kayhan.ir

رمز الخبر: 29289
تأريخ النشر : 2015November13 - 21:10

الهبّة الفلسطينية بعيون “تل ابيب”: رسائل وعبر

جهاد حيدر

على الرغم من تراجع الهبة الشعبية الفلسطينية في اراضي العام 48، وانتقالها الى بعض الضفة الغربية، لكنها ما زالت حاضرة بقوة لدى صناع القرار السياسي والامني على مستوى اسبابها ومفاعيلها وافاقها. واذا ما تبين من قراءة الهبّة والعناوين التي اطلقت عليها، بين المستويين السياسي والاستخباراتي في "تل ابيب"، فهو يعود الى موقع كل منهما.

من جهة يصر نتنياهو، الذي يمثل رأس الهرم السياسي، على وسم الهبّة الشعبية الفلسطينية بأنها ليست إلا "موجة ارهابية" تتعرض لها "اسرائيل" امتدادا لما واجهته طوال تاريخها.

وفي التدقيق بالمفردات التي اختارها نتنياهو، يبدو أن هذا الخطاب يهدف الى القول إن الهبّة الفلسطينية لا علاقة لها بسياسات حكومته في هذه المرحلة. ويستدل على ذلك، بأن اسرائيل واجهت موجات مشابهة واشد عنفا قبل وبعد اتفاقات التسوية السلمية.

ويمهد هذا الخطاب، للقول إن أي تنازل اسرائيلي سيكون عبثيا على هذا الصعيد. وبالتالي التأكيد على أن لا علاقة لما جرى ويجري، بواقع الاحتلال والاستيطان والممارسات الاستفزازية لليمين الاسرائيلي المتصلة بالقدس والمسجد الاقصى.

أيضا، اراد نتنياهو قطع الطريق من خلال هذا الخطاب، والفذلكة التي قام عليها، على أي محاولة استغلال سياسي خارجي وداخلي من قبل القوى المنافسة له على صدارة المشهد السياسي، والحؤول دون مطالبته بتقديم ما يعتبره تنازلات سياسية لصالح الطرف الفلسطيني.

عليه، ينسجم موقف نتنياهو مع رؤيته التي تقوم على الاعتقاد بضرورة استغلال الظرف الاقليمي التاريخي الحالي من اجل فرض وقائع استيطانية في الضفة والقدس، وبالتالي فإن نقطة الارتكاز في خطاب نتنياهو، على هذا الصعيد، تتمثل بوضع فصائل المقاومة الفلسطينية والجماعات الارهابية في سلة واحدة، في محاولة للقول بأن على العالم الذي يدين ما ترتكبه هذه الجماعات أن يسحب ذلك ايضا على نشاطات الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، على أمل أن تخرج اسرائيل معفية من المطالبة بتقديم ما تسميه "تنازلات" سياسية للطرف الفلسطيني.

رغم ذلك، يظهر ان نتنياهو تبنى في تعليماته للاجهزة الامنية والعسكرية، مبدأ التدرج في ردوده على العمليات التي ينفذها الشباب الفلسطيني. ويعود ذلك، الى رهانه في بداية الامر على أن يكون ما جرى سحابة عابرة كما حصل في مرات سابقة، لكن استمرار العمليات حشرت نتنياهو وطاقمه السياسي والامني، فاندفع بعد ذلك نحو قرارات أشد قسوة واكثر قمعا بهدف تعزيز الردع الاسرائيلي في مواجهة الشباب الفلسطيني.. فصدرت قرارات محاصرة الاحياء العربية في القدس الشرقية، و سحب الاقامة من المنفذين، وتدمير منازلهم ومنع اعادة بنائها.. كما وجه نتنياهو تعليمات جديدة لإطلاق النار، من خلال السماح لقوات الشرطة باستخدام القناصة وإطلاق الرصاص الحي ضد المتظاهرين الفلسطينيين، وتعزيز الشرطة بقوات من الجيش.

في المقابل، رأت الاستخبارات العسكرية، أمان، أن سبب العمليات التي ينفذها الشبان الفلسطينيون في المرحلة الحالية، يعود إلى اليأس والإحباط في صفوفهم وإلى شعورهم بأنه لا شيء يخسرونه خاصة لدى جيل الشباب. بل ذهب رئيس الاستخبارات العسكرية، هرتسي هليفي الى حد القول، خلال جلسة الحكومة الإسرائيلية، أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع التأثير في هؤلاء الشبان بسبب الفجوة القائمة والآخذة في التعمق بين السلطة والجيل الشاب.

وقد تجاهلت تقديرات الاستخبارات المعلنة حقيقة أن منشأ الموقف الشعبي الفلسطيني يعود بالدرجة الاولى الى رفضه الاحتلال وافرازاته. ولا يقدح بذلك، أن يتفاقم هذا الموقف ويتجذر مع السياسات الحكومية التي تعمق من الجرح الفلسطيني.

اما عن المعالجة، فقد علمت الاجهزة الامنية أنها غير قادرة على معالجة هذه الظاهرة، رغم بدائية وسائلها، من دون التعاون مع اجهزة امن السلطة، وهو ما يكشف بدوره عن محدودية القدرة الاسرائيلية على مواجهة المقاومة الفلسطينية في الضفة لولا أن طرفاً فلسطينياً – أجهزة أمن السلطة - اختار أن يكون اداة لقمع المقاومة ومنعها من ممارسة حقها وواجبها.

في كل الاحوال، تبقى حقيقة تطغى على كل مواقف القيادة السياسية، في تل ابيب، ومحاولة تقدير الاستخبارات الاسرائيلية، وهي أن هذه الهبة الفلسطينية، ومعها العديد من المحطات التي سبقت، كشفت وأكدت على فشل محاولة تدجين وتيئيس الجيل الشاب الفلسطيني، بل نجده ايضا، مندفعاً ويملك قدرا من الوعي يمكنه من اتخاذ قرارات مصيرية في توقيت اشكالي ويبدع في اساليب المقاومة..