كارثة الحج.. عندما تقامر السعودية بالدين كما تقامر في السياسة
لا يوجد ما هو أغلى من أرواح المسلمين التي راحت ضحية إهمال السلطات السعودية في موسم الحج هذا العام. لكن الحادثة التي يغلب عليها الطابع الإنساني، لا يمكن فصلها عن مسارٍ رسخه التاريخ، اتصفت فيه السعودية بسياستها القائمة على المقامرة في كافة المجالات وليس في السياسة فقط. فالجميع يعرف أن نظرة حكام الرياض لموسم الحج، نظرة تجارية تهدف لجني الأرباح التي تعود بالمال لجيوب أمراء آل سعود. وهو ما يُجرد المناسبة وأهلها من الأهمية. فكيف يمكن اثبات ذلك من خلال كوارث الحج؟ وكيف أن السعودية تتحمل المسؤولية في حين لا يجب استغراب ذلك؟
تقرير حول كوارث الحج لا سيما الأخيرة:
سقط مئات الضحايا المسلمين من حجاج بيت الله الحرام في أول أيام عيد الأضحى، جراء تدافعٍ في منى، في حادثٍ يُعتبر الأسوأ في تاريخ مواسم الحج منذ سنين. وهو الأمر الذي دفع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى "طلب مراجعة خطة الحج”، بعدما أمر ولي عهده محمد بن نايف بفتح تحقيق في الحادثة. ومنذ الإعلان عن حادث التدافع المفجع الذي يعد الأسوأ خلال موسم الحج منذ ٢٥ عاماً، لم تتوقف حصيلة الضحايا عن الإرتفاع مع الخشية من تفاقمها. وفي آخر حصيلة رسمية سعودية لعدد الضحايا، فقد أدى الحادث إلى مقتل ٧١٧ حاجاً وإصابة ٨٦٣ آخرين، في حين نقلت وسائل إعلام عربية وعالمية في أن عدد الضحايا تجاوز ال٢٠٠٠. من جهةٍ أخرى أفاد مسؤول في وزارة الصحة أن التدافع وقع في الوقت الذي يقوم فيه الحجاج المتوافدون من مختلف أنحاء العالم منذ الصباح برمي جمرة العقبة بمشعر منى قبل أن تبدأ عملية طواف البيت العتيق ومن ثم نحر الأضاحي. وفيما لم تُعط السعودية حتى الآن مبرراً واضحاً وسبباً مُقنعاً لما حصل، نسب وزير الصحة السعودي خالد الفالح الحادث الى "عدم إلتزام” بعض الحجاج بالتعليمات. وهو الأمر الذي استغربه شهود عيان الى جانب عددٍ كبيرٍ من الدول الإسلامية، والتي تساءلت حول العدد الكبير للضحايا وهو ما يطرح العديد من علامات الإستفهام حول ما جرى، ويُعيد النظر في أهلية السعودية لإدارة أكبر موتمرٍ للمسلمين في العالم.
من جهةٍ أخرى اعتبرت صحيفة الديار اللبنانية، أن تواجد موکب ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في منطقة مني ، کان السبب الرئيسي وراء وقوع الکارثة الإنسانية يوم الخميس في مني. وقالت الصحيفة أن "أجهزة الخليوي التقطت أکثر من ألف فيلم فيديو لموکب رسميٍ في منطقة مني حيث حصل التدافع وأدي الى مقتل أکثر من ٩٠٠ حاج وجرح ٢٠٠٠. وهذه الأفلام هي شاهدة وتعتبر بمثابة وثيقة عن الموکب الرسمي الذي أدي الى تغيير مسير أفواج الحجاج مما سبب التدافع ووقوع القتلي والجرحي بالآلاف”. وأضافت الصحيفة متسائلةً: "من يتجرأ على القول أن ولي ولي العهد کان في الموکب الرسمي في طريقه الى مني؟ في حين أن کل المصادر السعودية نفت وجود موکب رسمي!” وهو الأمر الذي أكده شهود عيان، كما أن بعض الحجاج اعترضوا على مجيء الموکب الرسمي عکس السير. وتساءلت الصحيفة: "هل تستطيع السعودية إخفاء شرائط الفيديو بعد بضعة أيام عندما ستظهر في الإعلام؟”.
وقبل بدء موسم الحج الثلاثاء والذي يشمل هذا العام حوالى مليوني حاج بحسب إحصاءات الرياض، أدى انهيار رافعة عملاقة في باحة المسجد الحرام بمكة الى مقتل ١٠٩ أشخاص في ١١ ايلول الحالي. ويعود آخر حادث كبير خلال الحج الى ١٢ كانون الثاني ٢٠٠٦ عندما قضى ٣٦٤ حاجاً في تدافع في المكان ذاته. ولكن وبعد حادثة اليوم وعدد الضحايا، تصبح حادثة منى من بين حوادث التدافع الأكثر دموية في القرن الأخير، بعد تلك التي شهدتها مكة المكرمة في العام ١٩٩٠. فيما تعود حادثة التدافع الأعنف الى الثاني من تموز العام ١٩٩٠، حين قتل ١٤٢٦ من الحجاج اختناقاً في نفق في منى إثر عطل في نظام التهوئة، بحسب ما صرحت السعودية حينها.
في التحليل: بين الوقفة الإنسانية وضرورة تحمل المسؤولية
لا شك أن مسؤولية حماية وأمن حجاج بيت الله الذين جاءوا من كل العالم، ليؤدوا مناسك الحج والعمرة والزيارة، تقع على عاتق السعودية من ناحية الإدارة والمسؤولية. ولعل حدوث الكوارث أمرٌ قد يحصل لكن للأسباب الطبيعية في حصول الكوراث، فرقٌ وإختلافٌ عن الإهمال وقلة المسؤولية. وهو الأمر الذي أثبتت التقارير وشهود العيان، أنه السبب للكارثة الأخيرة. إذ لا شك أن الإرتباك الواضح وقصر التحقيقات الجارية عن تقديم أجوبةٍ منطقية، الى جانب محاولة التضليل الإعلامي وعدم كشف الملابسات الحقيقة للحادث، كلها أمورٌ تؤكد مسؤولية الرياض حول الكارثة.
وهنا نُشير الى أنه من الواضح أن حادث التدافع الذي وقع صباح يوم العيد الخميس في شارع العرب القريب من جسر الجمرات، ناجمٌ عن أخطاء وسلبيات وتقصير من الجهات المسؤولة عن أمن وسلامة الحجيج، وتنظيم حركة سيرهم وتفويجهم، ودخولهم الى منشأة الجمرات وخروجهم منها. وهو الأمر الذي لم تقدم السعودية حتى الآن ما يبرره أو يدل على إحترامٍ لروح الضحايا ودينهم، والمناسبة التي جاؤوا من أجلها. ولعل الحادثة الأخرى والتي حصلت قبل أيام تدل وبشكلٍ واضحٍ على حجم النفاق الذي تستخدمه الرياض في التعاطي مع المناسبة ومجرياتها. فقبل أيام وتحديداً يوم ألجمعة في ١١ أيلول، سقطت رافعة عملاقة تابعة لمجموعة شركات بن لادن، على رؤوس الحجاج والمعتمرين والزوار والمصلين. وأعلنت السعودية حينها تشكيل لجنة عاجلة للتحقيق في حادثة السقوط، وبعد أقل من ٢٤ ساعة أعلنت نتائج التحقيقات، وحمَّلت شركة بن لادن المسؤولية نافيةً الشبهة الجنائية عازيةً السبب الرئيسي للحادث، لتعرض الرافعة لرياح قوية. في حين أشارت تقارير ومعلومات مؤكدة أن الرافعة كانت في وضعية خاطئة، مخالفة لتعليمات التشغيل المعدة من قبل المصنع!
بين الوقفة الإنسانية احتراماً للأرواح وضرورة تحمل المسؤولية، نقول أن الرياض كانت وما زالت تتعامل مع موسم الحج كموسمٍ سياحي. تفوق العائدات المالية منه، أهمية الأمن وحماية الحجيج. وهو الأمر الذي يمكن استنتاجه بمجرد مراجعة خطة الحج، أو سؤال الحجيج فقط. لذلك فليس من المستغرب ما جرى. وهنا وفي نفس السياق، يجب القول أنه في وقتٍ تقود فيه السعودية بنفس قيادتها ومسؤوليها اليوم، حرباً على اليمن يروح ضحيتها يومياً العشرات من الشعب اليمني، كيف لنا أن نستغرب سوء الأمانة والمسؤولية؟ لنخلص الى نتيجةٍ مفادها أن من لا يستطيع تحمل مسؤولية الشعوب سياسياً ويقوم بممارسة سياسات القتل عسكرياً لحكم الشعوب، كيف يمكن ائتمانه على مسلمين يجتمعون في أهم وأكبر مناسبةٍ إسلامية؟ ألم يحن الوقت ليقف العالم الإسلامي بوجه السعودية التي تقامر في الدين كما في السياسة؟
الوقت