متى تتوبون من الذبح والقتل على الهوية؟
ثريا عاصي
يحتدم القتال في شمال سوريا. الذي يتعرض، كما يبدو، لهجوم كبير يشارك فيه آلاف العناصر من "المعارضة المعتدلة”. هذا ما وعد به الأميركيون وآل سعود والفرنسيون والبريطانيون والأتراك، عندما أعلنوا أنهم افتتحوا في تركيا، معسكرات لتدريب وتجهيز عناصر "المعارضة المعتدلة” السورية ! إذن لا توجد مفاجأة.
من المعروف أن المرتزقة والمهووسين بالحور العين، الذين ينهون دورة إعداد عسكرية في تركيا، يرسلون إلى سوريا. هذه كلها معطيات ثابتة عن الدور الذي تضطلع به تركيا في ظل العثمانيين الجدد، في "تثوير” سوريا. أظن انها مسألة لا خلاف بصددها !
انا لا أدعي الخبرة حتى أقيِّم ما جرى في شمال سوريا، بمعيار عسكري. ولكني أعتبره حدثاً يبطن خطورة على منطقة الساحل السوري، بما هي إحدى الدعائم الأساسية للدولة السورية. ينبني عليه أن كل اختراق يـُحرزه المعتدون في هذه المنطقة مهما كان ثانوياً أو قليل التأثير، يمس إلى درجة ما جوهر الكينونة السورية نفسها. وبالتالي من شأنه أن يوقع نوعا من الإحباط في النفوس أو أن يتسبب بالضد من ذلك، بِردّ فعل يتعدى ما هو منتظر ومعقول، دفاعاً عن الوجود !
أكتفي بهذا الاستطراد، فانا لست في معرض البرهان على أهمية المنطقة الساحلية السورية في مداميك الكيان السوري. ما أود قوله في هذا السياق، هو انه يوجد في الأردن أيضا "معارضة معتدلة "سورية، يخضع عناصرها للتأهيل العسكري في قواعد لا تختلف عن مثيلاتها في تركيا، يشرف عليها خبراء أميركيون وفرنسيون وبريطانيون وإسرائيليون !. يستتبع ذلك ان الهجوم على دمشق متوقع. لا شك في ان الاستعداد له جار على قدم وساق.
لا مفر في هذا السياق من السؤال بصراحة وسذاجة في آن، عن مبررات هذه الحرب على سوريا ؟ لماذا هذه الحرب الآن وفي هذا التوقيت وما هي الأهداف التي يريد المعتدون بلوغها ؟ بُحّ الصوت لإقناع الناس بأن هذه الحرب ليست ثورة ؟ منذ متى نحسب الولايات المتحدة الاميركية وآل سعود والعثمانيين الجدد في عداد قوى التحرر والتقدم في هذا العالم؟
المفارقة هنا هي في ان فريقاً من السوريين انضموا إلى جبهة الأعداء ضد سوريين يذودون عن البلاد. ينبني عليه أن غموضا يعتري مسألة الانتماء إلى الوطن السوري. هناك إشكال كبير في ذهن السوري الذي يقاتل ضد الجيش العربي السوري، تحت قيادة تركية. مثلما أن "سورية” الجهادي السوري، العضو في جماعة سعودية الهوى، موضوع يستحق الدراسة بعناية ودقة.
مجمل القول باقتضاب شديد، أن الخلاص من الدائرة الجهنمية التي صارت تحيط ببلاد العرب عامة وبسوريا على وجه خاص، ليس ممكناً، طالما أن تياراً وطنياً من المسلمين الذين يُنمطون في خانة "السنة”، لم يبادر إلى كسر قانون الصمت، رفضاً لوصاية آل سعود وخروجاً عن الاصطفاف المذهبي، استجابة لواجب الدفاع عن الوطن السوري !
قال أحمد شوقي "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”. لم تشهد بلاد العرب تظاهرات، استنكاراً لإحراق الكنائس، لإخراج المسيحيين والأزيديين من ديارهم، لطقوس قطع الأعناق والإعدام رميا بالرصاص ينفذه مجانين مدمنين، للقتل على أساس الطائفة والمذهب. تضامن القرضاوي في ذكرى مذابح الارمن، مع السلطات التركية. "أنصر أخاك ظالماً”، في الحزب الديني.
تفوح رائحة نفط آل سعود من خطاب جامع الأزهر في مصر. مهما اختلف تقييمنا للناصرية، يتوجب علينا أن نعترف أن عبد الناصر استطاع لجم آل سعود. فكان ضمانة من المذهبية والعصبية. فلا عجب إذن "إن هم ذهبوا”!.