عن استثمار أموال النفط في الانفاق العسكري
شارل أبي نادر
جنون وقتل ودمار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا... صراع مفتوح على كافّة الاحتمالات وفي كافّة الاتّجاهات،... دول غير مستقرّة لا سياسيّاً ولا أمنيّاً ولا اجتماعيّاً، تتسابق لشراء أسلحة متطوّرة وباهظة الثمن، تُقاتل تنظيماً إرهابيّاً يُدعى تنظيم القاعدة في بلاد الشام، بعضها ساهم في خلقه، فتشترك في تحالف ضدّه وبالوقت نفسه تموّله وتوجّهه وترعاه، تنظيم يملك أسلحة خطرة وفتّاكة ومتطوّرة، عناصره مدرّبون جيداً ولديهم خبرات واسعة في القتال وفي أعمال التفجير والإرهاب.
عندما يقول "جراهام فولر”، وهو أحد محلّلي وكالة المخابرات المركزيّة الأميركيّة، "كان هدفنا الاستراتيجي في حرب ثمانينات القرن الماضي بين إيران والعراق أن لا يحصل أيُّ من الجانبين على أيّة مميّزات وكنّا نريد من كلّ منهما أن يُجْهِزَ على الثاني دون أن يسبق أحدهم الآخر”، وعندما تعلّم أنّ قوّات من سلاحي الجو في التّحالف ضدّ داعش تابعة لكلٍ من الولايات المتّحدة الأميركيّة أو لبريطانيا تعمد إلى إنزال أسلحة وعتاد وذخيرة من طائراتها في الجو إلى عناصر هذا التنظيم الإرهابي في أكثر من مُناسبة وموقع في معارك حاسمة ضدّ الجيش العراقي أو ضدّ الجيش السّوري، عندها ستفهم هذه المُعادلة الغريبة في الشرق، وهذا الارتباط بين النّفط وبين المنظّمات الإرهابيّة وبين صناعة الأسلحة والنموّ الاقتصادي في الغرب وبين أزمات المنطقة وحروبها...
بموجب دراسة لمعهد ستوكهولم الدّولي لأبحاث السّلام (SIYPRY) فإنّ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة تحتلّ المركز الأوّل في الخليج الفارسي والرابع في العالم في الإنفاق على السّلاح وهي سبّاقة دائماً للحصول على الأسلحة الحديثة ذات التقنيّة المرتفعة وتخزّنها ونادراً ما تستعملها، ودائماً واستناداً إلى تقرير للمعهد المذكور نشرته جريدة السفير اللّبنانيّة نقلاً عن مجلّة "Business insider” يتبيّن كيف أنّ الدّول المُنتجة للنّفط في الشرق الأوسط تقود انفجاراً عالميّاً في الأنفاق العسكريّ حيث يتمّ ضخّ هذه الأسلحة مع اتّساع رقعة مواجهة تنظيم داعش وقد توزّعت هذه الأسلحة من طائرات "رافال الفرنسيّة” "سوخوي سو-25 الروسيّة” و("طائرات أف 16” و"يوروفايتر تايفون” وطوّافات أباتشي وطائرات بدون طيّار) الأميركيّة، إلى دبّابات "ليوبارد A7 -2” الإلمانيّة ودبّابات "ابرامز M1” الأميركيّة إلى (صواريخ "باتريوت المضادّة للصواريخ وصواريخ هلفاير” المضادّة للدّبابات والصواريخ الإستراتيجيّة "هيمارس” و"أتاسمس” الأميركيّة وغير ذلك من التّقنيات العسكريّة المختلفة.
النفط
في تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز” يتبيّن أنّ مبيعات الأسلحة الأميركيّة ازداد بشكلٍ لافت بعد تولّي أوباما مسؤوليّاته، وحسب صحيفة "The Guardian” البريطانيّة فإنّ الإعلام الأميركي يروّج للتفوّق الإقليمي الإيراني للاتّفاق النووي الإيراني الذي يحفظ أفضليّة ما لإيران من إمكانيّة تطوير هذه القدرات لديها، كما يروّج لشائعات الحرب على الإرهاب بطريقة تثير الخوف والهلع ودائماً وفق الصحيفة البريطانيّة فإنّ الإدارة وأجهزة المخابرات في الولايات المتّحدة الأميركيّة تعمل على شبك العلاقة وإيجاد ارتباط وثيق بين إنتاج النّفط وتجارة الأسلحة وخلق الأزمات في الشرق وذلك للمحافظة على مستوى مرتفع من مبيعات الأسلحة المتطوّرة يساعد على رفع نسبة النّمو بشكل ملحوظ، وهذا من أهمّ دوافع موافقة الكونغرس ومجلس الشيوخ على تلك الصّفقات رغم أنّ اللّوبي اليهودي الإسرائيلي عادةً يضغط باتّجاه عدم إتمام هذه الصّفقات مع دول الخليج الفارسي، وفي دراسة عن وزارة الماليّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة فإنّ المعدّل السّنوي للأربع سنوات الأخيرة (2011 - 2014) لمبيعات الأسلحة لأكثر من 100 شركة تصنيع عالميّة بلغ حوالي 350 مليار دولار أميركي سنويّاً، وهذه المبالغ الضّخمة هي المحرّك الأساسي للاقتصاد العالمي وخصوصاً لدى الدّول الخمس ذات العضويّة الدائمة في مجلس الأمن.
وهكذا وعندما نجد أنّ خسائر قطاع النّفط في سوريا بلغت حدّاً مأساويّاً وبأنّه يلزم سنوات وسنوات لإعادة تشغيل الآبار، وعندما يبلغ مستوى الدّمار في الاقتصاد وفي البُنى التحتيّة في المُدن والبلدات السّوريّة درجة مخيفة قد لا يمكن إصلاحها لعقود من الزمن، وعندما نعلم أنّ الحكومة العراقيّة تعتزم بيع كميّات من احتياطاتها النفطيّة بنظام الدفع المسبق لحاجتها الماسّة لتمويل الحملة ضدّ داعش ولتعويض خسائر الدّمار في العراق، في الوقت الذي تعدّ هذه التعاقدات محظورة في العديد من الدّول إذ تُعتبر تخلياً عن ثروة سياديّة لشركات أجنبيّة، سنستنتج هول ما تسبّبه أموال النّفط من دمار وخراب لهذا الشرق وأهميّة ما تؤمّنه من استقرار اجتماعي واقتصادي في الغرب.