تدمر والرمادي تفضحان التواطؤ الأمريكي مع “داعش”
جمال كامل
لم تمر سوى اربعة ايام على دخول ارهابيي "داعش” الى مدينة تدمر السورية ، حتى توالت الاخبار من هناك عن وقوع مجازر وحشية ضد اهالي المدينة ، حيث ذكرت مصادر اعلامية متباينة ان الارهابيين اعدموا 400 شخص على الأقل بينهم نساء وأطفال وشيوخ ، ومثلوا بجثثهم، تحت مبررات وذرائع ظلامية تكفيرية تتنافى وجميع القيم والمبادئ الإنسانية.
المرصد السوري لحقوق الانسان اكد إن بعض الناس قطعت رؤوسهم في المدينة ، فيما قال نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إن هناك مئات الجثث في شوارع المدينة ويعتقد أنها لاعضاء أسر من الموظفين والعاملين في الدوائر التابعة للحكومة ، فقد شوهد بين القتلى رئيسة قسم التمريض في مستشفى تدمر الوطني وكل أفراد عائلتها.
هذه المأساة الانسانية تنذر بكارثة كبرى قد تنزل في اي لحظة بمدينة تدمر الاثرية المدرجة على لائحة التراث العالمي ، والتي تمتد على مساحة تعد من بين الأكبر في العالم ، وذلك بعد التجربة المرة التي عاشها العالم على وقع الجريمة الكبرى التي ارتكبتها "داعش” الارهابية بحق التراث الانساني في مدينة الموصل العراقية.
هذه الفظائع التي ترتكبها "داعش” ضد الانسان والحضارة في سوريا والعراق ، لم ترتكبها "داعش” بمفردها ، فهناك من وفر لها الارضية للانتشار ، ودعمها من خلال عملائه في المنطقة ، وكان بذلك شريكا ل”داعش” في كل ما ارتكبته من مجازر وحشية ضد حاضر ومستقبل وماضي دول المنطقة وشعوبها.
ما نقوله ليس اتهاما لامريكا ، بل هو وصف الواقع الذي تعيشه سوريا والعراق ، دون زيادة او نقصان ، فجميع التقارير الاخبارية التي كانت ترصد تحركات "داعش” قبل سقوط تدمر بايام قليلة ، كانت تؤكد ان هناك ارتالا من المركبات التابعة ل”داعش” تعبر الحدود العراقية باتجاه تدمر ، وان تحرك هذه الارتال كان تحت مراقبة قوات التحالف الذي تقوده امريكا ، ضد "داعش”!! ، الا ان امريكا وحلفاءها لم يحركوا ساكنا ، ولم ينفذوا اي غارة ضد هذه الارتال ، حتى ان بعض الجهات الامريكية ، اعلنت ان امريكا كانت تعلم بتحرك ارتال "داعش” ولكنها لم تستهدفها ، حتى لا يستغل النظام السوري هذه الضربات.!!
لقد بات واضحا بعد سقوط تدمر وكذلك سقوط الرماي في العراق في نفس الوقت ، ان امريكا ، ليست جادة في حربها ضد "داعش” فحسب ، بل هي متواطئة مع هذا التنظيم التكفيري الارهابي ، من خلال استخدامه كمعول لهدم البلدان العربية والاسلامية ، وتشتيت شعوبها ، وتدمير تاريخها وحضاراتها.
لقد اثبتت التقارير الاستخباراتية والتسريبات الاعلامية وتصريحات بعض المسؤولين العراقيين ، ان امريكا كانت وراء سقوط الرمادي ، لانها ضغطت على الحكومة العراقية لمنع مشاركة قوات الحشد الشعبي في العراق في تحرير الانبار ، تحت ذريعة عدم استفزاز مشاعر بعض السياسيين البعثيين والطائفيين المحسوبين زورا على اهل السنة ، وهو ما مهد الارضية ل”داعش” لدخول الرمادي وارتكابها الجرائم الوحشية ضد اهالي المدينة.
ما يؤكد حقيقة ان امريكا ليست في وارد مواجهة "داعش” او اضعافها ، هي الكلفة الباهظة التي يدفعها الشعبان السوري والعراقي ، لتمدد "داعش” ، والتي تتمثل بحمامات الدم ، والتدمير الممنهج للتراث والحضارة والتاريخ الانساني العريق في هذين البلدين ، فهذه الكلفة المهولة لا يمكن تبريرها مطلقا ، بتبريرات مثل احتمال استغلال النظام السوري لضربات التحالف الامريكي لارتال "داعش” المتوجهة لتدمر ، او احتمال استفزاز البعثيين والطائفيين في العراق اذا ما تم السماح للحشد الشعبي في المشاركة في تحرير مدن الانبار.
ان هذه التبريرات تفضح الدور الخبيث لامريكا في الجرائم التي ترتكبها "داعش” بحق السوريين والعراقيين ، فقد بان واتضح للجميع ان امريكا تتحرك وببطىء نحو تحقيق اهدافها لتقسيم سوريا والعراق ، بمساعدة المجموعات التكفيرية الارهابية ، وهو ما يستدعي موقفا موحدا من الحكومتين السورية والعراقية ، للتصدي ل”داعش” والجهات التي تقف وراءها ، وفي مقدمتها امريكا ، لوقف نزيف الدم في سوريا والعراق ، والحفاظ على وحدة اراضي البلدين ، امام قوى الظلم والظلام.