تحليلاً؛ عن الدور السعودي في المنطقة
تحليلات ومواقف
عبد الرحمن جاسم
"الأمر الأكثر صعوبة من كل ذلك هو أن تكون أنت لا تعرف من، أو ما أنت".
سقراط (فيلسوف إغريقي)
يتحدث الإعلام العربي "كثيراً" عن الدور السعودي "الكبير" في اليمن، كما في سوريا، والعراق والخليج الفارسي. تبدو المملكة في "أوج" قوتها، فالملك السعودي ولربما لأوّل مرة منذ عقودٍ طويلة لا يكون "مريضاً" أبد الدهر، غير قادرٍ على التواصل مع من حوله بشكلٍ سليم (كما مع الملكين فهد وعبدالله)، يضاف إلى هذا سيطرته "الكاملة" وشبه التامة على كل مفاصل الحكم في المملكة (لا منافسة حقيقية تذكر من أشقائه أو ابنائهم). في الإطار عينه، يبدو أن الفرصة باتت سانحة وأتت على طبقٍ من ذهب –كما يقال- كي توطد المملكة مواطن قوتها خصوصاً مع جيرانٍ في حالهم الأضعف، فالعراق ليس هو عراق الأمس، والدول الخليجية لم تعد متفقةً على رأيٍ محددٍ وقوي، بل هي أقرب إلى "الدويلات" المتباعدة التي لا تزال تربط بينها صلاتٌ "وهمية"، فالبحرين يعسكر فيها الجيش السعودي تحت مسمّى "درع الجزيرة"، واليمن "تفلح" الطائرات السعودية أرضها يوماً بعد يوم، ناهيك عن الوضع السوري الشائك للغاية. كل هذا يجعل الفرصة سانحةً أمام الملك السعودي ونظامه للسيطرة المطلقة على الخليج الفارسي بأكمله، والعالم العربي بأسره: ولكن الا تبدو الصورة "وردية"ً أكثر من اللازم بالنسبة للسعودية؟
الوجود الإيراني:
ينغص الوجود الإيراني أحلام أبناء سعود لا بل ويقتلها حتى. تشكل الجمهورية الإسلامية -والتي احتفلت منذ أسابيع باتفاقها النووي الأمر الذي جعلها دولةً نووية- مشكلةً حقيقية أمام المملكة التي تعتبر نفسها "حامية" الإسلام أولاً وآخراً. فالنظام السعودي والذي قدّم نفسه أمام الجميع (غربياً وعربياً) أنه "دولة" الإسلام الأولى والأخيرة واجهته معضلة قيام دولةٍ إسلامية "مجاورة" في العام 1979 مع ثورة الإمام الخميني. هنا وقع السعودييون في مشكلةٍ لا حل لها وسرعان ما دفعوا بصدام حسين ونظامه إلى حربٍ مريرةٍ وطويلة الأمد مع الدولة الوليدة، لكن الحرب أثبتت طولها وقلة فائدتها، الأمر الذي جعل المملكة تغير "طريقتها" وتفضّل الطريقة الغربية/الصهيونية في العمل: الضرب في الخفاء ضمن لعبة الأسلوب الإستخباراتي مع شيءٍ من القذارة (يشير بوعز بيسموت الكاتب الصهيوني بأن السعوديين قد مولوا –وأكثر من مرة- ضرباتٍ "استخباراتية صهيونية ضد أهدافٍ إيرانية، وإن تحت مسمياتٍ مختلفة وليس عملاً استخباراتياً مباشراً). إذاً ودون مواربة يتحدث السعوديون عن أنفسهم على أنّهم "دولةٌ حاميةٌ للإسلام" لكن وجود إيران جعلهم يعدّلون الأمر فيقولون "دولةٌ حامية للإسلام السني"، وهو أمرٌ من شأنه لا تحجيمهم فحسب، بل إيقاعهم في فخٍ لطالما حاولوا الهروب منه بشكلٍ مطلق. وبما أنه ليس مقالاً دينياً يكفي فقط أن نشير إلى أن السعوديين دأبوا خلال عقودٍ من الزمن على التحدث عن أنه ليس هناك من "فرقٍ" دينية إسلامية أخرى (فضلاً عن تكفيرها جميعها) وبأن الدين الإسلامي هو "موديل" واحد لا غير، ومجرد وصولهم للحديث عن إسلامٍ "سني" يقودنا إلى "صلب" عري المملكة إلى حدٍ يثير القلق حتى لأفضل الحالمين فيها.
السعودية قلقة وخائفة
خطرٌ خطر:
خارج الخطر الإيراني الكبير الذي تعتقده السعودية أمراً مميتاً، هناك خطورة الأنظمة التي لا يمكن شراؤها، فالرئيس بشار الأسد في سوريا أثبت أكثر من مرة أنه ليس في وارد البيع والشراء في موضوع مبادئه وأفكاره، وحتى إن زيارة علي المملوك الأخيرة إلى السعودية والتي أتت بعد سنين من القطيعة المطلقة قد حملت "رسالة" سعودية مفادها: أترك حزب الله ونحن نعطيك ما تريد. وهي ذات الرسالة التي قُدمت في السابق لذات الرئيس قبل بدايات الأزمة السورية. أصر وقتها الرئيس الأسد على فكرةٍ وحيدة: لن أتركهم، لن أترك المقاومة. هذا الرفض كلّف كثيراً كما هو واضحٌ جلي، لكن "الكرامات" والتي يعتقد السعودي حتى اللحظة أنها جميعها قابلة للشراء، لم تكن كذلك البتة. سياسياً وعسكريا يأتي حزب الله في لبنان شوكةً أخرى في الخاصرة السعودية الرخوة "لبنان"، فالسعودي كان موقناً وبشكلٍ قاطع من قدرته على السيطرة على البلد الصغير "الواحة" الذي يعتبره أمراؤه وملوكه أنه "مجرد أرض تسلية وفسقٍ وفجور" حسبما قال أحد الأمراء السعوديين قبل سنواتٍ لإحدى وسائل الإعلام الغربية. تواجد حزب الله في لبنان غيّر هذه المعادلة إلى الأبد، بات حتى أقوى حلفاء السعودية في لبنان غير قادرٍ على مجاراة المد. يمنياً أثبت الحوثيون أنهم أقوياء للغاية، وإن كانوا حتى اللحظة لايستطيعون القضاء على "طلعات" الجو السعودية (لأنهم ببساطة لا يمتلكون التقنيات اللازمة لذلك فحسب)، فالهواء اليمني حتى الساعة تمزقه الطائرات السعودية لتقصف بيوتاً آمنة، أو مراكز يسكنها لاجئون يمنيون، فالحوثيون كما يعلم الجميع –وهذا ليس سراً- ليس تنظيماً "مركزياً" أي أنهم لايمتلكون قواعداً ومراكز ثابتة، وبالتالي لايمكن قصف "مراكز" للحوثيين بشكلٍ "دقيق" إذا افترضنا هذا التوصيف.
ماذا يريد الملك؟
ما يريده ملك الصحراء هو أن يسود في منطقته، لكن المشكلة أن ما يمكن تطبيقه في الصحراء لايمكن تطبيقه خارجها، فاليمن مثلاً سيظل "مقلقاً" للملك سلمان، هذا ما يقود السعوديين اليوم إلى الدفع لجهة تقوية عبد ربه هادي منصور كي يتمكن من إجراء اتفاقية –يكون فيها هو الأقوى- مع الحوثيين. سورياً يبدو أن المملكة باتت تشعر بشكلٍ –حثيث وحسي- أنَّ النظام السوري باقٍ وصامد، ومن هنا فإن خياراتها بدعم بعض "التنظيمات الإرهابية" وسواها قد باء بالفشل، لكن مع هذا فإن "التكابر" والإستمرارية على الخطأ هو جزءٌ من منطق المملكة لذلك فإنهم سيظلون حتى آخر لحظة على تلك المكابرة لعلهم يحصلون على قليلٍ من "قوة" في مفاوضاتهم اللاحقة مع الجمهورية السورية. لبنانياً يعتمد السعوديون منطق تضييع الوقت، فلا حل، ولا وزارة، ولا رئيس ولا أي شيءٍ من أي نوع، هناك فراغٌ وقد يعقبها فوضى، فهذا الأمر لا يضايق السعودي أو يؤذيه البتة، بالعكس هو سيستخدم هذه الورقة أثناء ضغطه على النظام السوري، لكن كما يعلم الجميع ليست هذه ورقة الضغط المثالية (مع أن السعودي يستعملها وسيستعملها لاحقاً). خليجياً سيبقى الجيش السعودي في البحرين لأنه يعلم علم اليقين بأن خروجه ولو لثانية سيسقط حمد بن جاسم خلال ساعاتٍ معدودة. يبقى الخطر "المبين" كما يراه آل سعود: إيران. هذه مشكلةٌ لا حل لها في المنظور القريب أو العاجل (ولربما حتى بعيد المدى حسبما يبدو)، فالإيراني متجه من قوة إلى أقوى: أموال أكثر، اتفاقيات غربية أكثر، انفتاح مع دولٍ الجوار والأبعد حتى. باختصار: لايبدو أن حلم السيادة "المطلقة" سيتحقق ولو حتى "قريباً" للملك سلمان، فهل "سينوء" ويقع من حمل الأشياء خلال سنين قليلة علماً بأن السعودية –وهذا أمرٌ لا يعلمه كثيرون- من الدول ذات العجز المادي الكبير في خزينتها؟