يحسب للسعودية
أحمد الحباسي
لم يذكر التاريخ أن الأنظمة السعودية المتعاقبة قد وقفت إلى جانب القضايا العربية العادلة ، و حتى بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد وقف نظام السعودية دائما و أبدا إلى جوار المطامع الصهيونية على حساب القضية العربية الأم ، و إلى جانب محمود عباس على اعتباره رمزا للتنازلات المفرطة التي تخدم الابتزاز الصهيوني لحقوق الشعب الفلسطيني ، و حين يتنازل الملك عبد الله عن اللاءات العربية الثلاثة المقررة بقمة الخرطوم الشهيرة ، لا صلح ، لا اعتراف ، لا تنازل عن الحقوق الفلسطينية لصالح ما سماه في قمة بيروت الشهيرة بمبادرة ” الأرض مقابل السلام ” و هي مبادرة "فارغة” من المضمون تماما كما يعلم الجميع لان إسرائيل لم تكن يوما مستعدة لإرجاع ما احتلته من أراض عربية مقابل سلام ترى نفسها قادرة على فرضه بقوة السلاح الأمريكي و بقوة المفاوضات العبثية التي تستغل لتقطيع الوقت و بقوة أدوات الخيانة العرب المتمثلين كما نعلم في أنظمة السعودية و الأردن و مصر فان هذا التنازل المزري هو تعبير واضح على اتجاه البوصلة السعودية نحو خدمة المصالح الصهيونية لا غير .
في هجومه اللاذع على النظام السعودي منذ أشهر ، اعتبر الكاتب المصري الشهير محمد حسنين هيكل أن هذا النظام يتصرف بطريقة وصفها بالمتخلفة مع الأوضاع في المنطقة ، معتبرا أن الملك سلمان مغرور و متكبر و تأخذه غرور "القوة” و أن هذا النظام الدموي غير قابل للبقاء إلا بمساندة المخابرات الصهيونية كما يقول كثير من المحللين، في هذا السياق ، صدر كتاب ” النوم مع الشيطان ” Sleeping With the devil لعميل المخابرات الأمريكي السابق روبار بيير Robert Baer ، ليكشف كمية من الوقائع و الأدلة تتصل بشراكة أمريكية سعودية لتكوين الإرهاب التكفيري و رعايته بالتوازي مع تقديم صورة متهرئة للنظام السعودي من الداخل و كشف حقائق صادمة عن العائلة المالكة نفسها ، طبعا ، بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية يملك كثيرا من المعلومات المهمة في هذا الصدد ، و طبعا العلاقة السعودية مع إرهاب الدولة ليست مفاجأة للمتابعين بعد أن أكد تقرير لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر 2001 أن العائلة المالكة نفسها متورطة دون أن نغفل أن رئيس المخابرات الأمريكية ادقار هوفر هو أول من وطد العلاقة بين الإرهاب السعودي بقيادة المجرم أسامة بن لادن و بين المخابرات الباكستانية بحجة محاربة الشيوعية
يحسب للسعودية طبعا أنها صنعت من سعد الحريري عميلا و خادما مطيعا لمشروع إسقاط النظام السوري و ضرب المقاومة اللبنانية ، صناعة العملاء ليست عملا هينا كما يظن البعض ، خاصة إذا كان "الصانع” هو عميل أيضا للصهيونية و للامبريالية العالمية ، و هي تحتاج كما يحدث مع الإرهابيين إلى عملية غسيل دماغ لمحو كل أثار العروبة و القومية العربية و بقايا الشهامة و الشرف و الانتماء إلى غير ذلك من الصفات النبيلة لزرع كل الصفات القبيحة اللئيمة ، لذلك أصبح سعد الحريري بهذا ” الشكل” الذي نراه و بهذا النطق الذي نسمعه و بهذا الخطاب الذي نواجهه ، و سعد الذي تتواجه معه المقاومة ليس سعد "الصغير ” الذي نعرفه و هو لا يحب ” العنب ، العنب ” بل يعشق الدولار الصهيوني السعودي الأخضر تماما كما يعشقه فؤاد السنيورة و مروان حمادة إلى غير ذلك من كوكتال 14 آذار ، يحسب لنظام الثلاث ورقات السعودي أنه قسم الطبقة السياسية اللبنانية إلى جزء مقاوم صامد تمثله جماعة 8 أيار و جزء عميل مهووس بالخيانة يمثله تيار المستقبل بفروعه و تفرعاته، هذا انجاز سعودي يعطل الحياة اللبنانية و هذا ما تبتغيه القيادة السعودية لتنهك المقاومة في صراعات داخلية .
الخيانة مشروع متكامل مربح للنظام السعودي ، و هذا المشروع كما في صفقات الأشغال الكبيرة يحتاج إلى مقاولين و مناولين و شركاء و متعاونين و خبراء ، في هذا الخصوص يحسب لنظام المافيا السعودي أنه أسس لنوع من المقاولات و عقود المناولة غير مسبوق في المنطقة بأن قنن الخيانة بواسطة المؤسسة الوحيدة القادرة على ذلك و هي المؤسسة الدينية التي وضعت القطن في أذنيها حتى لا ترى بأم العين ما كشفته وثائق ويكيليكس من علاقة آثمة بين النظامين العنصريين في السعودية و إسرائيل ، و فرض على البعض المشاركة فيها و دفع ببعض العملاء من صغار الكتاب و الصحفيين العرب إلى القيام بحملات دعائية لتبييض الخيانة و الدعوة للتطبيع مع العدو تحت ذريعة البراغماتية السياسية ، يحسب أيضا للنظام السعودي الذي يعد من أكبر مقاولات الخيانة في المنطقة أنه قد التزم بعقود مناولة في الخيانة مع عدة أطراف و أنظمة عربية مثل الحريري في لبنان و الملك عبد الله الثاني في الأردن ، و الملك ” المفترس” في المغرب ، يضاف إلى ذلك جمع كبير من ” المتعاونين” على شاكلة صالح القلاب و طارق الحميد و بقية الشلة إياها التي يتفرع نشاطها المحموم بين جريدة الشرق الأوسط و بعض الصحف الصفراء اللبنانية .
يقال دائما أن المال قوام الأعمال ، و "رجال الأعمال” السعوديين ، أعنى بذلك الأسرة المالكة ، شاطرون في مجال مقاولات بيع الذمم و شراء الأصوات و تغيير المواقف إلى غير ذلك من تضاريس السياسة السيئة الملوثة ، المثير في مسألة المال و شراء الذمم ما كشفه أحد المنتمين للقاعدة المدعو زكريا الموسوي من علاقة مباشرة بين الملك سلمان و المجموعات الإرهابية في العالم و أن الرجل الذي كان وليا للعهد في سنة 1990 قد قام بنفسه بجمع التبرعات لفائدة الإرهاب فضلا عن إشرافه بداية سنة 1992 على إنشاء جمعية لجمع التبرعات لفائدة كل الجماعات الإرهابية المقاتلة في عديد من الدول الغربية تحت ستار الجهاد المقدس ضد الروس ، هذه الجماعات هي نفسها التي ضربت مبنى وورلد ترايد سنتر في نيويورك و كان من إرهاصات هذه الضربة تداعيات على الأمن القومي العربي أولها غزو و تدمير العراق و ما تبع ذلك من حملات صهيونية لتفتيت الدول العربية تحت ذرائع نشر الديمقراطية الأمريكية الزائفة و بحجة مسايرة ما سمى بالربيع العربي ، طبعا ، لم يعد خفيا أن السعودية تمول إرهاب الدولة كشكل من حماية النظام الآيل للسقوط ، لكن من المؤكد أن هذا ” الاستثمار” قد ارتد عليها كما ارتد منذ يومين على نظام الإخوان في تركيا ، و الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجأات .