موسكو : قلنا لأصدقائنا السعوديين
نبيه البرجي
" قلناها للسعوديين، وبمنتهى الوضوح، حين نحول دون تنظيم الدولة الاسلامية والاستيلاء على السلطة في دمشق، فإننا نحميكم من ذلك الحيوان الخرافي الذي يتغلغل في عظام المنطقة..” .
هذا الكلام يردده ديبلوماسي روسي امام زواره " قلنا لهم حين تسقط سوريا، فكم يحتاج ابو بكر البغدادي لتقويض البلاط الاردني والانتقال الى حدودكم ، اذا ما اخذنا بالاعتبار هشاشة الوضع العراقي واحتمالاته، احتمالاته الصارخة بطبيعة الحال؟..” .
"قلنا لهم ان دوركم محوري في سوريـا، وأن تعاونكم مع أنقرة من دون أفـق لأن رجـب طيب أردوغان لا يعمل الا لمصلحته. واذا كنتم ترفضون أن تكون المنطقة تحت الوصاية الفارسية ، فهل تقبـلون بـأن تكـونوا تحت الوصاية العثمانية . أردوغان ما زال يعتبر العرب رعايا السلطنة ، رعايا الدرجة الثالثة، وقد لاحظتم كيف تعامل مع مصر، وهي الدولة الكبرى والمركزية والعـريقة في المنطقة، كما لو أنها سنجق عثماني...”.
الديبلوماسي الروسي يسأل " هل يراقص الاميركيون "داعش” أم يقاتلونها ؟”. يلاحظ أن الذي حدث على امتداد عام كرنفال جوي بما تعنيه الكلمة. كانت قوافل التنظيم تنتقل لعشرات الكيلومترات، بل لمئات الكيلومترات، في الصحارى ، وتصل الى اهدافها، ولا أدري ما اذا كانت القاذفات تلقي عليهم عبوات المياه أم القنابل. حدقوا ملياً في المشهد، وعليكم ان تتصوروا الى اي مدى تمضي بكم هذه الكوميديا”.
يؤكد ان السعوديين "يثقون بصدقيتنا ، ونحن اول من اعترف بدولتهم قبـل ان تضـغط واشنطن في الاتجاه الآخر، أكثر مما يثقون بصدقية الاميركيين . ولقد اوضحـنا لهم ان الاساطيل لا تحمي أحداً، حين يأتي الخطر من التراب ، ومن الهواء، فهل ان "داعش” ظاهرة مسـتوردة أم أنـها ناتجـة عن البلبلة الايديولوجية والبلبلة الاستـراتيجـية التي تولـت الولايـات المـتحدة برمجتها في المنطقـة التي يفتـرض أن تبقى ، ولمصالح معروفة، تحت خط ... الزمن”.
في نظر موسكو "ليس من مصلحة السعوديين، أو أي دولة عربية أخرى، ان ينهار الجيش السوري، والمسؤولون الروس يقولون انه لو كان هناك منطق في المنطقة لذهبت الاموال الهائلة التي انفقت على الفصائل المعارضة، وغالبيتها من المرتزقة ، الى الجيش السوري الذي ليس جيش النـظام، بل جيش سوريا. واذا كان هناك من يضفي على هذه المؤسسة الطابع المذهبي، فنحن نعلم ان الضباط السنّة والدروز والمسيحيين يشكلون أكثر من سبعين في المئة من النخبة في الجيش. نحن نعني ما نقوله، ولا نستند الى معطيات ضبابية أو معلبة او مفبركة”.
الديبلوماسي الروسي يلاحظ كيف "ان الاميركيين بنوا جيشاً كاريكاتورياً في العراق، جيشاُ من ورق، ولم يكن سقوط الموصل هو الفضيحة الوحيدة، الأمر نفسه حدث في افغانستان . ولو سقط النظام في سوريا، ألم تكن لتتفكك إلى عشرات الدول وليس الى دولتين أو ثلاث أو أربع؟”.
"قلنا لاصدقائنا، أجل اصدقائنا، السعوديين، ان الاولوية الآن لإزالة تنظيم الدولة الاسلامية من سوريا. المشتقات الأخرى هي ظواهر فولكلورية، ومبرمجة استخباراتياً . هذا الوباء لم يعد موضعياً ، وطارئاً، وحين يكون عدد الروس الذين يقاتلون في صفوفه 1400، لا بد أن نسأل ما هو عدد السعوديين الذين يقاتلون في صفوفه، لا بل أننا نمتلك معلومات دقيقة للغاية حول مدى تأثيره ومدى استقطابه في ظل الخواء الذي يضرب المنطقة”.
الديبلوماسي الروسي يكاد يكون واثقاً من ان السعوديين سيعيدون النظر في سياساتهم حيال سوريا. تحدّثنا معهم في الشأن اليمني، وقلنا أنه لا بد من التسوية، كما تحدثنا مع الايرانيين، ونحن نعلم مدى الحساسية الجيوستراتيجية لهذا البلد المحطم بالنسبة الى المملكة”.
استطراداً، "مثلما اليمن محوري للأمن الاستراتيجي السعودي، سوريا محورية للأمن الاستراتيجي الروسي. انظروا الى الخريطة، كم ساعة يحتاج القطار للانتـقال من فولغاغراد الى حلب؟ واذا ما أردنا أن نذهب أبعد في قراءة الخريطة إياها، فإن امـننا هو جـزء مـن أمـن الشـرق الأوسـط، كما ان أمـن الشـرق الأوسـط جزء مـن امننا”.
الديبلوماسي الروسي يختزل المشهد بهذه اللحظة البانورامية:” تنظيم الدولة الاسلامية هو الثعبان، لا بد من ضربة على الرأس، والكل يعلم أين هو الرأس”.
في ختام اللقاء يقول ضاحكاً " الاميركيون بدأوا بالتنسيق معنا. أشياء كثيرة تغيرت بعد اتفاق فيينا. أبواب موسكو كلها مشرعة أمام اصدقائنا القدامى ... العرب”!