موسكو.. الملاذ الاخير
شهدت العاصمة المصرية مؤخرا نشاطا ملحوظا لمختلف فصائل المعارضة السورية التي توافدت عليها للتشاور اولا فيما بينها للخروج بموقف ورؤية موحدة للذهاب بها الي موسكو على ان تشهد الشهر القادم اجتماعا موسعا بين المعارضة السياسية السورية المؤمنة بالحل السياسي وبين ممثلي الحكومة السورية للاتفاق على حل سلمي ينهي الازمة السورية التي باتت تشارف على نهاية الاربع سنوات من عمرها حيث انهكت البلاد والعباد على حد سواء.
لقد ثبت بالضرس القاطع بان الخيار العسكري الذي يقف وراءه الخارج لايصلح لحل الازمة السورية وانه من غير الممكن تطبيقه على ارض الواقع وهذا ماثبت خلال السنوات الاخيرة التي كان من الممكن تجنبها وتجنيب سوريا كل هذا الدمار وسفك الدماء وهدر المليارات من الدولارات التي انفقتها الدول الاقليمية الضالعة في الازمة السورية والمعروفة لدى الجميع.
وايا كانت الاسباب والمسببات ولا نريد ان ندخل في التفاصيل لكن اوضاع المنطقة ودولها التي دعمت داعش واصبحت اليوم وبالا عليها، هي التي تحكي عن نفسها وقد دفعت بالامور لتستضيف القاهرة اطراف المعارضة السورية بمختلف اتجاهاتها باستثناء داعش والنصرة تمهيدا للذهاب الى موسكو بموقف موحد لمفاوضة الجانب السوري الرسمي. ولولا ضوء اخضر دولي واقليمي لما شهدت القاهرة هذه المشاورات ولما ينعقد مؤتمر موسكو الشهر القادم لفض الازمة السورية سلميا.
ولا يخفى على احد ان الضربات المهلكة التي تلقتها داعش في العراق على ايدي القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي الذي تحرك بامر المرجعية العليا في النجف الاشرف والمتمثلة بآية الله العظمى السيستاني قد يكون هو السبب الاخر الذي حمل الجهات الدولية والاقليمية بدفع المعارضة السورية داخليا وخارجيا بان تزداد قناعة بانه لا حل عسكريا للازمة السورية وعليها ان تذهب الى مائدة المفاوضات لتجرب حظها الاخير والا ستخسر جميع اوراقها . فالقوات العراقية باتت قاب قوسين او ادنى للانقضاض على الموصل وهذا معناه هزيمة مدوية نفسيا وعسكريا لداعش التي سينعكس عليها سلبا في سوريا التي تواجه هناك جبهتين في آن واحد. الاولى "النصرة" التي تنافسها على الامساك بالارض والثانية القوات السورية التي باتت تسيطر على الميدان وهي في تقدم مستمر لتطهير المناطق السورية الوحدة تلو الاخرى.
واخيرا ما دفع بالجهات الدولية والاقليمية التي تآمرت على سوريا طيلة السنوات الاخيرة ودمرتها وسفكت دم شعبها بان تشجع المعارضة السورية للمضي الى الحل السلمي لم تكن الاخلاقيات او انابة الضمير او الاحساس بالمسؤولية بل الذي دفعها هو ان لا تخسر المزيد من المواقع والمصالح لان شعوب المنطقة نزلت الى الشارع لتتصدى لداعش الذي حاول ان يتاجر زورا باسم الدفاع عن السنة في حين ان المناطق السنية كانت اكثر المناطق تضررا من وجودها سواء في العراق او سوريا اولبنان. واخيرا و ليس آخرا ان فشل المراهنة على داعش المولود اللاشرعي لاجهزة المخابرات الدولية والاقليمية في تمزيق الصف الاسلامي وخلق فتنة طائفية في المنطقة قد حمل كل الاطراف بالقناعة بانه لا انفراج للازمة السورية سوى بالحوار والحل السلمي الذي اكدت عليه سوريا والدول المتحالفة معها منذ بدايات الازمة وحتى اليوم.