هل سينجح الأميركي بدور ’الوسيط’؟
حسام مطر
ليس خفياً أن استراتيجية أوباما الشرق أوسطية هي محاولة نقل الولايات المتحدة من دور الخصم والعدو المتورط في صراعات المنطقة، الى دور "السمسار” أو "الوسيط”. أي الانتقال من كون الصراع بين الولايات المتحدة و”متطرفين”، الى صراع بين قوى محلية متطرفة وأخرى معتدلة، أي إلى حرب أهلية داخل الحضارة الإسلامية وليس بين الحضارات (الإسلام – الغرب)، بما يمكّن الأميركي من تقديم نفسه كوسيط في هذه الحرب الأهلية متربحاً من طرفيها. إلا أن هذا الربح مقيد بضرورة أخذ جملة من مطالب الحلفاء بعين الاعتبار، واستعياب إيران في المعادلة الإقلمية.
سعي أوباما لتكييف دور الولايات المتحدة من الهيمنة المباشرة الى "السمسار” يبدو خياراً عقلانياً في ظل ما واجهته القوة الأميركية من انتكاسات منذ العام 2000. الهيمنة المباشرة أدت الى عملية استنزاف لكل عناصر القوة الأميركية، فيما يضمن دور "السمسار” نفوذاً وتأثيراً أميركياً مستداماً بكلفة منخفضة نسبياً، ولكن أيضاً بمكاسب أميركية أقل. أي أن هذا التحول الأميركي لم يكن خياراً إلا بفضل ما لحق بها من ضربات من محور المقاومة وحصول تحولات موازية في النظام الدولي ككل.
ولإتمام الدور الجديد، يسعى الأميركي الى إرهاق محور المقاومة بغية تقليص ما يتوجب عليه دفعه، كمن يفرض عليك سعراً محدداً لعقار من خلال إشعال النار في إحدى غرفه، فتفضل ربحاً متدنياً على أن تخسر العقار كله. أمام أوباما ساحتين أساسيتين ملتحمتين بحاجة إلى تسوية، سوريا والعراق. على المسرح الإقليمي اليوم، تحضر أربع قوى رئيسة هي إيران وتركيا والسعودية والسلفيات الجهادية (التكفيرية)، وعلى أوباما أن يجد تركيبة تأخذ كل هؤلاء بعين الاعتبار عند أية خطوة سياسية.
يواجه أوباما المعضلات التالية: يريد الضغط على إيران لتطويعها ولكن بما لا يفسد عملية التبريد معها ويفجر المنطقة. يريد تحجيم "داعش” وتهميشها (بسبب تمددها المفرط جداً وتحقيق جزء أساسي من أجندتها أي الفتنة المذهبية واستنزاف محور المقاومة) ولكن من دون إغضاب السعوديين والأتراك أو منح محور المقاومة أماكن نفوذها.
الرئيس الامريكي باراك أوباما
يريد الحفاظ على علاقته الاستراتيجية مع الأتراك والسعوديين ولكن دون تبنٍّ لخياراتهم بشكل كامل في سوريا والعراق. ولذلك، في مقابل كل خطوة أميركية باتجاه إيران عليه أن يوازنها بخطوة باتجاه تركيا والسعودية، والعكس صحيح.
لذلك يبدو أوباما كمن يسير على حبل متراخ، محاولاً الموازنة بين خصمه الإيراني وحلفائه الأتراك والسعوديين. مثلاً يبدو أن الأميركي موافق ضمناً على الدعم التركي - السعودي لجبهة النصرة تحت مسمى "جيش الفتح” باعتبارها حركة شامية معتدلة براغماتية ذات شعبية - وهو المنطق ذاته الذي قدمه الأتراك عن الإخوان المسلمين في مصر ووافق عليه أوباما حينها - في مقابل رضوخ خليجي – تركي للتإتفاق النووي.
فهل سنشهد أيضاً توافقا أميركيا – خليجيا - تركيا على تحجيم "داعش” بغطاء جويٍّ أميركي على أن تأخذ مكانه النصرة والإخوان، (مع منح الجيش الحر جوائز ترضية) في سوريا؟ أي أن يتقلص الاحتكاك بين النصرة والجيش السوري، على حساب صراع قاعدي – داعشي؟
يواجه أوباما جملة تحديات وعراقيل في سيعه نحو "تقمص” دور الوسيط والـ”سمسار”، منها كيفية تأثير ساحات أخرى مثل اليمن على هذه التوازنات، دور الجمهوريين في التشويش على أوباما، الخلافات البينية داخل الإدارة الأميركية، القدرة على ضبط النصرة، القدرة العملانية على تهميش "داعش”، مدى عمق واستقرار التفاهم السعودي – التركي، خيارات محور المقاومة وسواها من العوامل. وفي حال نجح أوباما في هذا الدور الجديد المفترض، يكون أوباما قد تمكن من ضبط التوترات والتوازنات وفق كلفة معقولة تمنع ظهور قوى هيمنة إقليمية. العقل الأوبامي يعمل وفقا لمنطق "المنشار”، كيفما تحرك يأكل من حصص الجميع، إلا أنه يتحرك ببطىء وحذر وأحياناً بعسر، فلا الخشب طري العود، ولا المنشار حاد النصل.