فاجعة مني؛ العدوان السعودي الذي إرتد على من رعاه!
بعد أن كان موضوع تحصين الجبهة الداخلية يتربع على سلّم الاولويات السعودية، باتت الرياض اليوم تولي إهتماماً أكبر للصراعات التي تخوضها على الصعيد الخارجي، سواءً سياسية أو عسكرية. ولم يكن إنصراف السعودية نحو المواجهات الخارجية، وليد الصدفة، بل جاء في إطار سياسات الشباب المندفع عديم الخبرة الذي يتولى إدارة دفّة الحكم في الرياض بعد رحيل الملك عبدالله بداية العام الجاري.
لم يكن حال الداخل السعودي مماثلاً للعديد من دول المنطقة، بل نجحت الرياض، وبشكل كبير في حماية الأوضاع الداخلية من تداعيات ما يسمى ب”الربيع العربي” وما تلاها من ظهور للجماعات التكفيرية في المنطقة، حتى وصل حال الرياض اليوم إلى عدم قدرتها على إدارة أمور الحجاج حيث بدأ الفشل السعودي في إدارة مراسم الحج هذا العام مع سقوط رافعة الحرم المكي التي أودت بحياة 109 على الاقل واصابة 400 آخرين، ومرّت عبر حريق خيام الحجاج المصريين، حتى وصل في النهاية إلى فاجعة منى التي أودت بحياة حوالي الـ2000 مسلم وتسببت بإصابة حوالي الـ4000 شخص، رغم تكتّم الرياض على الأعداد الحقيقية للحادثة المؤلمة.
عند دراستنا للدلالات التي يحملها الفشل السعودي في إدارة مراسم الحج، لا بد من أن نستحضر، في الآن نفسه، الصراع القائم بين جناحي "ولاية العهد” في السعودية بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، كما ولا بد أن نستحضر إنشغال هذا البلد في الملفات الخارجية التي أرهقت كاهل الرياض على الصعيدين الأمني والسياسي والإقتصادي والعسكري، وعلى رأس هذه الملفات يتربّع العدوان السعودي على الشعب اليمني.
السياسة الخارجية والعدوان على اليمن
أثرت السياسة الخارجية للملك الجديد سلمان بن عبد العزيز على أوضاع السعودية الداخلية بشكل كبير، حيث يمكننا القول إن إنشغال الرياض في الجبهة الجديدة التي يتولى إدارتها وزير الدفاع، وولي العهد الثاني محمد بن سلمان، من أهم الأسباب التي تقف بشكل مباشر خلف الفشل السعودي في إدارة مراسم الحج لهذا العام، سواءً في حادثة الرافعة، أو تلك المجزرة التي تقع على عاتق السعودية في منى.
ولم تقتصر تأثيرات الجبهة الداخلية على حجاج بيت الله الحرام، حيث شهدت السعودية منذ فترة إختراقات بالجملة من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وأبرز هذه الإختراقات تمثّلت بالتفجيرات التي شهدتها المنطقة الشرقية، فضلاً عن إلقاء الداخلية السعودية القبض على أكبر شبكة إرهابية في هذا البلد، الأمر الذي يعد نصراً لمحمد بن نايف في "صراع القدرة” مع محمد بن سلمان. ولكن لم يكن حال الرياض مماثلاً قبل دخولها في العدوان على اليمن الذي إستنزف جزءاً كبيراً من قواتها المسلحة.
بالعودة إلى حادثة منى، يؤكد العديد من الخبراء أن إنشغال القيادة السعودية، سواء الملك أو إبنه محمد ومن لفّ لفهم، بالحرب على اليمن، إضافة إلى إستنزاف قواتها من جيش وحرس وطني، أثر بشكل كبير على أداء القوات الأمنية السعودية في الداخل، خاصةً أنها باتت مجبرةً على تلبية العديد من الفراغات التي كانت تسدها ألوية من الجيش والحرس الوطني.
إذاً، وإضافةً إلى الفراغ البشري من الناحيتين العسكرية والأمنية، يمكننا القول إن إهمال السلطات السعودية للجبهة الداخلية تسببت في حادثة منى، ولكن ما مدى صحة الحديث عن وقوف "صراع الأجنحة وهيكلية الحكم الحالية” أيضاً وراء وفاة حوالي 2000 حاج وإصابة 4000 آخرين في منى؟
هيكيلة الحكم وصراع الاجنحة
لا يمكن حصر أسباب الفاجعة الأليمة في الحج بالعدوان السعودي على اليمن، وإن كان يمتلك حصّة الأسد، لأن الصراع القائم بين أجنحة الحكم والذي أفضى إلى هيكلية ضعيفة على الصعيد الداخلي، يعتبر أحد الأسباب الرئيسية أيضاً.
ولم تغب تداعيات هذه النقطة أيضاً عن الحرب اليمنية حيث تسبب فشل وزير الدفاع محمد بن سلمان في تحقيق أي نصر عسكري، في ظل نجاح منافسه محمد بن نايف في الجبهة الداخلية رغم كافّة التحديات التي تواجهه، تسبب بتضييق الخناق على ولي العهد في الجبهة الداخلية من قبل وزير الدفاع، وبضوء أخضر من والده الملك، بإعتبار أن إستمرار إنتصارات ابن نايف الأمنية في ظل فشل ابن سلمان على الصعيدين العسكري والإقتصادي (تواجه الميزانية السعودية عجزاً إقتصادياً يقدّر بحوالي 200 مليار دولار)، سيضعّف أوراق الأخير لدى الأسرة الحاكمة والرأي العام السعودي.
في ظل هذه الأوضاع، وعبر بعض الإجراءات الميدانية في مدينة مكّة ( حادثة الرافعة، تعطيل قطار الحجاج، إقفال بعض الطرق) عمد محمد بن سلمان إلى إفتعال هذه الإجراءات التي تهدف إلى إضعاف محمد بن نايف لعزله من الداخلية ولاحقا من المنافسة على ولاية العهد، إلا أنها كانت على حساب الحجاج المسلمين.
في الخلاصة، وبصرف النظر عن نتائج الصراعات العائلية لهذا الحادث المؤلم، يظهر جلياً أن تداعيات المشهد اليمني، لا تفرض نفسها على المعارك الميدانية فحسب، بل تؤسس، وبطريقة غير مباشرة، لهيكلية هشّة تنذر بفناء آل سعود.
الوقت