kayhan.ir

رمز الخبر: 29221
تأريخ النشر : 2015November11 - 19:57

الانتخابات التركية: أردوغان في افخاخ الداخل والخارج

سركيس ابو زيد

خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منتصراً ، ولو بالدم، بعد هزيمة حزبه في انتخابات الصيف الماضي، يومها لم يتقبل الخسارة فاستثمر بعمليات دموية لتخويف الناخب التركي. هكذا خطط لانتخابات رابحة إعادة الى حزبه "العدالة والتنمية" الأغلبية لانه نجح بوضع الشارع التركي أمام خيارين إما الاستقرار أو الفوضى، مستخدماً شتى وسائل الضغط في الاقناع عبر الضغط والترهيب النفسي والمعنوي والدموي .

عمل اردوغان على إفشال تشكيل حكومة جديدة تحرمه من التفرد بالقرارات، داخلياً وخارجياً، واستغل الدستور في الذهاب لانتخابات جديدة علّها تعيد "العدالة والتنمية" إلى السلطة منفردا بها، وبالتالي إحياء إقامة نظام رئاسي بحكم القوة، لا بحكم الدستور الذي لا يعطيه هذه الصلاحيات. عرفت تركيا لمدة ثلاث سنوات قبل انتخابات 7 حزيران هدوءاً واستقراراً أمنياً نسبيا، بسبب المفاوضات بين الدولة وحزب "العمال الكردستاني"، لكنها دخلت الانتخابات الجديدة وقد غرقت في بحر من الدم بسبب عودة الصدام العسكري بين الجيش و"الكردستاني"، كما تكررت التفجيرات الدموية مثل:" سوروتش في 20 تموز الماضي ومقتل أكثر من 32 ناشطاً كردياً، ومثل أنقرة في العاشر من الشهر الماضي ومقتل مئة وشخصين أيضاً من المؤيدين لـ"حزب الشعوب الديموقراطي".

بالإضافة إلى أن تركيا دخلت الانتخابات وسط عامل جديد آخر وهو إعلانها الحرب على "داعش" في سوريا وفي الداخل، بمعزل عن جدية هذا الإعلان وصدقيته يضاف عليه الاحتقان الاجتماعي والسياسي والإتني والمذهبي، وسط حملة تخويف غير مسبوقة للمعارضين في مؤسساتهم، ولا سيما الإعلامية.

كذلك فإن الظروف الخارجية المحيطة بتركيا طرأ عليها عامل جديد لم يكن سابقاً، وهو دخول روسيا الساحة السورية بطائراتها وبوارجها، وتركيز غاراتها على القوى المسلحة التي تدعمها تركيا مباشرة، وانعكاس ذلك على الداخل التركي من أكثر من زاوية بمعزل عن مدى تأثير ذلك على مجريات ونتائج الانتخابات التركية.

أردوغان وأركان حزبه الحاكم "العدالة والتنمية"، ركزوا في حملتهم الانتخابية هذه المرة على تخيير الشعب التركي بين الاستقرار والفوضى. والناخبون الأتراك يدركون جيدا أن أردوغان وحزبه واقعيون جداً في خطابهم هذه المرة، لأن تركيا فعلا على مفترق طرق بين الاستقرار والفوضى. فالتفجيرات الإرهابية الأخيرة في انقرة والتصعيد الميداني في سوريا منذ بدء الحسم العسكري الروسي، واستمرار تدفق اللاجئين السوريين الى الأراضي التركية بأعداد كبيرة، كلها وقائع لا تسمح لتركيا بأي وضع سياسي داخلي هش. مما أعاد الناخبين الذين تمردوا على أردوغان في الجولة السابقة "الى بيت الطاعة " وصوتوا لمرشحي الحزب الحاكم، لأنه بالنسبة لهم الحزب الوحيد القادر على حماية استقرار تركيا وأمنها في هذه المرحلة.

هذا التموضع الجديد لأردوغان أعطاه مساحة أوسع للتحرك داخليا وخارجيا... لكن الى أين؟ وهل تعود تركيا الى السياسة الخارجية التي انتهجتها سابقا، خصوصا فيما يتعلق بالحرب السورية، ومواصلة دعمها للتيارات الإسلامية في الشرق الأوسط؟

الجماعة الإسلامية التي تشكل الفرع اللبناني لحركة "الإخوان المسلمين" وجدت في انتصار "حزب العدالة والتنمية" في تركيا تعويضا عما خسرته في مصر عندما أطيح بحكم الإخوان برئاسة محمد مرسي، الأمر الذي أفقدها في حينه سندا إقليميا استراتيجيا كان يمكن أن يساهم في دعم وجودها في لبنان.

في المقابل أشادت المجموعات المسلحة في سوريا بدور "العدالة والتنمية" في دعم التنظيمات المعارضة، وأعربت عن الأمل بانعكاس فوزه الأخير على تسليحها ومؤازرتها.

اكثر المهللين كانت "تل ابيب"، فقد استبشرت إسرائيل خيراً في أعقاب فوز حزب "العدالة والتنمية"، وأعربت عن تفاؤل بإمكانية إنهاء أزمة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. ولفتت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى حقيقة ميّزت الانتخابات الأخيرة في تركيا، وهي أن "العدالة والتنمية" والرئيس التركي ركزا في الحملة الانتخابية على التهديدات الكبرى الماثلة أمام تركيا، وتحديداً ما يتعلق بالأكراد و"داعش"، مقابل أنهم لم يذكروا إسرائيل، بل امتنعوا عن إبراز الخلاف الدبلوماسي بين الجانبين ولفتت أيضاً إلى وجود عامل آخر قد يدفع أنقرة إلى تحسين علاقاتها بتل أبيب، وذلك في أعقاب نجاح إسرائيل في التقرب من اليونان وقبرص.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا بعد انتصار الصناديق؟ ماذا سيفعل أردوغان وكيف سيتصرف ويستثمر انتصاره في الداخل والخارج؟! وخصوصاً أن أمام أردوغان ثلاثة ملفات في غاية الاهمية.

1- الملف الكردي:

ترى أوساط كردية تركية أن انتصار حزب العدالة والتنمية جاء في ظل ظروف غير طبيعية، وبالتالي أيضاً لا يمكن أن تكون هناك تغييرات جذرية على أرض الواقع . فلا أمل في تغيير سياساته القمعية لحرية الصحافة والمعارضين له، بل ستزداد. أما أزمة الاقتصاد فأزمة بنيوية لا تتعلق فقط بالاستقرار وما سيركز عليه الحزب هو إعداد دستور جديد يتوافق مع ميوله الدكتاتورية، وربما ينحو نحو نظام رئاسي للتفرد بالسلطة .

2- الحدود واللعبة مع سوريا:

أوساطسورية تحدثت عن "المشهد السوري الحدودي مع تركيا في مرحلة ما بعد الانتخابات، تقول: أن الحكومة التركية التي ستتشكل قد تكون أمام خيارين بالنسبة للشريط الحدودي مع سوريا، فإما حزام كردي مدعوم سياسياً من روسيا وعسكرياً من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، أو حرب داخلية في تركيا تأخذها إلى فوضى عارمة مع تزايد عدد المسلحين الهاربين من المعارك في ريفي حلب وإدلب، إضافة إلى ما يقارب مليوني نازح تغلغلوا في الداخل التركي ولا يعرف أردوغان من منهم مع القيادة السورية ضمنياً، إضافة إلى فتح طريق العودة إلى سوريا من بوابة التعاون مع الحكومة السورية وتقديم أي تعاون داخل تركيا في المرحلة المقبلة.

3- مستقبل تركيا:

عادت تركيا إلى ما كانت عليه قبل خمسة أشهر، الثنائي أردوغان- أوغلو حققا انتصاراً سيبقيهما في السلطة حتى عام 2019، ليمضيا في طريق أسلمة الدولة وهذا النهج يستضم مع الجيش والأقليات والمعارضات.

أردوغان يخطط الآن على جبهتين: العودة إلى مشروع النظام الرئاسي ونقل "المعركة" إلى الاقتصاد. وهذا سيستلزم انخراطا أكبر في البيئة التسووية التي افتتحها الاتفاق النووي، والدخول العسكري الروسي في الحرب السورية.

لكن هذه المرة الحرب في سوريا والعراق ستكون طويلة، حيث تدور رحى الحرب في مسار بحث عن تسوية. فهل سيتمكن من درء الضعف البنيوي الذي يهدد الاقتصاد التركي والذي لا نعرف أين ينفجر كقنبلة غير موقوتة؟

صناديق الاقتراع سلفت اردوغان فوزا بالاصوات لكن نهج الزهو بالسلطة قد يوقع حزب العدالة والتنمية في افخاخ داخلية وخارجية لن يقوى عليها بتعديل الدستور والتفرد بالحكم .