kayhan.ir

رمز الخبر: 28750
تأريخ النشر : 2015November03 - 21:24

تصاعد حدة التوتر في بحر الصين الجنوبي.. نذر المواجهة المؤجلة؟

نبيل نايلي*

"لدينا مصالح حيوية في هذه المنطقة تستلزم وجودنا الدائم. الولايات المتحدة هي قوة باسيفيكية، ونحن موجودون هنا.. لنبقى”! الرئيس الاميركي، باراك أوباما.

في خطوة تصعيدية وتأكيدا لما كان أعلنه وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر، Ashton Carter، بأن "جيش الولايات المتحدة سيُبحر ويُحلـّق أين ما يسمح له القانون الدولي، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي”، أرسلت البحرية الاميركية المُدمّرة يو آس آس لسن، USS Lassen، المزوّدة بصواريخ مُوجّهة، إلى حدود منطقة الاثنيْ عشر ميلا، التي كانت الصين قد أعلنتها حول جزر اصطناعية بنتها في بحر الصين الجنوبي. خطوة صينية كان قد علق عليها الرئيس الاميركي، باراك أوباما بقوله: "لدينا مخاوف بشأن عمليات الردم وعسكرة المناطق المتنازع عليها ما يجعل من الصعب التوصّل إلى تسوية سلمية بين الدول في المنطقة” في إشارة منه إلى بلدان جنوب شرق آسيا التي لديها نزاعات حدودية مع الصين. وفيما تعتبر بكين أن المياه المحيطة بهذه الجزر هي مياه إقليمية وليست مياها دولية، ترفض الولايات المتحدة ذلك بشدة، مؤكدة أن بكين لا يمكنها "ادعاء السيادة على هذه الجزر المتنازع عليها.

انتهى عهد المجاملات الدبلوماسية، يوم كانت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون، Hillary Clinton، تحدّثنا عن ولايات متحدة اميركية”شريكا ملتزما" تجاه الصين، معنية بنجاحها وازدهارها ”لأنّ ذلك مهم بالنسبة للاميركيين، تماما كما أنّ ازدهار الولايات المتحدة الاميركية مهمّ بالنسبة إلى الصينيين"! انقضى عهد”الدبلوماسية الذكية،Smart Diplomacy "، التي قايضت، لبرهة من الزمن، كانت الولايات المتحدة تتخبّط خلالها عسكريا واقتصاديا، قيم”الديمقراطية وحقوق الإنسان" بسداد الديون والتعاون الأمني في ”حرب الإمبراطورية المستدامة ضد الإرهاب". انقضى كل ذلك وحانت لحظة التحوّل الاستراتيجي استجابة لما تعتبره هيلاري”تحديات تواجه منطقة آسيا الباسيفيك في الوقت الرّاهن بما يستوجب قيادة اميركية". التحديات التي تستدعي قيادة الولايات المتحدة، دون غيرها وكأنها الوصيّ على المنطقة، المُنكر للحضور والدور الصيني، والموغلة في أساليب القطبية الأحادية، تختزلها وزيرة الخارجية كالتالي: ضمان حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، ومواجهة”استفزازات" كوريا الشمالية، ومنع أنشطة انتشار الأسلحة، وتشجيع”نمو اقتصادي شامل ومتوازن". يأتي ذلك من قناعة مفادها أن آن الأوان لإعادة توجيه الاستثمارات والالتزام الاميركيين إلى حيث المنطقة التي تستحق والتي تتوفّر فيها أكثر الفرص. هذا ما عبّرت عنه هيلاري، صاحبة المقال التأسيسي "عصر اميركا الباسيفيكي America’s Pacific Century”، بقولها: ”في زمن شحّ الموارد يجب الاستثمار بحكمة، إذ يمكن أن تكون العوائد أكبر، ولذلك تشكل آسيا-الباسيفيك فرصة القرن الحادي والعشرين لنستمرّ في قيادة العالم”. ذات المقاربة، وإن بشكل أكثر صلفا، نرصدها عند رئيس أركان الجيوش الاميركية السابق الذي اعتبر أن ”هذا القرن هو قرن الباسيفيك"، محذّرا من مغبّة منازعة الولايات المتحدة إقليما يمتاز بكونه "منطقة حاسمة اقتصادياً، والسلام والاستقرار فيها على غاية من الأهمية الحيوية” وعليه فإن الاميركيين ”لن يتخلّوا عنه لأي أحد"!

الرد الصيني على الخطوة الاميركية لم يتأخر كثيرا، فقد "راقبت السلطات الصينية ولاحقت وحذرت السفينة الحربية الاميركية، يو آس آس لاسن، أثناء دخولها "بطريقة غير مشروعة” أن إلى مياه قرب جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، كما أفادت وزارة الخارجية الصينية. كما حثت الوزارة بقوة في بيانها المنشور على موقعها الالكتروني الجانب الاميركي "على أن يصحّح على الفور خطأه وألا يتخذ أيّ إجراءات خطيرة أو استفزازية تهدّد سيادة الصين ومصالحها الأمنية. من جانبه شدد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، على أنّ بلاده تحقـّق من دُخول المُدمرة الاميركية المنطقة المعنية، مُوضحا "أنه في حال ثبت ذلك، فإنه يتعيّن على الولايات المتحدة أن تفكر مليا وألا تتصرّف بطريقة رعناء”، حسب قوله.

وفى انسجام واضح مع مقاربتها وتحدّ للتحذير الصيني، أعلنت الولايات المتحدة أنها تنوى إرسال مزيد من السفن الحربية، وصرح مسؤول اميركي أن البحرية الاميركية "ستُبحر فى المياه الدولية في المكان والزمان الذى نختاره”. ما يخفيه استراتيجيو الولايات المتحدة الاميركية هو محاولة خنق الصين ومحاصرة نفوذها المتنامي وذلك بالتغلغل داخل مجالها الحيوي، وتطويقها اقتصاديا وأمنيا بالأحلاف والمعاهدات وعسكريا بالقواعد في كلّ من اليابان وكوريا الجنوبية وأخرى بأستراليا. إذ بالإضافة إلى وجود 28 ألف جندي اميركي في كوريا الجنوبية و 50 ألفا في اليابان، تعمد الولايات المتحدة الاميركية، بموجب اتفاقية عسكرية جديدة موقّعة مع أستراليا، إلى نشر المزيد من القوات إلى شمال أستراليا، ليبلغ العدد 2500 جندي اميركي بحلول عام 2016.

يدرك صناع القرار في الصين اللحظة التاريخية الفارقة التي تشهد مخاض نظام عالمي جديد في طور التشكّل، اعتبرها بعض المحلّلين ترجمة لل”نموذج الجديد في العلاقات” الذي تؤسّس له بكين، وتوسيعا لمجالات النفوذ الصيني، وصنّفها آخرون ردّا صينيا على استراتيجيات”الإحتواء، Containment" و”الإنعطافة، The Pivot"، وليدة تعاليم”الإستراتيجية الاميركية الجديدة"، الوثيقة التي أختير لها عنوانا مشبعا بالدلالات والرمزية: ” استدامة قيادة الولايات المتحدة للعالم: أولويات دفاع القرن الواحد والعشرين،Sustaining U.S. Global Leadership: Priorities for 21st Century Defense "، والتي كشفت عزم الولايات المتحدة الاميركية إعادة النظر في سياساتها الخارجية وانتشارها العسكري وتحالفاتها الإستراتيجية بالتركيز أساسا على منطقة الباسيفيكي.

تصاعد حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة زمن انعطافتها نحو المحيط الهادي، بخصوص أحد ممرات الملاحة الأكثر استراتيجية في العالم، ينذر باندلاع أزمة قد تعجّل بمواجهة مؤجلة. يختزل جاف بادر، Jeff Bader، أحد مستشاري أوباما للأمن القومي، أحد مستشاري أوباما للأمن القومي، مستقبل العلاقة الصينية كأبلغ ما يكون بتصريحه: ”بين قوة قائمة وقوة صاعدة نادرا ما تنتهي العلاقات بشكل ودّي! " في الإنتظار هل تكتفي القوتان بعلاقة ”الصداقة اللّدودة" أو ما يسمّيه الاميركيون: Frenemy” "، في دمج بين متناقضين، نصف صديق نصف عدو؟ الصينيون لا شكّ يتمثّلون حكمة منظّرهم الإستراتيجي العسكري الأشهر، سون تزو”:أخضع عدوك دون قتال… كل الحروب تقوم على الخداع " !

أين يقف العرب من مواجهة اميركية-صينية مؤجلة كانت أم محتومة؟ وماذا يمكن أن يجنوه من التنافس المرشّح أن يتحوّل إلى تناحر بين الولايات المتحدة الاميركية والصين؟ لا شيء يوحي في المنظور القريب، ولا حتى في زمن ”الربيع" بأن العرب، بما في ذلك ”عرب الثورة"، يضعون حدّا لعلاقة الارتهان للولايات المتحدة التي كانت تقايض بها بقاء أنظمة العسف، ولا هم في، الحد الأدنى، يستفيدون من المعادلات ومن التسوناميات الجيوستراتيجية إقليميا وعالميا، ليراهنوا على أنفسهم هذه المرة لتشكيل مجرد ملامح نظام عربي حقيقي، لا يرتهن لا لاميركا ولا للصين ولا لأي قوة كامنة أو صاعدة.

هل يفعلون؟