العالم يخوض الحرب العالمية الرابعة .. من قلاع دمشق إلى أسوار موسكو
ميشيل كلاغاصي
تحدث جون كيري يوما ً عن إستدارة و إنعطاف السيارات الصغيرة و الشاحنات الكبيرة .. فهل ما نراه اليوم من تغيّر في المواقف الدولية , و تصاعد وتيرة الحديث عن الحل السياسي هو تغيير ٌ يأتي من بوابة إرتداد الإرهاب ليطال جميع دول العالم دون تمييز , أو من بوابة تفاقم موجات الهجرة و اللجوء بعيدا ً عن ساحات الحروب و الإقتتال .!؟.
ففي الوقت الذي نرى أن العالم قد تغير شكله و موازين القوى فيه وتغيرت نظرة خياراته و حتى وجوه لاعبيه.. نرى دمشق تساهم في رسم ملامح هذا التشكل و التغيير, وسط من راهنوا على سقوطها أو من دعموا صمودها و بقائها.. في عالم ٍ فقد توازنه و استقراره, و أصبح البحث عن التوازن الجديد عنوانا ً و مطلبا ً.
لقد أدى العبث بأمن و استقرار العالم انطلاقا ً من دمشق , إلى نتيجة لم يكن ليتوقعها العابثون , إذ أعلن العالم إنتهاء زمن القطب الواحد , و بشر بولادة نظام ٍ عالمي جديد متعدد الأقطاب , تغيب فيه شموس دول ٍ لطالما وقفت على المسرح الدولي , و تصعد أخرى لتأخذ دور البطولة الجديدة .
فلم يعد العالم ملعبا ً للقطب الأمريكي الأوحد , و لم تعد القوة الوحيدة المتحكمة بالقرار الدولي , مع بروز أقطاب ٍ عالمية جديدة كروسيا و الصين و الهند و باكستان ….
لقد خاض العالم حربه العالمية الرابعة بين قلاع دمشق و أسوار موسكو .. و اقترب من إعلان نتائجها النهائية .
هو العالم الذي خاض حربه العالمية الأولى و الثانية على صفيح ساخن وسط أصوات المدافع و هدير الطائرات , حيث انتصر الحليفان الروسي و الأمريكي , و سرعان ما تحولا إلى ندان و طرفان متصارعان ..و خاضا معا ً حربا ً عالمية ثالثة بهدوء و سكينة و برود , بعيدا ً عن نيران الحروب الساخنة , لتعلن ولادة العصر الأمريكي قطبا ً أوحدا ً , و سيدا ً مطلقا ً على العالم .
لقد حكم و تحّكم وتسيّد على قرارات العالم, و مارس عنجهية ً و غطرسة ً سمحت له برسم مشروعه و تعميمه على الكون.. و اتجه نحو سورية مركز الكون و نقطة توازنه , ووصل إلى قلبها و أراد إقتلاعه و إنتزاعه , متجاهلا ً قوة السوريين و تاريخهم , و علاقاتهم الإستراتيجية بالدولة الروسية . لقد أخطأ الأمريكان في تقدير إمكانات الحليف السابق و قدراته , و تجاهلوا مصالحه و عاملوه كدولة منهارة و من دول العالم الثالث , و استمروا في التقليل من شأن روسيا و دورها و أهميتها .. استسهلوا المعركة , واستمروا بسياسة الخداع و اعتمدوها نهجا ً , و خرقوا مئات المعاهدات و الاتفاقيات , فإنقضوا على معاهدة ” ستارت ” و اتجهوا شرقا ً و ضموا استونيا و لاتفيا و ليتوانيا و غيرها , على الرغم من تعهدهم ببقاء الناتو في حدوده , دون احترام للدولة الروسية , و لمصالحها و أمنها القومي و مجالها الحيوي , في يوغوسلافيا و ليبيا و سورية و أوكرانيا , و بدأت موجة العداء و الغضب الروسي ترتفع وتيرتها , خاصة أنهم يرون أنفسهم من قهروا هتلر و النازية و نابليون , عبر تضحيات الشعب السوفيتي , و أنهم قادرون على فعل الكثير .
لقد سعى الروس للعودة و محاسبة الولايات المتحدة الأمريكية , عبر صراع ٍ يتأرجح بين العداء و التنافسية , من خلال مظلة الأمم المتحدة و تمسكها بالقانون الدولي و بإحترام حرية و استقلال و سيادة الدول الأعضاء .
و شكلت سورية عبر أزمتها و الحرب عليها , نقطة استناد كبيرة إتكأ عليها الروس في إطار الصراع الجيو-سياسي , معتمدين على قربها الجغرافي من حدودهم , و لإرتباط و عائدية الكنيسة الأورثوذكسية بالكرسي البطريركي الدمشقي و ما يمثله من علاقة روحية , بالإضافة للعلاقات التاريخية و الثقافية للشعبين السوري و الروسي , و مقدار الوفاء المتبادل بين القيادتين , الأمر الذي أيقظ الروس و دفعهم لوضع حد ٍ للخداع الأمريكي الأخير في ليبيا خاصة ً .
لم يقرأ الأمريكان جدية و ثبات الدولة الروسية في دعم سورية , من خلال استخدامها حق الفيتو لأربع مرات لصالح وجود و بقاء و حرية و استقلال سورية و منع تشظيها أو تقسيمها .. في رسالة قوية للحد من الهيمنة و التمدد الأمريكي أكثر فأكثر نحو القلعة الدمشقية , و عدم التردد في الوقوف بوحه المشروع الإنكلوسكسوني و الذي لن يتوقف عند حدود سورية في الفضاء الأوراسي .
و يوما ً بعد يوم يُظهر الروس صلابة ً أقسى و أقوى تجاه الدولة السورية و هو موقف ٌ قديم – متجدد , إذ يجدر التذكير بقول أندروبوف للقائد حافظ الأسد : ” لن أسمح بسقوط دمشق , و أن أسوار دمشق كأسوار الكرملين بالنسبة لي ” .. في الوقت الذي تجدد موسكو عبر الرئيس بوتين ووزير خارجيته و كل المسؤولين الروس دعمهم لدمشق و منعهم سقوطها , في لهجة ٍ تحمل أكثر و أبعد من الذهاب في حرب ٍ إقليمية .. بدلالة ما قاله الرئيس بوتين منتقدا ً المواقف و التصرفات الأمريكية ضد الدولة السورية عندما قال : ” إنها تشبه تصرفات الرايخ الثالث ” في دعوة منه للتذكير بما فعلوه به و كيف قاموا بسحقه , و بقوله :” نحن في عالم ٍ يأكل الذئب من يشاء .. وقتما يشاء ” و أنه ” على الجيش الروسي أن يكون مستعدا ً لخوض حربا ً عالمية و حربين إقليميتين و فتنة داخلية .. و أن ينتصر بجميعها ” ..
يبدو أن روسيا استكملت استعدادها, و أنها لم تبوح بكل أسرارها خاصة ً على صعيد الملف السوري
في عالم ٍ لم تعد فيه الولايات المتحدة تنفرد بالقرار, و إذ تحاول روسيا جلب و جمع الأطراف على طاولة المفاوضات, و إيجاد الحل السياسي الحقيقي على الساحة الدولية, و ترك سورية للسوريين.
لقد جربت الولايات المتحدة القدرات الروسية فيما مضى و خاصة ً في الحرب الكورية وحرب فيتنام .. و مؤخرا ً في أوكرانيا , و لا بد لها أن ترضخ لماّل و نتائج الحرب العالمية الرابعة , التي تميزت بالسخونة في سورية و اليمن و العراق , وبأقل منها في لبنان و تركيا , و بالبرودة في القارة العجوز و أمريكا اللاتينية , و عليها الحذر من رفع درجة سخونة أيا ً من ملفات الصراع تلك … فقد أقتربت جبهات التماس بين الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها في الغرب الأوروبي , و بين القوى الشرقية و الصين , في بحر الصين الجنوبي و حتى في اّلاسكا .. فمن الغباء أن تخوض الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحرب بفريق متاّكل من الحلفاء الأوروبيون و بعض أشباه الرجال العرب .
لم يعد من المفيد استمرار الحرب على سورية , و لا بد أن يقتنع الأمريكان و السعوديون و الأتراك و غيرهم بقوة و ثبات الدولة السورية و بالدعم اللامحدود للدولة الروسية – حتى النهاية – كما يقول الوزير لافروف .
فلم تخف روسيا دعمها العسكري و استمرارها بتوريد الأسلحة للدولة السورية و تنفيذ كل ما إتفق عليه الطرفان , في حين يصرخ بعض المجانين و يتحدثون عن تواجد روسي عسكري على الأرض و أن الروس يدافعون عن سورية بأيديهم , الأمر الذي استوجب توضيحا ً روسيا ً و سوريا ً و القول أن هذا التواجد ليس جديدا ً و يصب في خانة تبادل الخبرات العسكرية و تدريب السوريين على الأسلحة الجديدة التي تم توريدها مؤخرا ً , في حين غمز الوزير لافروف و ألمح إلى ما هو أبعد و رهنه بموافقة الدولة السورية .
كما أن تواجد الإسطول الروسي في مياه المتوسط ليس استعراضيا ً , إذ يقول الرئيس الروسي : ” إن وجود السلاح و الأساطيل الروسية في المتوسط ليس قعقعة سلاح , و هو وجود عملياتي جاهز للضرب بيد من حديد عند الضرورة ” .
يجدر بالعالم أن يتعقل , و أن يصدق النوايا , و يؤمن أن الوقت مناسب ٌ للتوقف عن الهجوم و قتال الدولة السورية , التي تقف بثبات على الأرض , ووحده الجيش العربي السوري من يقاتل داعش و أخواتها , ووحده القادر على هذه المواجهة و إحراز النصر .. فلا جدوى من كل هذا التحالف الشكلي و الضربات التجميلية .
لقد تغير العالم و بدأت أصوات العقلاء و بعض قادة الدول ينادون بوقف الحرب كالنمسا و تشيكيا و اسبانيا , فيما لا تزال أصوات فرنسا و بريطانيا تتأرجح بين الصدق و الخداع بإنتظار أوامر السيد الأمريكي .. كإعلان البريطانيين قبولهم ببقاء الرئيس الأسد و لو لقيادة المرحلة الإنتقالية !! , فيما يؤكد الرئيس الفرنسي أن داعش هي السبب وراء هجرة و لجوء السوريين إلى دول العالم .. في حين تتحدث ماري لوبان – الحزب اليميني الفرنسي – عن مسؤولية ساركوزي و هولاند عمّا يحصل في مصر و ليبيا و سورية .. في حين يؤكد الوزير لافروف أن محاولات إسقاط بعض الأنظمة حولت داعش لخطر بهدد الجميع .
يبدو أننا أمام حقيقة ثابتة.. فجنوح العالم للسلام أو لمتابعة الحرب.. لن يغير صلابة السوريين, و لن يوقف دفاعهم المقدس عن وطنهم.. و هاهم ينحتون على صخور التاريخ الحديث نتائج صمودهم .. كرامة ً و عزة ً و شموخا ً , و أصبحوا النموذج لكل شرفاء العالم في البطولة و الشجاعة , و أصبح لهم شرف المساهمة و باليد الطولى في تغيير و رسم ملامح العالم الجديد , الخالي من الهيمنة و الإملاءات , و مصادرة حق الشعوب في تقرير مصيرها , و حرية قرارها , و استقلالها الوطني الحقيقي