’وقاحة’ نتنياهو أساءت إلى علاقة الكيان بالديموقراطيين دون فائدة من الرهان على الجمهوريين
عقيل الشيخ حسين
التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني ستكون له تداعيات إيجابية على مستوى تعزيز مواقع المقاومة في المنطقة، وسيعيد للقضية الفلسطينية موقعها المركزي في صراعات الشرق الأوسط. وهذا ما يفسر الهستيريا التي تعصف بمواقف نتنياهو و”عرب إسرائيل”.
"لا أساس لصحة مزاعم نتنياهو حول اقتراب إيران من تصنيع قنبلة نووية، فتلك المزاعم غريبة وكاذبة يستخدمها نتنياهو في إطار مناوراته السياسية الداخلية، وكستار لحجب القضية الفلسطينية وتهميشها”.
هذا الكلام ليس صادراً عن مسؤول أو وسيلة إعلام من صف إيران ومحور المقاومة، بل عن صحيفة نيويورك تايمز التي غالباً ما تعكس سياسات البيت الأبيض؛ وهذا ما يعبِّر عن عمق الشرخ في النظرتين الأميركية والإسرائيلية إلى المشكلات الأساس في المنطقة.
نتنياهو في الكونغرس : انتصار وهمي..
وإذا ما اعتبر البعض - انطلاقاً من التصفيق الحاد والمتواصل الذي قوبل به نتنياهو في الكونغرس -أن سياسات أوباما فيما يخص تلك المشكلات لا تحظى بقبول قسم كبير من الطبقة السياسية الأميركية، فإن تأييد 60 بالمئة من الأميركيين لتلك السياسات يدلل على وجود تحول قد تكون له انعكاسات كبرى على حاضر ومستقبل التحالف الاستراتيجي بين أميركا من جهة، و”إسرائيل”وعرب "إسرائيل”، من جهة ثانية.
أوباما يعترف بأن الاتفاق مع إيران يعني تراجعاً أميركياً في ملفات المنطقة يتجاوز حدود النووي الإيراني
وإذا ما عطفنا هذا التطور في الموقف الأميركي إلى كلام أوباما عن إمكانية التعاون مع إيران في موضوعات أخرى غير الملف النووي، وأخذنا بعين الاعتبار أن تلك الموضوعات ليست من نوع توثيق العلاقات في مجالات الرياضة والفن والموضة، لفهمنا السبب الحقيقي لكل هذه الهستيريا التي تنتاب "إسرائيل”وعرب "إسرائيل”إزاء الاتفاق الذي يؤكد المراقبون أنه قد أبرم فعلاً بين واشنطن وطهران، فيما يخص الملف النووي وسائر قضايا المنطقة.
إن أي اتفاق أميركي -إيراني حول قضايا المنطقة لا يمكن إلا أن يترجم نفسه على شكل تخل، بهذا القدر أو ذاك، من قِبل واشنطن عن أسلوب الحرب المباشرة وتبنيها في ظل أوباما لأسلوب الحرب غير المباشرة. وقد تبين حتى الآن أن الإرهاب الذي يشكل الركن الأساس الذي يقوم عليه هذا الأسلوب قد بدأ يشكل عنصراً من عناصر الأزمة في المجتمعات الغربية؛ لا لأنه قد ينفذ عملية إرهابية هنا أو هناك، بل لأن شعوب الغرب بدأت تكتشف ازدواجية السياسات الغربية التي ترعى الإرهاب بيد وتدعي محاربته باليد الأخرى، مع كل ما يعنيه ذلك من أخطار تهدد الاستقرار الداخلي في تلك المجتمعات.
ثم إن إدراك واشنطن لاستحالة ضرب محور المقاومة في المنطقة، وخطر التعرض لهزيمة عسكرية لا يمكن إلا أن تكون أكثر إيلاماً من هزائمها في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، يفسر التراجع عن معزوفة ضرب إيران التي ترددت في الخطاب الأميركي منذ انتصار الثورة الإسلامية. وكذا الأمر بالنسبة لسوريا التي بدلاً من سقوطها الوشيك المفترض، زعزعت بصمودها أركان التحالفات الإقليمية والدولية المضادة.
أولويات أميركية أخرى
وبالطبع، تدرك واشنطن أهمية الدور الذي تقوم به كل من روسيا والصين في إفشال مشروع الهيمنة في المنطقة، والأرجح أن أوباما قد وصل إلى قناعة مفادها أن تقديم تنازلات معينة إلى محور المقاومة الذي تقوده إيران أمرٌ لا بد منه في ظل توجهه نحو التصعيد العسكري في أوروبا الشرقية ومنطقة الباسيفيكي. ربما لأنه يتصور أن إسقاط روسيا أو على الأقل، تحييد الصين، من شأنه أن يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه غداة انهيار الاتحاد السوفياتي وما رافقه من أوهام نهاية التاريخ وإقامة الإمبراطورية الأميركية العالمية.
وهذا بالضبط ما يثير مخاوف نتنياهو و”عرب إسرائيل” انطلاقاً من إدراكهما لحقيقتين:
الأولى هي ما يشكله بالنسبة لهما تقدم مواقع محور المقاومة من تهديدات مصيرية.
والثانية هي علمهما الأكيد أن تحالفهما "الاستراتيجي”مع واشنطن لا يحول دون أن تتخلى واشنطن عن حلفائها وتتركهم لمصيرهم سعياً منها للمحافظة على أقل قدر ممكن من مصالحها، خصوصاً في ظل أزماتها الاقتصادية المستشرية.
مصادر أميركية : أكاذيب نتنياهو في موضوع النووي الإيراني تهدف إلى تهميش القضية الفلسطينية
صحيح أن استقبال نتنياهو في الكونغرس قد مكَّن الجمهوريين من تسجيل نقطة يراهنون على استثمارها في حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن الصحيح أيضاً هو أن نتنياهو قد عاد من رحلة التدخل الذي وصف بـ "الوقح”في الشأن الداخلي الأميركي بما هو أسوأ من خُفَّي حُنين : فقد أساء إلى علاقة كيانه الصهيوني بالديموقراطيين وبأميركا فيما لو فاز الديموقراطيون في الانتخابات. كما أن الكيان الصهيوني، في ظله أو ظل غيره، لن يحقق فائدة فيما لو فاز الجمهوريون لأنهم لن يجرؤوا، كما في السابق على الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران.
أما "عرب إسرائيل”المفتقرون إلى وسيلة للضغط، فلا مجال أمامهم غير التعويل على جهود نتنياهو العائد من واشنطن بما هو أسوأ من خُفَّي حنين. وفي جميع الحالات، تتضح أكثر فأكثر صورة الوضع المحكوم بالتقدم الذي يحرزه محور المقاومة، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا التقدم إيجابياً على القضية الفلسطينية التي يسعى نتنياهو و”عرب إسرائيل”إلى تهميشها.
هل جاء كلام هيل في موقعه وهو يطالب اللبنانيين بالاعتماد على الدستور لملء الفراغ الرئاسي؟ هو يعرف أن الدستور اللبناني ليس مرجعاً وحيداً، وفي بيانه عبارة واضحة عن ضرورة التوافق. فكيف يوفق بين الإثنين؟ التوافق بين اللبنانيين، توافقاً إقليمياً ودولياً، غير متيسِّر وليس في الأفق المنظور. ومعروف أن لا إمكانية لاكتمال النصاب، قبل الاتفاق على الرئيس العتيد.
ظاهرا أن البيان جاء ليغسل يدي أميركا من جهة، بسبب عدم قدرتها على حمل الأطراف اللبنانية، غير المستقلة عن الأطراف الخارجية، على الالتزام بمرشح تنتخبه. وهذا صحيح. ليس في يد أميركا صنع المعجزات. لم تعد سيدة المنطقة، وليست سيدة الحالة اللبنانية. فأكثر من نصف اللبنانيين يعتبرون سياستها عدوانية وعدائية، وصورتها لم تتغير، إلا إزاء البعض، منذ أكثر من نصف قرن. بل إن الكثير من اللبنانيين والعرب يعزو مآسينا القديمة والجديدة، إلى السياسة العدائية التي انتهجتها إزاء العرب. ولقد دفع لبنان أثماناً باهظة نتيجة هذه السياسة، فحروب إسرائيل على لبنان واجتياحاتها قراه ومدنه وارتكاب المجازر وتحويل بعض لبنان إلى ركام مراراً، كانت تحت عين أميركا، وأحياناً برغبة منها، ودائماً في ظل حمايتها، ودوماً ضد إدانتها.
إذا كان كلام هيل لا يصب في مصلحة تسهيل الانتخاب، فهو إذاً قد استفاد من المناسبة، ليشن كلاماً عدائياً ضد "حزب الله”، بسبب "انتهاكه”سياسة "النأي بالنفس”.
أي عاقل يصدِّق أن اللبنانيين، في دولة لبنان، قادرون على النأي بأنفسهم عما يجري حولهم؟ أيّ سياسي يفهم السياسة من خلال الوقائع، لا من خلال منظومات الأفكار والعقائد، يدرك أن لبنان دولة غير مستقلة عن محيطها. لبنان، كواقع تاريخي حديث، أثبت أنه لا يكتفي بحدوده، وشعبه يفيض عن نصوصه ومواثيقه، ويقيم علاقات واتصالات ومعاهدات، بشكل مستقل عن الدولة... في لبنان، لبنانيون سعوديون، ولبنانيون إيرانيون، ولقد كانوا في السابق، لبنانيين عروبيين وناصريين وسوريين، ولبنانيين فينيقيين وغربيين ومع إيزنهاور وحلف بغداد...
هذا هو لبنان. ولأنه كان كذلك، واستفحل أمره بعد ذلك، فليس باستطاعته انتخاب رئيس للجمهورية، وليس أمام من يفهم قليلاً، سوى الرجاء باستعجال انتهاء الحال في الإقليم بطريقة ما، ليتسنى للسياسيين في لبنان تلقي التعليمات، لكتابة اسم الرئيس الجديد.