الاتفاق النووي امر مستحيل
حسين شريعتمداري
1 ـ لربما يصنفها البعض ضمن القراءات التشاؤمية، الا ان كل الادلة تشير الى واقعية هذه الرؤية. وهي ان جدالنا النووي الطويل مع الخصم لا يرسو على بر، ومن المستحيل التوصل الى اتفاق يعترف فيه بحق ايران الاسلامية بشكل رسمي. اذ ان مسافة الحوار مع 5+1 تعدت 11 عاما وسبقتها المحادثات مع الترويكا الاوروبية والتي لبست ثوب النووي ولم تكن تستبطن الموضوع النووي.
بدورها لا تجيد اميركا من الجدال النووي سوى لغة العقوبات، اذ تعتبر الحظر امضى سلاح لمواجهة تقدم ورقي ايران عالميا. واذا ما اضفنا عداء اميركا لموجودية الجمهورية الاسلامية الايرانية نستنتج انه حسب رؤية اميركا وحلفائها فان الجدال النووي استمرار لصراع طوله 35 عاماومنها حرب السنوات الثمان. من هنا فان الغاء العقوبات والتي نستتبعها في المفاوضات النووية يقرب من ان نتوقع من الخصم ان يضع اسلحته الفتاكة جانبا في ساحة الوغى! ومن البديهي انه لم يضعها ولا يضعها. وان من يفهم من المفاوضات النووية نتيجة اخرى، يغمض عينه عن جغرافية المفاوضات، وبدل ان ينظم مسارحركته ببوصلة "هوية المفاوضات" والتي هي "غير نووية"، يسمر حدقيه لـ "يافطة المفاوضات" الخاطئة العنوان.
2 ــ فقبل ايام اشار سماحة قائد الثورة، خلال استقباله اعضاء مجلس خبراء القيادة، قائلا: "كلما اقتربنا من نهاية المفاوضات تصبح لهجة الاميركيين اكثر حدة وتشددا ورعونة لتحقيق مآربهم حيث ينبغي الحذر من هذه الخدعة".
وهنا يثار السؤال الآتي؛ لماذا كلما نقترب من نقطة النهاية، خلال السنوات الـ 11 الماضية، يختلق الاميركان ذريعة جديدة، ويعزفوا على وتر آخر، كيلا تتوصل المفاوضات الى نتيجتها المرجوة؟! والسبب انهم بحاجة لابقاء الجدال كي تستمر العقوبات.
سماحة السيد كان قد اشار قبل اكثر من عام، خلال حديثه في الروضة الرضوية، قائلا: "ان الاميركان لا يرغبون ان تنتهي المفاوضات النووية، وتصل الى النتيجة المرجوة، والا فان سبيل الحل سالك وهين ان رغبوا في انهاء المفاوضات".
3 ــ الخبير والكاتب الاميركي الشهير ديفيد فروم،كتب من على موقع (سي ان ان)؛ "فيما اذا انتهت المفاوضات النووية وتم التوصل الى اتفاق مع ايران، فينبغي رفع العقوبات، هذا اذا كانت العقوبات قد وضعت لهدفين متعاقبين "تغيير السلوك BEHAVIOR "، ومن ثم "تغيير الهيكلية STRUCTURE"، للنظام الديني الايراني!".
وبالطبع، حسب ما تفضل به سماحة القائد فان تغيير السلوك هو تغيير الهيكلية بحد ذاتها.
جورج فريدمن رئس مركز استراتفور الستراتيجي، والذي يعرف بنادي المخضرمين من اعضاء "السي آي ايه"، سبق وقال: " ان مشكلتنا مع ايران لا تنحصر في النشاطات النووية، وانما تكمن المشكلة في ان ايران قد برهنت انه ليس دون دعم اميركا وحسب وانما حتى فيما اذا حصلت مواجهة مع اميركا، يمكنها ان تكون اكبر قوة تكنولوجية وعسكرية في المنطقة. ان هذه الظاهرة قد حولت ايران الى رائدة في النضال استتبعت الربيع العربي (الصحوة الاسلامية)".
4 ــ في خضم السنوات الاولى للجدال النووي مع الترويكا الاوروبية /فرنسا وبريطانيا والمانيا، وبعد اشهر من اجتماع اكتوبر في طهران عام 2003، توصلنا من خلال كلمتنا وفي اشارة الى العراقيل التي وضعها الخصم، الى ان الجدال النووي الغربي مع ايران الاسلامية ليست الا ذريعة، واعتبرنا هذا الجدال استمرارا للحرب المفروضة مع تغيير الصورة وليست الماهية. وتوقعنا حينها ان ترسل اميركا وحلفاؤها ملفنا النووي الى مجلس الامن الاممي. ويومذاك اتهم غيري سيك المستشار الامني لرئيس جمهورية اميركا صحيفة كيهان بالتطرف! والمعرقلة لمسار المفاوضات.
الا ان هذه التوقعات اضحت واقعا، اذ ارسلت اميركا وحلفاؤها ملفنا النووي الى مجلس الامن الاممي، في موقف يعارض البند (2) من المادة 12 للنظام الداخلي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
5 ــ وتاكيدا على هذه الحقيقة بان الجدال النووي لايصل الى نقطة نهائية وانه من المستحيل ان نصل الى اتفاق مع الخصم، من هنا كان لزاما التلميح الى؛
الف: ان بعض المسؤولين المحترمين في البلاد، وعلى العكس مما كان متوقعا لتأرجح الجدال النووي لـ 11 عاما، لم يعتبروا ومازالوا ينظرون بتفاؤل الى نتيجة المفاوضات. ومن البديهي اذاما غير هذا الجناح من المسؤولين المحترمين رؤيتهم من يافطة المفاوضات الى هوية المفاوضات فان مفتاح الغاء العقوبات لا يمضي في قفل المفاوضات.
باء: لو سلمنا جدلا ان الخصم لا يريد من الجدال النووي كذريعة للعقوبات ويستحيل ان يتراجع عنها، فمن دون أي شك للتجاوز من العقوبات ان نسلك سبلا اخرى، وان نفعل الكثير من المجالات الداخلية المعطلة، ومنها اللجوء الى الاقتصاد المقاوم وهي من اهمها.
جيم: اذا ما نظرنا الى المفاوضات النووية كمعسكر وساحة للحرب مع الخصم، بدل اعطاء الامتيازات لكسب ثقة الجانب الاخر، ونعلم انه دون نتيجة، نوجه ضربتنا لدعامة العدو، مستفيدين من آليات كثيرة بحوزتنا لضرب اميركا وحلفائها. على سبيل المثال لماذا لا يصادق مجلس الشورى الاسلامي على مشروع قرار ، على اساسه نعزل ا لدول الاوروبية والتي تماهت مع اميركا في فرض ا لعقوبات، نعزلها من اولوية التبادل التجاري مع ايران. فمازال مصنع (رينو) و(بيجو ستروين) الفرنسيين الكبيرين، يعملان بفاعلية ببركة العلاقات الاقتصادية الواسعة مع ايران، وان قطع هذه العلاقة يمكن ان تخلق ازمة اقتصادية لفرنسا.
وفي القوانين الدولية مادة تحت عنوان المقابلة بالمثل ــ RETALIATIONــ يسمح لدولة نقضت حقوقها القانونية من قبل دولة او عدة دول الرد بالمثل. فايران يمكنها ان تغلق مضيق هرمز امام حاملات النفط التي وجهتها الدول الاوروبية، مستفيدة من هذا القانون وردا على قرار الاتحاد الاوروبي الغير ملزم دوليا. والجدير ذكره ان الدول الاوروبية من حقها ان تشتري او لا تشتري النفط الايراني، الا ان قرار الاتحاد الاوروبي يصرح بان هذا الاجراء يصب في مواجهة الجمهورية الاسلامية الايرانية. من هنا يمكن لايران، واعتمادا على (معاهدة جنيف لعام 1958) و(معاهدة جامايكا 1982) اللذان يعالجان النظام القانوني لممرات المياه الدولية وحق السفن بالعبور، يمكن لايران حسب هاتين المعاهدتين ان تمنع مرور حاملات النفط للدول الاوروبية التي فرضت العقوبات على ايران، وكذلك السفن الاوروبية الحاملة للسلع لدول المنطقة.
دال: اذا ما اعتقدنا كما تعكس الادلة بان الجدال النووي مجرد ذريعة لفرض العقوبات، فلا يوجد ما يدفعنا لخوض كل قدراتنا لاجل المفاوضات كما ويمكننا ان نخفض مستوى التمثيل في التفاوض من وزير الخارجية الى الخبراء والمدراء العامين.
والامر اللافت هنا ذكره ان استمرار المفاوضات امر ضروري لعلتين؛ الاولى: للبرهنة على عدم الثقة باميركا، الثانية: ان فريقنا النووي المفاوض يمتاز من حيث الجانب الفني والقانوني بان له اليد العليا على خصمه.
6 ــ ان ما يؤسف له ان هناك تيار غامض داخل البلد متأثر باميركا، وان بعض رؤوس الفتنة (عام 2009) قد تغلغلوا داخلهم، يفسرون أي نقد او اقتراح بانه معارضة للحكومة الموقرة او الفريق المفاوض، في الوقت الذي لا يوجه أي متحرق ومحب للنظام التهمة لابناء الثورة بالتقصير وعدم الاهتمام للمصالح الوطنية، رغم انه وحسب صريح كلام قائد الثورة، ان الجانب الاخر يتصف بالخديعة والتحايل، وهذه الحقيقة تستدعي الفطنة واعمال الدقة لدى فريقنا النووي المفاوض، ويعطي كذلك للمتحرقين على الثورة وهم فى صف واحد مع الفريق المفاوض، يعطيهم الحق ان يقلقوا ويحذروا من حيل الخصم. اذ ان ابناء الثورة لا يتجاهلون ــ دون ادنى شك ــ مصالح الاسلام والثورة والشعب. ويبقى الاحتمال، لا قدر الله، ان ينخدعوا من قبل اذ ناب الشيطان الكبير ، قائما.