الامام محمد الجواد(ع).. معجزة الامامة التي حيرت العقول
* بقلم - جميل ظاهري
الامام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام الملقب بالجواد من أروع صور الفكر والعلم في الاسلام؛ حوى فضائل الدنيا ومكارمها، وفجر ينابيع الحكمة والعلم في الأرض، فكان المعلّم والرائد للنهضة العلمية، والثقافية في عصره، وقد أقبل عليه العلماء والفقهاء، ورواة الحديث، وطلبة الحكمة والمعارف، وهم ينتهلون من نمير علومه وآدابه.
دلّل الامام الجواد (ع) الذي نعيش اليوم العاشر من رجب الأصب لسنة 195 للهجرة بالمدينة المنورة؛ بمواهبه وعبقرياته، وملكاته العلمية الهائلة التي لا تُحدّ على الواقع المشرق الذي تذهب اليه الشيعة الامامية من أن الامام لابد أن يكون أعلم أهل زمانه وأفضلهم من دون فرق بين أن يكون صغيراً أو كبيراً، فان الله سبحانه وتعالى أمدّ أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بالعلم والحكمة وفصل الخطاب كما أمدَّ أُولي العزم من أنبيائه ورسله عليهم السلام.
برهن الامام محمد الجواد أبو جعفر (ع) على ذلك فقد تقلّد الامامة والزعامة الدينية بعد وفاة أبيه الامام الرضا (ع) وكان عمره الشريف لا يتجاوز السبع سنين..عاش حياته متجهاً صوب العلم فرفع مناره، وأرسى أصوله وقواعده، فأستغل مدّة حياته في التدريس ونشر المعارف والآداب الاسلامية، واحتفّ به جمهور كبير من العلماء والرواة ينهلون منه العلوم الإسلامية من علم الكلام والفلسفة، وعلم الفقه، والتفسير.
الامام الجواد(ع) انفتح على خطِّ الإمامة مبكراً، بحيث يمكن أن يَصْدُق عليه ما صدق على "يحيى”(ع) في نبوّته {واتَيْناهُ الحُكْمَ صبيّاً - مريم:12}..عاش بعد وفاة أبيه الامام علي بن موسى الرضا (ع) مسؤوليّة الامامة، حيث يمكننا أن نسمّيه بـ”الامام المعجزة”، حيث انفتحت إمامته على كلِّ الواقع وهو بعدُ في سنِّ الصِّبا، حيث حيّر العقول بعلمه الوافر وإجاباته عن أعقد المسائل، وقدرته على تبيان حكم الله في شريعته..
استطاع الامام (ع) منذ حداثة سنِّه أن يُظهر ثبات الامامة وصلابتها، حيث يروي محمد ابن طلحة فيقول: "لما تُوفّي والده الامام الرِّضا(ع) وقدم الخليفة المأمون الى بغداد، اتفق أنَّه خرج إلى الصَّيد، فاجتاز بطرف البلد في طريقه، والصبيان يلعبون ومحمد (الجواد) واقفٌ معهم، وكان عمره يومئذٍ إحدى عشرة سنة فما حولها. فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين، ووقف أبو جعفر محمد(ع) فلم يبرح مكانه، فقرب منه الخليفة، فنظر إليه، وكأنَّ الله عزَّ وعلا ألقى عليه مسحةً من قبول، فوقف الخليفة، وقال له: يا غلام، ما منعك من الانصراف مع الصبيان؟ فقال له الجواد (ع) مسرعاً: "لم يكن بالطريق ضيقٌ لأوسّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظني بك حَسَنٌ إنّك لا تضرُّ من لا ذنب له، فوقفت”(كشف الغمة، ج:4، ص:187).
رغم صغر سن الامام الجواد(ع)، الذي عاش حوالي 25 سنة، فقد روى عنه جمعٌ من العلماء، وقد عدّدهم السيد الأمين رحمه الله نقلا عن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: أسند الامام محمد بن علي الجواد (ع) الحديث عن أبيه الامام الرضا (ع).. وفي المناقب: كان بوّابه عثمان بن سعيد السمّان، ومن ثقاته أيوب بن نوح بن درّاج الكوفي، وجعفر بن محمد بن يونس الأحول، والحسين بن مسلم بن الحسن، والمختار بن زياد العبدي البصري، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب الكوفي، ومن أصحابه شاذان بن الخليل النيسابوري، ونوح بن شعيب البغدادي، ومحمد بن أحمد المحمودي، وأبو يحيى الجرجاني، وأبو القاسم إدريس القمّي، وعلي بن محمد، وهارون بن الحسن بن محبوب، وإسحاق بن إسماعيل النيسابوري، وأبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغي، وأبو على بن بلال، وعبد الله بن محمد الحصيني، ومحمد بن الحسن بن شمون البصري (في رحاب أئمة أهل البيت، ج:4، ص:169 ـ 170).
كما ان الشيخ الطوسي (رضوان الله عليه) عَدَّ نحو مِائة من الثقات، ومنهم امرأتان، كلّهم من تلامذة الامام الجواد (ع) ورُوَاته، والذين تتلمذوا على يديه المباركتين (بحار الأنوار، ج:5، ص:55). حيث صنَّفوا في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية، وسنذكر - على سبيل المثال لا الحصر - بعضاً من أصحابه ( عليه السلام ) الذين روى علماء الرجال والمحققون عنهم:
1- أحمد بن محمد بن خالد البرقي: صنّف كتباً كثيرة، بَلَغت أكثر من تسعين كتاباً.
2- على بن مهزيار الأهوازي: له أكثر من ثلاثة وثلاثين كتاباً.
3- صفوان بن يحيى: يقول الشيخ الطوسي: له كتب كثيرة، وله مسائل عن الإمام الكاظم (ع).
4- أحمد بن محمد بن أبي نصر: كان عظيم المنزلة، له كتاب (الجامع)، وكتاب (النوادر).
للامام الجواد (ع) هجرتان: الأولى: بعدما استشهد والده الامام الرضا (ع) بسمّ المأمون في طوس..
اما الهجرة الثانية فكانت بعد مجيء المعتصم الذي لم يكن أرأف بالامام (ع) خاصة، والعلويين عامّة من أخيه المأمون، فقد احتال هو الآخر على الامام الجواد(ع) للوقيعة به، وإيجاد مبرّر لسجنه ثم قتله، مما دفع بالمعتصم بان كتب الى محمد بن عبد الملك الزيّات أن ينقذه اليه مع زوجته أمّ الفضل بنت المأمون فأرسل ابن الزيّات على بن يقطين إليه فهاجر من المدينة الى بغداد ووردها ليلة الثامن والعشرين من الحرّم، سنة عشرين ومائتين، وأقام بها عشرة أشهر، وسمّه المعتصم في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين، وفي هذه المدة قاسى الامام أبو جعفر (ع) من المعتصم ما قاسى (عيون المعجزات: 122 ـ 123، وبحار الأنوار 50: 99 | 12، ورواية الطبري في دلائل الإمامة: 388 ـ 390، واختصاص الشيخ المفيد: 102، ومناقب آل أبي طالب 4: 382 ـ 383).