أين النظام الداخلي لمجلس الوزراء؟
غسان جواد
حسناً فعلَ الرئيس تمّام سلام بوَضعِه ضوابطَ لعمل مجلس الوزراء. التوافق لا يعني التعطيل، ولا امتلاك حقّ النقض في ملفّات حيوية تهمّ الناس وتخصّ حياتهم.
منذ تأليف الحكومة بدا واضحاً حِرص رئيسِها على تمرير كلّ القرارات بالتوافق، ولكنّ الآليّة المعتمدة وصلت إلى طريق مسدود أثَّرَت على إنتاجية الحكومة، وأتاحت الفرصة لكلّ وزير من الوزراء لكي يتمتّع مع رئيس الوزراء بحقّ التوقيع على المراسيم، ما يعني أنّنا أصبحنا أمام اعتداءٍ واضح على صلاحيات الرئاسة الثالثة مع غياب الرئاسة الأولى وحلول الفراغ مكانها.
حاوَل الرئيس سلام وأفرقاء آخرون داخل هذه الحكومة معالجة "المراوحة” والابتزاز والمزايدات التي مارسَها بعض الوزراء بحجّة عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولكنّ الأمر لم يعُد يُطاق بعد التمادي واستمراء بعض الوزراء للوضع القائم لتحصيل مزيد من المكاسب الحزبية والمناطقية على حساب الإنتاج والتضامن الوزاري.
يقول أحد الوزراء إنّ سلام كاد يُصاب بعارض صحّي في إحدى جلسات مجلس الوزراء من جرّاء ممارسات وزراء في حكومته. ويضيف أنّ الفوضى كانت تبلغ أشدّها عندما يتوجّه غالبية الوزراء إلى قاعة جانبية لإجراء اتصالات سياسية بمَراجعهم قبل السير في أيّ قرار، ناهيك عن عدم التزام أبسط الأدبيات التي يمكن توافرها في أيّ مؤسّسة رسمية من ضمنها الالتزام بمنعِ التدخين في الأماكن العامّة!!
المشكلة ليست في التدخين، وليست في إجراء مشاورات واتصالات جانبية، إنّما بالذهنية التي يعمل من خلالها البعض مستندِين الى الآلية التي اعتُمِدَت عند التأليف وهي توقيع رئيس الحكومة وجميع الوزراء القرارات المتّخَذة.
ومن هنا اعتكفَ سلام لأسبوعين، وأجرى اتّصالات سياسية أبرزُها مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، والرئيس سعد الحريري، ويبدو أنّ الأمور اتّخَذت شكلَ التهدئة في الجلسة الاخيرة رغم عدم الحديث، بحسَب الوزير عينه، عن آليّة جديدة.
إكتفى رئيس الحكومة بما قاله في افتتاح الجلسة، حيث عبّرَ عن رغبته الشديدة بالتوافق وعدم الوصول إلى التصويت، ولكنّه أضاف أنّ المادة 65 تعني المضيَّ وفق الأصول الدستورية في اتّخاذ القرارات الحكومية، وأعلنَ أمام جميع الوزراء أنّه لن يقبلَ أن يتمتّع أحد بحق النقض أو الفيتو، لأنّ التوافق يعني البحثَ عن حلول لتسيير شؤون الناس والدولة وليس ترَفاً تجري ممارستُه للابتزاز ضمن حكومة "توافقية”.
إنتهَت جلسة مجلس الوزراء، وكانت الأجواء توحي بتمرير الجلسة بلا مشكلات، ولكنّ هذا لا يعني بالضرورة القفز أو الانتهاء من مشكلة "الآلية” التي تبدو أنّها ستظلّ لغماً يسكن هذه الحكومة إلى جوار وزرائها طالما إنّ البلاد لم تصل الى اتّفاق على رئاسة الجمهورية، وطالما إنّ الوزراء المسيحيين لا يقتنعون بسير العمل بشكلٍ طبيعي في ظلّ الفراغ الرئاسي.
لا أحد في الحكومة يريد الإطاحة بها الآن. جميع القوى السياسية تدرك أنّ ذهاب هذه الحكومة يعني مزيداً من الفراغ وتصريف الأعمال في الحدود الدنيا. ولذلك يحرَص الجميع على عدم تفجيرها من الداخل حتى الآن. ولكن هل هذا يحلّ المشكلة؟
تشير أوساط نيابية مطّلعة إلى أنّ النقاش الدائر حول اتّباع الآليّات في اتّخاذ القرار ضمن مجلس الوزراء لم يتطرّق إلى أمر بالِغ الأهمّية، وهو وجود
"نظام داخلي” لمجلس الوزراء اللبناني صدرَ بمرسوم حكومي في عهد الرئيس عمر كرامي عام 92، ولذلك لا بدّ لحَسم كلّ الجَدل من الاستناد الى الدستور في طريقة اتّخاذ القرارات، وإلى النظام الداخلي في عملية ضبط الإيقاع في الجلسة.
من شروط تطبيق النظام الداخلي لمجلس الوزراء أن يجتمع في مقرّ خاص يكون مقرّاً رسمياً للحكومة، وهذا الأمر كان محَطّ نقاش وخلاف مع الرئيس رفيق الحريري في عهد الرئيس إميل لحّود، وإذا كان سلام مهتمّاً فعلاً بعدم تسجيل سوابق في آليّات عمل الحكومات فعليه العودة إلى هذا النظام الداخلي وحسم الجدل.