kayhan.ir

رمز الخبر: 18095
تأريخ النشر : 2015April21 - 21:20
في ذكرى استشهاده الأليم..

الامام على الهادي (ع).. حياة حافلة بمواجهة الانحراف

* جميل ظاهري

منذ قديم العصور والصراع قائم بين الحق والباطل والحقيقة والتزييف والطريق القويم والانحراف، وكان هناك من يسعى الى تنوير افكار البشرية وتوعيتهم نحو الصراط المستقيم والدين المحمدي الاصيل في مواجهة من كان يسعى نحو الانحراف والتضليل والمنهج العنكبوتي الشيطاني لابعاد عباد الرحمان من الوحدانية والعدالة والحقيقة.

واستمر هذا الصراع الرباني الالهي مع الجانب الشيطاني والتكفيري المنحرف والذي ذهب ضحيته مئات الالاف بل الملايين من خيرة البشرية حتى يومنا لعدم تكافؤ وتوازن كفة الصراع بكل ما للكلمة من معان.

ورغم ان جيش الشيطان والظلم والضلالة كان الأقوى والأكثر دموية ووحشية وهمجية وطغياناً لكن اتباع مدرسة الحق والحقيقة أبوا ان يتراجعوا أو يتخاذلوا امام العدو مصرين على مواصلة النهج الذي رسمه لهم الله سبحانه وتعالى مهما كلفهم ذلك من ثمن غالٍ ونفيس وهو الامر الذي نشهده وبكل وضوح في مدرسة أئمة الهدى من اهل البيت عليهم السلام واتباعهم المخلصين الموحدين في كل برهة من التاريخ النضالي والجهادي.

فاينما يكون هناك صراع بين العدل والظلم وبين الحق والانحراف وبين الوحدانية والشرك ترى اتباع مدرسة اهل البيت (ع) في مقدمة المضحين بكل ما يملكوا لاعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى واقامة العدل والقسط وتنوير افكار البشرية واصلاح امورها في الحرية والمساواة وما تشهده منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا من ثورات شعبية اسلامية إلا امتداد لمدرسة التضحية والاباء والفداء التي وضع صرحها أهل البيت عليهم السلام.

فقد كان لأئمة الهدى عليهم السلام وعلى طول التاريخ الاسلامي الدور الريادي واليد الطولى في التصدي للظلم والانحراف والطغاة، ومن بين أئمتنا الهداة (ع) الذين ضحوا بحياتهم الغالية في طريق مقارعة الانحراف هو الامام على بن محمد الهادي (ع) الامام العاشر من أئمة الهدى من أهل البيت (ع) والذي يصادف اليوم الثالث من شهر رجب المرجب يوم استشهاده الأليم فهو لم يعش عمراً طويلاً بسبب صراعه مع الباطل والانحراف، وقضاه حافلاً بجلائل الأعمال والأقوال، وبما أتى من الحق في مجالس أهل الباطل، وبما كرّس من العدل في مواطن الظلم، وبما أرسى من الايمان ورسّخ من العقيدة التي ينبغي أن يعبد الله تعالى بها، وكان عمره الشريف يوم رحيله شهيداً بسم الغدر والخيانة للمعتز العباسي إحدى وأربعين سنةً، ودفن في داره بسر من رأى (سامراء).

ورغم ذلك فقد عاش حياته عليه السلام في نشاط دائم متحرّك في الثقافة الإسلاميّة، وكان يعلّم الناس، خاصة العلماء منهم، حتى ذُكِر أنَّ الذين رووا عنه علومه بلغوا ما يقارب المائة وخمسةٍ وثمانين راوياً.

وتحرّك الامام الهادي(ع) في الحياة يراقب ويتصدّى لكلِّ الانحرافات التي تعرّض لها الواقع الاسلامي، لأنَّ مسؤولية الأنبياء والأولياء والعلماء في كل زمان ومكان، هي أن يدرسوا كل الخطوط التي تتحرك في الثقافة الاسلامية أو في الواقع الاسلامي، ليصلحوا الخطأ، وليقوّموا الانحراف بالأساليب التي وضعها الله سبحانه وتعالى في كتابه، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.

وقد واجه الامام الهادي(ع) كثيراً من المشاكل الفكرية التي كانت قد فرضت نفسها على الذهنية الاسلامية لتنحرف بها عن الصواب، فقد حدثت في زمنه فتنة الذين يقولون بالجبر، وأنَّ الله تعالى أجبر عباده على أعمالهم، فليس للعباد اختيارٌ في ما يطيعون أو يعصون، فالطاعة من الله والمعصية منه.

وكان هناك اتجاه التفويض الذي يقول إنَّ الله تعالى فوّض الأمر إلى بعض خلقه، بمعنى أنَّ الله تعالى خلق الناس وجعل الأمر للأنبياء مثلاً، فلا يتدخّل في شؤون النّاس، ولكن تبقى قدرة الله وهيمنته وتدبيره للناس، بما لا يبعدهم عن رعايته وتدبيره وسلطته.

كان أصحاب هذين الاتجاهين بحسب الظاهر خارج المدينة، فأرسل الإمام الهادي(ع) رسالةً شارحاً لهم حقائق الأمور، ومبيِّناً لهم بالدليل من العقل والنقل بطلان الجبر والتفويض، ودعاهم الى الاستقامة في خطّ الله سبحانه وتعالى، كما واجه الغلاة الذين حاولوا أن يحرّكوا خرافاتهم في الذهنية العامة، وخصوصاً أنَّ كثيراً من الذهنيّات التي تعيش في المجتمع هي ذهنيات طيّبة تقبل كل شي‏ء، وهذا يحدث في كل زمانٍ ومكان.