل طرف في هذه المحطة من محطات الحرب على سوريا والمنطقة برمتها ، وذلك في ظل الكباش الدولي على إعادة تشكيل الأقطاب الكبرى في العالم ، وأحجامها المأمولة لدى كل منها ..