التضامن الوطني على محك المواجهة مع الإرهاب
سركيس ابو زيد
العسكريون المخطوفون هم اليوم مأزق السياسة اللبنانية . وهذا الملف المعقد والمتفجر يفضح تقصير الحكومة ويحرجها امام أهالي من هم شرف ووفاء وتضحية . انه الحدث الحاضر بقوة وان غاب أحيانا ليعود ويفرض نفسه على الشاشات والساحات وكواليس السياسة والمفاوضات .
قضية العسكريين المخطوفين لم تحقق أي تقدم فعلي يذكر منذ ثلاثة أشهر وإلى الأن، فكل ماحدث هو تجاذبات سياسية لاتغني ولاتسمن ولاحتى أرضت اهالي العسكريين الذين صرخوا بالصوت العالي لتسمع الحكومة اللبنانية صوتهم وتأخذ خطوات ايجابية في قضيتهم فلم يصلوا الى حل فقطعوا الطرقات واعتصموا واحرقوا الدواليب، ولكن..لاشيء .
فمنذ البداية كانت قضية العسكريين المخطوفين قضية معقدة وشائكة، فعملية الاختطاف أو الأسر جرت على أرض لبنانية وطالت عناصر من الجيش وقوى الأمن، والجهة الخاطفة ليست واحدة وإنما جهتين، وكل واحدة لها طلباتها غير المحددة وغير النهائية، فصعوبات هذه القضية تعود لعدم استعداد تركيا للقيام بأي دور وساطة ومساعدة في هذا الملف، وموقفها كموقف قطر التي تبدلت ظروفها بين الماضي والحاضر كونها مشتركة مع التحالف ضد”داعش”و”النصرة”اللتين تحتجزان العسكريين اللبنانيين مع رغبتها بالظهور انها قطعت اي علاقة لها بالتنظيمات المتطرفة.
هل تحل الجهود الحكومية لغز العسكريين المخطوفين
يضاف اليه عدم وجود قرار لبناني واضح وصريح وعملي للتنسيق الجدي مع الجهات السورية الرسمية لتقديم مساعدة في هذا الملف عبر إطلاق سجينات من المعارضة السورية لمبادلتهن مع العسكريين اللبنانيين. الحركات الإرهابية التكفيرية تضع الحكومتين اللبنانية والسورية في سلة واحدة وبعض الجهات اللبنانية لا تتجرأ – وهي أصلا لا ترغب - على التعاون العسكري والسياسي بين بيروت ودمشق لمواجهة الاخطار والتحديات المشتركة . هذا الأداء المتردد والخجول يضعف المفاوض اللبناني .كما ان طريقة إدارة الحكومة اللبنانية لهذا الملف ينم عن حالة تخبط وارتباك مما ادى بالجهة الخاطفة الى امساك زمام المبادرة وتحكمها بالمفاوضات الأمر الذي افقد الحكومة اللبنانية أوراق القوة التي تمسك بها ، على الرغم من إنشائها خلية للازمة . في بداية المفاوضات ظهرت هيئة العلماء المسلمين التي تطوعت لدور وساطة، ثم تكشف دورها المنحاز والمتعاطف مع الخاطفين . ومن ثم تبرع وزراء وسياسيين بلعب دور الوساطة فخسر لبنان سلاح السرية و مركزية إدارة الملف فظهر تعدد الاقنية وتضارب العروض وتردد التفاوض وبازار الشروط والشروط المضادة .
على خط موازي للأحداث شكل توقيف الجيش اللبناني لعدد من الخلايا النائمة والعناصر الإرهابية منها طليقة أبو بكر البغدادي قائد تنظيم "داعش” ، و زوجة القيادي في "النصرة” أنس سركس المعروف بـ "علي الشيشاني” ،حدثاً بالغ الاهمية في سياق حرب التحالف الدولي، العسكرية والاستخباراتية التي تشن ضد هذا التنظيم ويقدم دليلا حسيا جديدا إلى ان لبنان جزء من هذا التحالف وشريك في هذه الحرب من ضمن نطاقه وإمكاناته. لكن بعض المراقبين كان لهم ملاحظات وانتقادات على تسريب الاخبار والمعلومات والفائدة منها .
بعد هذه الاعتقالات ردت المنظمات الإرهابية باعتداءات وتصفيات وتهديدات جديدة . ودخل ملف العسكريين المخطوفين، في مرحلة جديدة اكثر تعقيدا وأرباكا ما سيترك انعكاسات وتداعيات خطيرة تستوجب المزيد من التضامن الوطني والحنكة السياسية في معالجة التحديات .
ترافقت هذه التطورات مع تحركات مواكبة منها سري ومنها معلن ، في ظل رفض الدولة اللبنانية تجزئة الملف وإصرارها على إجراء الصفقة دفعة واحدة. و اعتماد "النصرة” استراتيجية جديدة في التعامل مع الملف في إطار الحرب النفسية يضاف عليها تقديم الجهات الخاطفة لائحة مطالب تتضمن تزويدها مادة المازوت والمعلبات والمواد الغذائية والطبية الأساسية. يرافقه مطالبة جهات حكومية بإبعاد الملف عن الاستهداف الأمني والحزبي والمذهبي والسياسي، ليتسنى للمهتمين به المضي في مساعيهم بعيدا من المتاجرة بمشاعر الأهالي وبمزايدات بعض الأطراف التي أسهمت في شكل أو في آخر في المأساة.
ولكن يبقى السؤال، هل ستنجح كل هذه المساعي والتحركات السياسية للحكومة اللبنانية في تعاطيها مع مسؤوليين على المستوى العربي والاقليمي في حل لغز ملف العسكريين المخطوفين؟ أم سيكون مصيره كمصير قانون الانتخابات والفراغ الرئاسي؟........لننتظر ماستكشفه لنا الأيام القادمة. خاصة ان ملف الحوار بين المستقبل وحزب الله والمشاورات الحكومية قد توفر الظروف من اجل إمكانية التوصل الى اعلان حالة طوارئ وطنية تضمن سرية المفاوضات ومركزية ادارتها بهدف انجاحها مع مواجهة التحديات والتداعيات المقبلة من خلال أوسع تنسيق بين القوى السياسية والوسائل الإعلامية والأهالي وقيادة الجيش لان مواجهة عدو إرهابي متوحش يتطلب خطة استثنائية لقرارات حكومية رادعة وجريئة ضد الإرهاب وحماته.