kayhan.ir

رمز الخبر: 26054
تأريخ النشر : 2015September15 - 21:23

مصلحة أوروبية ملحّة وراء الدموع على اللاجئين!

حسن عبد الله

لا يمكن الركون إلى دموع المسؤولين الأوروبيين المُسالة حزنا على عذاب المهاجرين عند حدود دولهم، كما لا يمكن التصفيق لقرارات دول في طليعتها ألمانيا بإزالة الحواجز من طريق المهاجرين من بلدانهم التي تكتسحها الحروب والمآسي. الباحث في خلفيات الإقتصادات الأوروبية وحاجاتها ومتطلباتها، يعرف أن خلف الأبواب يضع خبراء الإقتصاد، منذ فترة طويلة، الخطط المنهجية لاستقدام العمالة من الخارج وتنظيم عمليات الهجرة بشكل مدروس باتجاه المصانع والمعامل وقطاعات العمل الحيوية. قبل خمسة أشهر من اليوم، طالب وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير بضرورة العمل على رفع أعداد الكفاءات المهاجرة إلى ألمانيا عن طريق قرع طبول الترويج والدعاية للبلد. لم يكن الوزير الألماني وقتها يتوقع أن ياتي المهاجرون إليه من دون عناء. ها هو رئيس اتحاد الصناعات في ألمانيا أوليرش غريلو يرى الآن الفرصة المناسبة ومن دون بذل مجهود الدعاية والترويج، "إذا ما تمكنا من إدخال (اللاجئين) سريعاً في سوق العمل، فسنساعد اللاجئين ونساعد أنفسنا”. واقع العمالة الصعب في أوروبا يفرض نفسه، إذ تتوقع مؤسسة "بروغنوس” نقصاً في العاملين في جميع قطاعات الاقتصاد الألماني يُقَدّر بـ 1,8 مليون شخص في العام 2020، و3,9 ملايين على مشارف العام 2040، وذلك إذا لم تحصل تبدلات ديموغرافية. النموذج الألماني هو التعبير الأمثل عن خلفية التفكير الأوروبي وتطلعه إلى فوائد الهجرة إلى أوروبا التي تعاني من ضائقة الأيدي العاملة. حاكم البنك المركزي الفرنسي، كريستيان نوايي، عبّر عن رأي مشابه لما يفكر به الألمان في اجتماع مجموعة العشرين الأخير في أنقرة، حيث اعتبر أن موجة اللجوء "عامل يؤثر على الثقة والمناخ الاقتصادي وربما على الماليات العامة” في المدى المباشر، إلا أنها يمكن أن "تشكل على الأمد المتوسط عامل تعزيز لإمكانيات النمو”.

في أوساط خبراء الإقتصاد الأوروبيين ومنظمات التنمية والتعاون الاقتصادي، تتم متابعة قوافل اللاجئين بانتباه. فئة الشباب تشكل النسبة الأكبر بينهم. هذا هو بالتحديد ما يحتاجه أرباب العمل الذين لم يتأخروا في إرسال خبرائهم لتقصي الكفاءات والخبرات الممكن العثور عليها في تجمعات اللاجئين، وهي بالتأكيد ستكون أقل كلفة من مثيلاتها الأوروبية. ينقل عن أرباب عمل ألمان قولهم إنهم يطالبون السلطات بتسهيل الإجراءات أمام اللاجئ الكفؤ وحتى تقديم خدمات سريعة كمثل تعليم اللغة الألمانية على وجه السرعة، وربما لا يكون تعلم اللغة شرطا إلزاميا. وزيرة التوظيف والشؤون الاجتماعية أندريا ناهلس تقول "يتعين على الناس الذين يأتون إلى بلادنا بصفة لاجئين، أن يصبحوا بسرعة جيرانا وزملاء”. هذه الوزارة كانت خففت في نهاية تموز الشروط الموضوعة حتى يستطيع المهاجرون التدرب في المؤسسات.

يبدو أن خبراء الإقتصاد ومن خلفهم المستثمرون وأصحاب العمل بدأوا ينتصرون في معركتهم ضد المناوئين لفتح أبواب الدول الأوروبية أمام اللاجئين والمهاجرين. هؤلاء يقولون بوضوح إن أوروبا قارة مسنّة وقد تتمكن من تفادي الشيخوخة في قطاع القوى العاملة من خلال إدخالها مزيدا من المهاجرين الذين يحتاجون إلى العمل، إلى سوق العمل. جان كريستوف دومون، الخبير في شؤون المهاجرين بـ "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” له جملة شهيرة حول هذا الموضوع إذ يقول: "إذا أغلقت الأبواب في وجه المهاجرين ستدفع أوروبا ثمنا اقتصاديا”.

الرقم المذهل المتداول عن حاجات أوروبا للأيدي العاملة يصل إلى ثلاثة عشر مليون مهاجر سنويا تعويضا لنسبة المسنين الأوروبيين المحالين إلى التقاعد، فيما النسبة المنخفضة للولادات بين الأوروبيين تثير الرعب في أوساط الباحثين في الديمغرافيا.

وسط كل هذه التحولات، تعيش أوروبا انقساما عميقا، من المنتظر أن يتبلور أكثر، حول أثر موجات الهجرة على المجتمعات. ظاهرة الدفاع عن سياسة التساهل مع اللاجئين توسعت قليلا في الفترة الأخيرة، لكن الاعتداءات التي تعرض لها بعضهم (آخرها في ألمانيا) أعادت التذكير بالخطر المتمثل بالمتطرفين اليمينيين. احزاب اليمين المتطرف التي حسنت من مواقعها الإنتخابية في السنوات الأخيرة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها لن تبقى طويلا في موقع المتفرج على ما تصفه بالاجتياح البطيء لمجتمعاتها. في فرنسا مثلا، أشار استطلاع أخير إلى أن أكثر من نصف الفرنسيين (56 في المئة) يرفضون استقبال المهاجرين في بلادهم. هذه النسبة خاضعة للارتفاع إذا ما حرك اليمين المتطرف بفعالية في اللحظة التي يراها مناسبة، بحسب قول إعلاميين فرنسيين.