خطــة تقسيــم سوريـة والعـراق بــدأت.. فهـل تنجــح؟
أحمد الشرقاوي
بدأت تتكشف خيوط لعبة "عاصفة اللاجئين” السوريين الأخيرة إلى الدول الأوروبية، والتي تم التحضير لها بشكل فظ من خلال الحملة الإعلامية غير المسبوقة التي تناولت صورة الطفل "إيلان” الذي لفظه البحر بعد أن تم التلاعب بها بشكل فاضح، لأن البحر وفق خبراء يلفظ الجثث بموازاة الموج "أفقيا” وليس "عموديا” كما تظهر الصورة..
والسؤال الذي بدأ يطرحه المراقبون هو ما السبب الذي دفع السلطان ‘أردوغان’ لإغراق أوروبا بموجة المهاجرين هذه وفي هذا التوقيت بالذات؟..
القطبة المخفية في هذه الدراما الإنسانية المفتعلة لها علاقة بخطة أمريكية - أطلسية لاحتلال سورية من خلال كماشة، تقتضي إقامة منطقة عازلة في الشمال كمرحلة أولى، في أفق التوسع نحو دمشق، بموازاة "عاصفة الجنوب” التي يحضر لها في غرفة "الموك” بالأردن، والذي أجرى جيشه مناورات عسكرية خلال الفترة الأخيرة على هامش الصراع في سورية، قالت عنها السفيرة الأميركية لدى عمّان ‘أليس ويلز’، خلال مقابلة أجرتها معها صحيفة "الغد” الأردنية ، أنها جاءت لتعكس مقاربة أخرى لجهة تكريس فكرة "منطقة آمنة بحكم الأمر الواقع” في الجنوب السوري من دون حاجة لقرار من مجلس الأمن..
ويفترض أن تستخدم "المنطقة "الآمنة” الجنوبية كمنصة تنطلق منها الجيوش العربية التي تحدث عنها الوزير "جون كيري” قبل أيام لملاقاة جيش "سورية الجديدة” في دمشق بغطاء جوي أطلسي في الشمال، فيما تقوم قوات سعودية وإماراتية وقطرية وسودانية بالإضافة للجيش الأردني والمجاميع الإرهابية التي تحتضنها الأردن و”إسرائيل” بالهجوم من الجنوب بتغطية جوية "إسرائيلية”، بعد أن تحفظت مصر على الخطة بضغط روسي..
تحفظ القاهرة، أغضب "السعودية” التي سبق وأن أرجأت اجتماع للجامعة العربية كان يفترض أن ينعقد في 27 من الشهر الماضي (آب) لاتخاذ القرار بشأن إنشاء "الجيوش العربية المشتركة” بقيادة "إسرائيل” من الباطن، وقرر خادع "الحرمين الشريفين” على ضوء تلكؤ مصر في الانخراط العسكري في المستنقع السوري، إلغاء زيارته التي كانت مقررة للقاهرة بعد واشنطن، حيث عاد رأسا إلى قصره الصيفي بطنجة، فيما تحاملت الصحافة الخليجية على السيسي واتهمته بالخيانة ووصفته بـ”الانقلابي” وناكر للجميل.
و وفق ما تكشف أيضا من وراء "عاصفة اللاجئين”، أن ما قام به ‘أردوغان’ يندرج في إطار الاتفاق السري الذي عقده مع الإدارة الأمريكية، والذي سمح له بموجبه إعلان الحرب على الأكراد كترضية مقابل استعمال القواعد العسكرية التركية لضرب سورية، لحاجة الحلف الأطلسي لإضفاء نوع من الشرعية السياسية والأخلاقية الخادعة لتنفيذ خطة احتلال سورية، فجاءت قضية اللاجئين بمثابة قنبلة إنسانية هزت الرأي العام الأوروبي والدولي عاطفيا، خصوصا وأن حلف "الناتـو” ملزم بالتحرك خارج نطاق حدوده الجغرافية حين تصبح الهجرة بأعداد كبيرة جدا تهدد استقرار دوله، وفق ما تنص عليه قوانينه.
وما تسريب المخابرات الأطلسية للصحافة العالمية معلومات سرية تفيد بتسلل حوالي 4000 إرهابي مع اللاجئين إلى الدول الأوروبية، إلا تحضير لما هو آت من تفجيرات تزرع الرعب في عواصمها، لتبرير التدخل العسكري في سورية التي حولتها أمريكا وحلفائها وأدواتها إلى أكبر معقل للإرهابيين في المنطقة والعالم، وتتحدث تقارير عن أن عدد المقاتلين في سورية تجاوز 100 ألف إرهابي، وأنه كلما زادت غارات الطائرات الأمريكية الوهمية على "داعش” إلا وزاد عدد التكفيريين، وهي الفضيحة التي تفجرت مؤخرا في واشنطن حول تزوير المخابرات للمعلومات بشأن الحملة على الإرهاب.
الشكوك حول نوايا الإدارة الأمريكية الخبيثة تجاه سورية بدأت تظهر حين تقدم الرئيس أوباما مطلع هذا العام بطلب إلى الكونجرس للحصول على صلاحيات واسعة لقتال "داعش” دون قيود جغرافية، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة إعلان حرب على العراق وسورية بغطاء سياسي يتخذ من الإرهاب ذريعة لاحتلال البلدين، غير أن الكونجرس وإن لم يعارض التدخل الجوي، إلا أنه وضع قيودا على أية مغامرة برية محتملة.
وهو الأمر الذي دفع الرئيس "أوباما” لاعتماد خيار "المعارضة المعتدلة”، لكن هذه المرة تحت مسمى "سورية الجديدة”، وعملا بنظرية المخابرات التي تقول بـ”ضرب الإرهاب بالإرهاب”، فخرج أوباما ليعلن حرفيا في مؤتمر صحفي عقد مطلع شهر تموز الماضي "نحن ندرب قوات داعش”.. هكذا نطق السفيه بما فيه من دون أن ينتبه لزلة لسانه، إلى أن سارع البيت الأبيض لتصحيح الخطأ من خلال إفادة خطية وزعت على الإعلام لتصحيح الزلة غير المسبوقة في تاريخ البيت الأبيض.
لكن باعتقال "جبهة النصرة” لعناصر من المقاتلين الذين دربتهم أمريكا في تركيا (60 مقاتل)، أصدر البيت الأبيض إعلانا يعترف فيه بفشل برنامج تدريب "المعارضة المعتدلة”، فاقترح الجنرال "ديفيد بترايوس” (الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية) إعادة تدوير بعض من عناصر تنظيم "القاعدة” بشكل فردي وجماعي من خارج أطرهم التنظمية، لاستخدامهم في القتال ضد "داعش”، وهي طريقة مبتدعة للالتفاف على قرار حظر التعامل مع المنظمات المصنفة في القائمة السوداء الأمريكية.. وللإشارة، فالأمر يتعلق بذات الفكرة التي سبق وأن طبقها الجنرال بترايوس في العراق عام 2007 لمكافحة التمرد السني.
ومن دون توضيحات، أرسلت الإدارة الأمريكية قوات خاصة من البنتاغون وعناصر من المخابرات المركزية (سي أي إيه) إلى سورية في إطار مهام خاصة من خارج إطار التحالف الدولي ضد "داعش” الذي يقوده الجنرال ‘جون آلين’، لكن يعتقد أنها تعمل بشكل مستقل على توحيد التنظيمات الإرهابية في إطار جيش "سورية الجديدة” واستهداف القادة الذين يرفضون الانضمام إليه، وفي ذات الوقت تحضر بنك الأهداف التي يفترض قصفها في الحملة المكثفة المقبلة، وهناك معلومات تتحدث عن خطة لاحتلال المطارات في الشمال لاستعمالها لاحقا من قبل القوات الأطلسية، كما وأن القوات الأمريكية تمد "جبهة النصرة” بإحداثيات مواقع وتحصينات الجيش العربي السوري وصورا عن تحركاته التي ترصدها الأقمار الصناعية، الأمر الذي يفسر تقدم الإرهابيين في بعض الجبهات وتحقيقهم لبعض لإنجازات النوعية كالسيطرة على مطار "أبو الضهور” في إدلب مثلا وهجومهم الواسع والمركز اليوم على مطار دير الزور وريف القنيطرة.
غير أن ما كشف المستور بشكل فاضح، هو تصريح وزير الخارجية الفرنسية ‘لوران فابيوس’ الذي يتحضر لمغادرة الحكومة قبل نهاية العام الجاري، والذي قال على هامش "المؤتمر الدولي لضحايا أعمال العنف العرقي والطائفي في الشرق الوسط” ، أن هدف المؤتمر هو "أن يبقى الشرق الأوسط كما هو منطقة تنوع يوجد فيها مسيحيون وإيزيديون وغيرهم”، لكنه، عن قصد أو من دونه، كشف عن أحد أهم وأخطر أهداف الحملة الأمريكية في سوريا والعراق، والتي تشارك فيها فرنسا وبريطانيا بقوة، مشددا على أن عددا من الدول ستعلن عن تعهدات مالية في الأشهر المقبلة لمشاريع تتراوح بين إعادة بناء البنية الأساسية وإعادة الخدمات وتدريب الشرطة المحلية في ما أسماه بـ "المناطق المحررة” من سيطرة تنظيم "داعش”.. وهذا هو جوهر الخطة الأمريكية الجديدة لاحتلال سورية، في ما تراهن الإدارة الأمريكية على تمرير قانون "الحرس الوطني” في البرلمان العراقي لتكريس التقسيم الناعم للعراق.
هذا التصريح الواضح الفاضح والخطير، اعتبرته روسيا وإيران استفزازا خطيرا وتحديا غير مسبوق لهما، لما يعنيه من نية قوى العدوان الأطلسية التوجه إلى تقسيم سورية والعراق، من خلال مناطق عازلة لحماية "الأقليات” التي تتعرض للإبادة من قبل "داعش”، وهذا يعني، وفق مراقبين روس، دق إسفين عرقي وطائفي في المنطقة من أجل تسهيل المهام العسكرية المقبلة في سورية والعراق من مدخل المساعدات الإنسانية، بعد أن تفعل فعلها جماعات "الإرهاب” على الأرض بارتكاب المزيد من المجازر وتسويقها إعلاميا لترويع الرأي العام الغربي، وهذا هو عين الخداع..
روسيا كما إيران، كانوا باكرا في صورة ما يتحضر للمنطقة من مخططات تقسيم خبيثة سبق لسماحة السيد أن أعلن عنها في إطلالته الأخيرة، والبلدين الحليفين يدركان أنهما المستهدفان بالأساس من مخططات التقسيم المشؤومة، لحصر نفوذهما وعزلهما ومنع تمددهما، وهو ما استدعى تنسيقا على أعلى المستويات خلال زيارة اللواء قاسم سليماني لموسكو قبل أسابيع، والتي أثارت احتجاجات الإدارة الأمريكية.. ويبدو أن قرارا بالمواجهة العسكرية قد اتخذ، وتم توزيع المهام، بحيث تتكفل روسيا بحماية سورية في ما تقوم إيران بحماية العراق لإسقاط مشروع التقسيم، حتى لو أدى الأمر لمواجهة عسكرية تتحول إلى حرب إقليمية قد تتطور إلى حرب عالمية.
وهو ما يفسر قرار الرئيس بوتين بنزع القفازات الدبلوماسية وإعلان حالة الطوارئ القصوى في صفوف القوات الجوية والفضائية، فيما قررت إيران إجراء مجموعة من المناورات العسكرية المكثفة استعدادا لكل الاحتمالات التصعيدية، وبدأ تدفق السلاح بشكل غير مسبوق جوا وبحرا إلى سورية من طائرات حديثة ودبابات ومنظومات صواريخ ومدرعات وأسلحة ثقيلة وذخيرة وغيرها، بالإضافة إلى قوات النخبة في الجيش الروسي والحرس الثوري، وخبراء ومستشارين وقوات كوماندوس خاصة، ولأول مرة بدأت روسيا تزود الجيش العربي السوري بخرائط تحرك الإرهابيين مباشرة من الأقمار الصناعية.
لكن اللافت أيضا، هو أن الرئيس ‘بوتين’ أعطى أوامره بتحريك الأساطيل والبوارج البحرية الروسية لترابط قبالة السواحل السورية، ولأول مرة، دخلت الغواصة النووية الحديثة والأكبر في العالم إلى المياه الإقليمية السورية لإجراء مناورات جديدة في البحر الأبيض المتوسط، وهي الغواصة المرعبة التي يخافها الغرب وتسبب له الأرق ولا يعرف كيف يتعامل معها.
ونقلت وكالة ‘رويترز’ للأنباء عن مسؤولين أمريكيين قولهم، أنهم لا يعرفون بالضبط القصد الروسي من وراء هذا التحشيد العسكري غير المسبوق، والذي أعربت الإدارة الأمريكية عن خشيتها من أن يتسبب بصدام عسكري مع قوى التحالف الأمريكي، خصوصا وأن روسيا تقوم بتحركات كثيفة لإعداد مطار اللاذقية ومطار دمشق لطائراتها المقاتلة، والتي يعتقد أنها سترسل المزيد منها حال الانتهاء من تحضير المطارين، هذا في ما تلتزم موسكو الصمت، أما دمشق، فتنفي جملة وتفصيلا ما يروجه الإعلام في هذا الشأن وتعتبر ما يجري أمرا عاديا واعتياديا وليس جديدا، عملا بمقولة واستعينوا على قضاء أموركم بالتكتم لأن الحرب خدعة.
البنتاغون أعلن الأربعاء، أن موسكو بدعمها للرئيس الأسد تجازف بتفاقم الصراع بشكل كبير، وأن أمريكا وحلفاءها يشعرون بالقلق من هذا الموقف.. إلى ذلك، أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ‘ينس ستولتنبرغ’ الأربعاء، عن قلقه مما وصفه بازدياد التدخل العسكري الروسي في سوريا بشكل غير مسبوق، ما ينذر بانزلاق نحو فصل أوسع من الصراع.
ما سلف، يؤكد أن روسيا وإيران وصلتا إلى قناعة حاسمة قاطعة ونهائية مفادها، أن الولايات المتحدة تماطل في تسوية الأزمة السورية إلى أن تكتمل العناصر اللازمة لتكرار سيناريوهات سابقة تم تجريبها في تدمير العراق وليبيا، ووفق ما أعلنه الوزير كيري، فإن اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة متم هذا الشهر سيكون مفصليا، بحيث سيتم خلاله مناقشة الوضع في سورية والعراق واليمن والمنطقة عموما، لكن إعلان الإمام الخامنئي رفض بلاده الدخول في مفاوضات مع "الشيطان الأكبر” حول أي من ملفات المنطقة أو غيرها، يجعل من الصعب التكهن بانفراج على هذا المستوى في الملف السوري أو العراقي، وهو ما يضع أمريكا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التفاوض مع الروسي أو الحرب..
ويعتقد أنه في حال فشل التوصل إلى أتفاق بين الروسي والأمريكي خلال اجتماع نيويورك نهاية هذا الشهر، فإن ساعة الصفر لانطلاق العدوان ستكون في شهر تشرين الأول/أكتوبر، وفي محاولة لفتح كوة في الجدار السوري، أعلن وزير الخارجية البريطاني ‘هاموند’، أن هناك استعداد للقبول ببقاء الرئيس بشار الأسد رئيسا للفترة الانتقالية على أن يرحل بعد ذلك، إذا كان هذا الأمر يسهم في حل الأزمة السورية، وهو ما ترفضه موسكو وطهران بالمطلق، وتتمسكان بحق الشعب السوري في تقرير مصيره واختيار حكامه دون تدخل خارجي، وفق مبادئ شرعة الأمم والقانون الدولي، وتحمل الغرب مسؤولية الأزمات الإنسانية المتفاقمة في منطقة الشرق الأوسط، وترفضان سياسة تغيير الأنظمة بالقوة العسكرية والإرهاب، وتدمير الدول وتغيير تركيبتها السكانية وفق مخططات لـ”هندسة اجتماعية” مشبوهة، تنتهي باحتلالها من أجل تحقيق أهداف استعمارية لا علاقة لها بالديمقراطية وحقوق الإنسان ولا بحماية الأقليات والمساعدات الإنسانية المزعومة.
أمريكا وفي ازدراء تام لروسيا وإيران، قررت دق طبول الحرب في المنطقة على أبواب سورية والعراق، فلاقتها روسيا وإيران بالتعبئة والنفير العام، والتحدي الذي وصل حد كشر الأنياب ووضع اليد على الزناد وإعلان الاستعداد للمواجهة الكبرى إن اقتضى الأمر..
وقد كان الوزير الروسي لافروف واضحا حين قال للوزير الأمريكي جون كيري في اتصال بينهما ما مفاده، أن أمريكا إذا أرادت محاربة الإرهاب فعلا كما تقول، فليكن ذلك في إطار حلف دولي تشارك فيه روسيا ودول المنطقة، على أن يكون الجيش العربي السوري هو القوة المخولة للعمل على الأرض، لا الجماعات الإرهابية المدجنة تحت أسماء وعناوين خادعة..
فما أراد قوله الوزير لافروف أصالة عن روسيا ونيابة عن إيران وسورية والعراق هو: من هنا لن تمروا، وسنقطع دابر الإرهاب دون حاجة لمساعدتكم، وسنتصدى لمغامرتكم الحمقاء في حال قررتم التحدي، لأنه إذا سقطت دمشق سقطت موسكو.