حملة السفير الأميركي على حزب الله: صرخة الهزيمة
أمين ابوراشد
أكَّد السفير الاميركي في بيروت دايفيد هيل منذ أيام، أن امتداد الإرهاب والتطرف من سوريا لم ينتهِ بعد، واعتبر أن الضرر على الاستقرار اللبناني الناجم عن انتهاك حزب الله لسياسة النأي بالنفس لا يزال مستمراً، وأن استعداد الحزب لانتهاك المعايير الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي بدا جلياً في كانون الثاني الماضي، معتبراً أن الحزب لا يزال يتخذ قرارات الحياة والموت نيابة عن كل لبنان فلا يشاور أحداً، ولا يخضع لمساءلة أي لبناني، ويرتبط بقوى خارجية.
للسفير الأميركي أن يتجاهل بوقاحة أنه وسكّان السفارة الأميركية في عوكر باتوا من أهل البيت اللبناني، ويحقُّ له استدعاء ومساءلة من يشاء والإملاء على من يشاء من اللبنانيين المراهنين على الراعي الأميركي في ميادين زرع الفوضى الخلّاقة، التي كان يؤمل منها تعديل موازين القوى في لبنان والإقليم.
لكن هالة أميركا و”عَظَمة” استكبارها وسلطتها على دويلات أشبه بجمهوريات الموز، إذا كانت تسري على الشعوب الضعيفة المهزومة وعلى الأنظمة ذات العروش "الخالدة” وعلى بعض ضعفاء النفوس، فهي لا تسري على أهل الكرامات والمؤمنين بالله وبحقوقهم في السيادة والحريّة والعزَّة، وتصريح السفير الأميركي يندرج ضمن المثل اللبناني القائل:”المسألة ليست رمَّانة بل قلوب مليانة”.
وإذا كانت أميركا تشعر بالهزيمة أمام حزبٍ لبنانيٍ مؤمنٍ مقاوم منذ العامين 2000 و 2006 وما قبلهما وبعدهما، فإن هزائمها الإقليمية أمام إيران جعلتها تعتمد أساليب "التنصُّل التكتيكي” في كل مكان هُزِمت فيه، مع حرصها – إعلامياً – على المكابرة في سائر الجولات، وانسحاب بوارجها ومدمراتها من المتوسط مثالٌ عن استعراض القوة الفضفاضة، ورغم ذلك جعلت منه نصراً مُبيناً وبأنها ألزمت سوريا بإتلاف المخزون الكيماوي.
وليست الهزائم الأميركية معزولة عن هزائم حلفاء أميركا، لأن إسرائيل لم تستطع أن تُعرقل مفاوضات الملف النووي الإيراني ولو اعتلى نتانياهو منبر الكونغرس وسائر منابر العالم، وموعد الحادي والثلاثين من مارس/ آذار سيكون انتصاراً لإيران سواء تمّ إبرام الإتفاق مع أميركا والغرب أم لم يتمّ، لأن الخلافات البسيطة العالقة والمرتبطة بعدد مفاعلات الطرد المركزي تمَّت تسويتها مع أميركا، وتحفُّظ فرنسا غير ذات قيمة، لأن أميركا تُدرك أن عدم إبرام الإتفاق يعني إطلاق الحرية لإيران في بناء ترسانتها النووية السلمية بمعزلٍ عن أية اتفاقات، والعقوبات ما عادت مؤلمة على الشعب الإيراني الذي استطاع مواجهتها على مدى عقدٍ من الزمن، وبفضل هذا الصمود، إنهزم الغرب بمجرَّد الدخول في مفاوضات مع دولةٍ فرضت نفسها كأكبر لاعب إقليمي في ساحات "الربيع العربي”.
ومع إنهزام ربيع التكفير، عبر القضاء على حُكم الأخوان المسلمين في عُقر دارهم بمصر، وبعدها في تونس، وتحجيمهم في الأردن، وإبادة أثر من يساندهم في الإمارات والتراجع البطيء لقطر عن احتضانهم بعد أن بات مصير علاقاتها بمحيطها الخليجي على المحكّ، وتبخُّر أحلام "السلطان أردوغان” عن إحياء الأمبراطورية العثمانية الزائلة، فإن أميركا والحلفاء قادمون على مواجهة متاعب كبيرة، سواء في البحرين نتيجة البطش والقمع والأسر والإعدامات بحق أبناء الوطن المطالبين بحقوقهم البديهية، أوما يحصل في اليمن من سيطرة للحوثيين على معظم مناحي البلاد ومحاذاتهم لحدود المملكة السعودية ولجوء الرئيس اليمني المستقيل الى عدن، وصولاً الى ليبيا المشرَّعة على كل منظَّمات الإرهاب في العالم، وكل هذه التطورات هي مقدِّمة للهزائم الكبرى التي ستلحق بأميركا وحلفائها الدوليين والإقليميين في العراق وسوريا ولبنان.
وفي الوقت الذي يتواجد فيه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم السليماني، في محافظة صلاح الدين "لتقديم المشورة” للقوات العراقية التي تخوض أقسى المعارك لإستعادة تكريت من براثن داعش، هرول رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي إلى العاصمة العراقية بغداد، وقد نُقِل عنه قوله أنه سيُبدي للمسؤولين العراقيين قلقه من تنامي النفوذ الإيراني، وأشار إلى أن هذا النفوذ يثير أيضا قلق دول التحالف الدولي لمحاربة داعش، والذي يضم دولاً عربية تنظر بعين الريبة لمشاريع طهران في المنطقة، وأبرزها السعودية!
وفي الوقت الذي تقود فيه إيران عبر "الحشد الشعبي” بوجود الجنرال السليماني، أقدس حربٍ إسلامية بوجه التكفيريين الظلاميين في العراق ودفاعاً عن الأقليات المظلومة، وتؤازر الجيش السوري ورجال حزب الله في وأدِ حلم إسرائيل بإقامة حزامٍ "لحديٍّ سوريّ” تحت سيطرة إرهابيي النصرة من درعا الى الجولان وصولاً الى سفوح جبل الشيخ في لبنان، فإن لبنان - شاء "السفير الكاوبوي” أم أبى - هو بحماية المعادلة الذهبية للجيش والشعب والمقاومة، وإذا كان لديه تساؤل عن مصير سلاح حزب الله، فإننا نُحِيله الى تصريح النائب وليد جنبلاط حين قال: "إن من يبحث مسألة مصير سلاح حزب الله في هذه الظروف هو غبي، لأن هذا السلاح بات سلاحاً إقليمياً”